Site icon IMLebanon

“القوات” في مواجهة “الأزرق” و”البرتقالي”!

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

يُنتظر أن تشهدَ العلاقات بين مختلف الأفرقاء السياسيين من الآن وحتى موعد الاستحقاق النيابي في أيار المقبل كثيراً من المدّ والجذر سلباً وإيجاباً لتظهر على حقيقتها في النهاية لدى توجّه هذه القوى الى صناديق الاقتراع التي يُفترض أن تُفضي بنتائجها الى سلطة سياسية جديدة تخلق واقعاً سياسياً جديداً في البلاد.تبرز في صدارة المشهد السياسي حالياً تساؤلات حول مستقبل العلاقة التي تربط حزب «القوات اللبنانية» بكل مِن تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، في ضوء ما تشهده من حين الى آخر من ازدهار مع هذا التيار وتراجعاً مع الآخر، فيما كانت «القوات» تتطلّع الى لعب دور الجسر بين التيارَين، خصوصاً بعد ترشيحها العماد ميشال عون لرئيس الجمهورية، ودفعها «المستقبل» الى تبنّي هذا الترشيح الذي انتهى بوصول عون الى بعبدا.

علاقة «القوات»، مع تيار «المستقبل»، وحسب أوساط فيها، تشهد حالياً تبايناً لا يختلف عن ذلك التباين السائد بينها وبين «التيار الوطني الحر»، حيث إنّ هذَين التيارَين تقاطعا على مجموعة ملفات وجدت «القوات» نفسَها في مواجهتها، من ملف الكهرباء الى البطاقة الانتخابية البيومترية وما بينهما قانون سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام بمختلف أسلاكه، ومشروع قانون الموازنة العامة للدولة لسنة 2017 وقطع الحساب والمنصوص عنه في المادة 87 من هذا المشروع، فضلاً عن ملفات أخرى تظهّرت في اليوميات السياسية والاجتماعات الحكومية.

وفي ضوء هذه الحال وجدت القوات نفسَها في هذه الحال أمام تيارَين سياسيَّين يلتقيان على ممارسةٍ ونهجٍ مشترَكين لا تستطيع أن تماشيَهما فيهما، خصوصاً أنّ الرأي العام ليست لديه ثقة بالدولة وبالطبقة السياسية ويتطلّع الى ممارسة جديدة تستظلّ القوانين والدستور لاستعادة هذه الثقة، في حين أنّ «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» يستعجلان الأمور ويسلقانها من دون اعتماد الآليات المطلوبة والمنصوص عنها في القوانين والأصول المرعيّة الإجراء.

وفي هذه الحال تقاطعت «القوات» تلقائياً مع «حزب الله» وحركة «أمل» وقوى سياسية أخرى مشارِكة في الحكومة على مواجهة التيارَين «الأزرق» و«البرتقالي» اللذين يُفترض أن يكون التقاؤها الطبيعي معهما.

واللافت أنّ عناوين الخلاف بين «القوات» و»التيارالوطني» هي نفسها التي بينها وبين «المستقبل» مع فارق أنّ «التيار الأزرق» اعتاد على «مبدئِيّة» حزب «القوات» فيما «التيار البرتقالي» يمارِس ردّة فعل على النهج «القواتي» تبدأ بالانتقاد ولا تنتهي بتطويق وزراء «القوات» في وزاراتهم، وصولاً الى عدم الالتزام بورقة التفاهم المتّفق عليها بين الفريقين والتي تُوِّجت بترشيح عون لرئاسة الجمهورية.

فصحيحٌ أنّ هذا التفاهم يقضي بتقاسم الطرفين الشؤون المتصلة بالدولة من تعيينات وغيرها، لكنّ «القوات» لا تتعامل مع «التيار» في هذا الصدد على قاعدة المحاصصة لأنّ الهدف من هذا التقاسم هو إعادة الاعتبار لتعيينات تستظلّ الكفاية والشفافية والنزاهة لكي يشعرَ معها المواطن بأنه يحصل على الخدمة العامة بعيداً عن أيّ زبائنيّة ووساطات.

