Site icon IMLebanon

إنقاذ الدولة من ‘دويلة’ حزب الله مقدمة للاستقرار في لبنان

تعرضت شرعية حزب الله بقوة بعد أن انكشف مشروعه للسيطرة على الدولة اللبنانية واهتز شعار المقاومة الذي كان يستخدمه الحزب لتبرير مسوغات حمله للسلاح بعد أن أقحم لبنان في الصراع السوري ورفع السلاح لتصفية الخصوم السياسين ولتنفيذ الأجندة الإيرانية في لبنان والمنطقة.

إلى جانب الأزمات الاجتماعية وتعطيل العملية السياسية في الداخل اللبناني، عمل حزب الله في الخارج على تدريب جماعات موالية لإيران، من ذلك جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن والميليشيات المقاتلة في العراق وسوريا. وانكشفت في مناسبات عديدة مخططات الحزب في دعم جماعات بحرينية.

لكن، تنامي نفوذ حزب الله وتحول الصراع إلى معركة مصيرية، يزيد من خطورتها تغلغل الجزب في المؤسسة اللبنانية، يضع عراقيل كبيرة أمام أي خطوة لمواجهة تنامي نفوذه وتمدده وارتباطه بالإرهاب الدولي. الأمر الذي يضع اللبنانيين والأميركيين أمام تساؤلات جوهرية حول السبل الكفيلة بتحجيم دوره دون أن يؤثّر الأمر بشكل سلبي على الدولة اللبنانية الهشة وسط تجاذبات طائفية وسياسية وأوضاع إقليمية ساعدن حزب الله على ترسيخ وجوده وتكوين “دولة داخل دولة” متسلحا بمخزون عسكري ودعم مادي مقدم من إيران.

وحذّرت مجلة فورين أفيرز الأميركية في تحليل مطول، أعده جوناثان شانزر وأورد كيتري وأليكس إنتز، يعرض وجهة نظر أميركية في التعامل مع خطر حزب الله وكيف يمكن الفصل بين الدولة “والدويلة” الممثلة في حزب الله، في إجابة على تساؤل جوهري هو: هل مازال من مصلحة الولايات المتحدة تمويل القوات المسلحة اللبنانية التي كان ينظر إليها على أنها قوة موازنة لكبح حزب الله، نظرا لهيمنة هذا الأخير على الشؤون المالية والعسكرية والسياسية في البلاد.

كما تساؤل الباحثون عن أفضل طريقة للتصدي للصعود حزب الله باعتباره قوة مزعزعة للاستقرار لديها ارتباطات بالإرهاب وإيران. ركزت دراسة فروين افيرز على مراجعة قانون مكافحة الإرهاب الأميركي (باتريوت آكت) في علاقة بمسالة العقوبات الأميركية على الحزب، فيما تراوحت إجابات خبراء ومحللين سياسيين تحدثت إليهم “العرب” بين فرض العقوبات والحل العسكري.

ويعتقد مهند الحاج علي، مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في لبنان، أن أي مواطن لبناني يطمح إلى إقامة دولة مواطنة وحكم القانون والتعددية، فإن مشكلته مع حزب الله ترتبط بكل ما يٌقوّض هذه المبادئ. وبالتالي يتطلب منه أن يكون حريصا على السلم الأهلي اللبناني ومؤسسات ومقدرات الدولة اللبنانية، وعليه فإن الحل العسكري أو التدخل الخارجي خارج سياق البحث.

ويقول الحاج علي لـ “العرب” “يبقى السبيل الوحيد انشاء تحالف وطني واسع عابر للطوائف ويضم مكونات فاعلية في الطائفة الشيعية من أجل العمل على توفير بديل ضاغط والتفاوض مع الحزب على تسويات تحتوي سياساته السلبية في الدخل والخارج”.

وهذا ما يطرحه الباحث السياسي اللبناني مكرم رباح بدعوته إلى التصدي لحزب الله من خلال برنامج سياسي واضح من مختلف القوى السياسية اللبنانية الوطنية ووضع أولوية للإستراتيجية الدفاعية لكبح السلاح خارج الشرعية. ويقول رباح لـ “العرب” إن “المواجهة العسكرية غير واردة ومضرة وتعطي حزب الله ذريعة لاستخدام سلاحه كما حدث في 7 أيار ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة”.

ويشكك مهند الحاج علي بفاعلية العقوبات المالية، ويقول “إن حزب الله قوة مؤثرة سياسيا وعسكريا، ولكن ليس ماليا. عمليا اقتصاد الحزب منفصل عن الاقتصاد الوطني إلى حد كبير، والدليل أن مؤسساته وقيادييه الخاضعين للعقوبات المالية يُمارسون أغلب نشاطاتهم على الأقل خارج الإطار المصرفي اللبناني. المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى خارج سيطرة الحزب، لا بل هي في مجملها من بنوك وصناعة وزراعة وسياحة على الجانب الآخر تماما في السياسة”.