وقد تفاجأت «القوات» في أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أطاح بنودَ «تفاهم معراب» ويريد اختزالَ كلّ شيء وعلى قواعد حصَصِيّة لا تختلف عن ممارسات في عهود سابقة، ما خيّب آمال الرأي العام عموماً، والمسيحيين خصوصاً، في حصول ممارسة جديدة تختلف عمّا مضى، وهو ما لم تقبل به «القوات» ولن، لأنّ دخولها بقوة الى الحكومة كان الهدف منه إرساء نهج جديد يعيد الاعتبار الى البعد المؤسساتي الذي يبدأ بمجالس الرقابة ولا ينتهي بالتشكيلات القضائية.

لكنّ هذا الخلاف بين «القوات» و«التيار» الذي ظهر في أكثر من استحقاق ومحطة ومفصل دلّ، حسب الاوساط «القواتية»، الى فوارق بنيوية في الممارسة والنهج، لن يعيد العلاقة بينهما الى ما كانت عليه قبل المصالحة التي انتجت «تفاهم معراب»، لأنّ هذه المصالحة باتت ثابتة وراسخة ولا مصلحة لأيٍّ من الطرفين في العودة الى الخصومة، أو الى القطيعة التي تحول دون التقاطع بـ«القطعة» أو عند الضرورة الاستراتيجية المتصلة بالشراكة المسيحية ـ الإسلامية. ولكن لا شك أنّ العلاقة بين الطرفين الآن ليست في أفضل حال ولا يخفى على أحد انعدام وجود محاولات جديدة لمعالجتها.

على أنّ الترشيحات النيابية التي أعلنتها «القوات اللبنانية» حتى الآن، لم تكن موجّهة ضد «التيار الوطني الحر»، على ما تؤكّد أوساطها، إذ تعتبر أنّ هذه الترشيحات هي من حقها بدءاً من مقعدها النيابي في البترون مروراً بمقعد بعلبك ـ الهرمل، وصولاً الى جزين حيث لها قاعدة شعبيّة وازنة، وبالتالي هي تميّز بين الترشيحات والتحالفات، فالترشيحُ حقٌّ لكلٍّ مِن الطرفين، وفي حال التحالف أو انعدامه يكون لكلّ حادث حديث.

على أنّ «القوات» لا تُخفي انزعاجَها من لقاء باسيل مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك، إذ تعتبر أنّ هذا اللقاء أخرج التيار من وسطيّته، لكن في المقابل هي متأكّدة مِن حرص عون على لعب دور الجسر بين مختلف القوى السياسية في لبنان.

وأما على خط العلاقة بين «القوات» و«المستقبل»، فتؤكّد الأوساط «القواتية»، أنّ «التباينات والفوارق التي ظهرت بين الجانبَين لم تنعكس على تقاطعهما الاستراتيجي المتصل بالعناوين السيادية الكبرى»، الأمر الذي تُرجِم في التقاطع على التصدّي لمحاولات التطبيع مع النظام السوري، وهو ما كان موضعَ بحث في لقاء «بيت الوسط» الأخير بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

على أنّ علاقة الطرفين بالمملكة العربية السعودية والاتفاق بينهما على عناوين وطنية مشترَكة وضعا الخلافات بينهما على اليوميات جانباً، الأمر الذي لم يحصل بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» حيث خرج خلافُهما الى العلن بسبب إصرار باسيل على انتقاد «القوات» علناً ما استدعى رداً منها عليه، علماً أنّ هذا الخلاف «القواتي» ـ «العوني» سيبقى تحت سقف تفاهم معراب».

يبقى، في رأي الأوساط «القواتية»، أنّ العلاقة بين «القوات» وكلٍّ من «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» لا يمكن التكهّن بتحوّلها تحالفاً انْتخابياً من الآن وعلى مسافة ثمانية أشهر من موعد الاستحقاق النيابي، وكذلك لا يمكن توقّع صيرورتها الى القطيعة، ولكن الأكيد، حسب الأوساط نفسها، أنّ العلاقة بين «القوات» و«التيار» لم تعد كما كانت لدى إعلان «تفاهم معراب»، وفي المقابل فإنّ العلاقة بينها وبين و»المستقبل» ليست الآن كما كانت عليه يوم صعود 14 آذار.