ويضيف أن “نفوذ الحزب في الدولة يعتمد كثيرا على حلفائه، نظرا لأن حصة الطائفة الشيعية محدودة ضمن إطار المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. الحديث عن هيمنة شاملة للحزب منافية للحقيقة. في الجيش، هناك نفوذ لكل القوى السياسية اللبنانية من خلال التعيينات، والحضور السني ليس بالهيّن. قائد الجيش ومدير المخابرات من الطائفة المارونية، ورئيس الأركان من الطائفة الدرزية. أما في وزارة الداخلية، فالنفوذ الغالب لتيار المستقبل”.

ويرى أن أحد الأطروحات لمعالجة الأثر السلبي الدائم لسلاح حزب الله على هيبة الدولة وسلطتها والواقع السياسي التوافقي، إنشاء إستراتيجية دفاعية لتكون هذه الترسانة الفاعلة جزءا من إمكانات الجيش وخاضعة لسلطته ولحكومة منتخبة وممثلة لكافة القوى والطوائف اللبنانية. ويضيف أن “هذا الحل لبناني بامتياز، ويضمن استغلال خبرات عسكرية وأسلحة فاعلة لحماية الدولة. لكن طبعا يرفض حزب الله هذه الإستراتيجية بما أنها تسحب البساط من تحت مموله الإيراني، وتُجيّر قدراته للدولة بكافة مكوناتها ومن ضمنها الطائفة الشيعية”.

بالنسبة للقوى اللبنانية، يؤكد الحاج علي على أنه لا مناص من المواجهة السلمية ومواصلة الضغط والتفاوض مع الحزب أولا لاحتواء أثر تورطه في الخارج على الداخل اللبناني من جهة، وثانيا للحفاظ على مؤسسات الدولة والسلم الأهلي.

أما الكاتب والإعلامي اللبناني جيري ماهر فلا يرى إمكانية للحل السلمي مع حزب الله ويؤكد أن السلاح لا ينتهي دوره إلا بالسلاح. ويقول لـ “العرب” إن “أفضل طريقة اليوم للتصدي لحزب الله وسلاحه وسلطته في لبنان هي عبر تشكيل تحالف دولي بقيادة عربية يحاصر الحزب اقتصاديا وسياسيا فهذا هو المطلوب اليوم على مستوى المنطقة والعالم”.

ويضيف ماهر “قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض تحدث مقربون منه عن نيته التصعيد ضد حزب الله بعد الانتهاء من داعش ومعلوماتنا المؤكدة أنه لا يحبذ بأي شكل ترك الحزب يتمتع بسيطرة على لبنان، ورفض ترامب لقاء عون هو أهم رسائل أميركا إلى الداخل بهذا الخصوص”.

وأقرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروعي قانونين لتشديد العقوبات المفروضة على حزب الله. وقالت مصادر بنكية وسياسية إنه تم تعديل مقترحات لتشديد العقوبات الأميركية على جماعة حزب الله بما يكفي للتخفيف من حدة المخاوف من أن يلحق ضرر بالاقتصاد اللبناني فيما يمثل إشارة إلى أن واشنطن تنظر بجدية للمخاوف على استقرار لبنان.

ويؤكد نبيل الحلبي، مدير مؤسسة لايف في لبنان، أن السبيل الوحيد للتصدي للهيمنة الإيرانية على لبنان تكمن في الصمود والتمسك بالثوابت الوطنية، وعدم تقديم تنازلات لحزب الله على حساب الدولة والقانون والمؤسسات.

ويقول الحلبي لـ “العرب” “صحيح أن حزب الله يهيمن على جميع مؤسسات ومرافق الدولة اللبنانية بما فيها الأجهزة الأمنية والجيش. إلا أنه يتحتم على الحكومات الداعمة للجيش أن تستمر في دعمها للمؤسسة العسكرية ضمن شروط تندرج في إطار استعادة الشرعية على كل الأراضي اللبنانية بما فيها المحميات التي أنشأها حزب الله، وكف يده على إدارة بعض المواقع في المؤسسة العسكرية مثل المخابرات وقيادة عمليات البقاع والجنوب والتي يتحرك فيها الجيش وفق إستراتيجية تخدم مصالح حزب الله. كذلك إنهاء هيمنة الحزب على المحكمة العسكرية التي يوجهها دائما لمحاكمة خصومه الافتراضيين مثل اللبنانيين السنة واللاجئين السوريين المعارضين لنظام الأسد“.

خلال المناقشات تناول الكونغرس الحديث بجدية في مسألة هل مازال من مصلحة الولايات المتحدة تمويل القوات المسلحة اللبنانية التي كان ينظر إليها على أنها قوة موازنة لكبح حزب الله، نظرا لهيمنة هذا الأخير على الشؤون المالية والعسكرية والسياسية في لبنان؟

وأجاب على جوناثان شانزر وأورد كيتري وأليكس إنتز على هذا التساؤل مشيرين إلى أن فصل لبنان يعني التخلي عنه لإيران، وذلك يعد خطأ دبلوماسيا وتكتيكيا فادحا. وقالوا إن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي ستعد قريبا قانون تعديلات منع التمويل الدولي لحزب الله وسيضم هذا المشروع طيفا من العقوبات الجديدة لمعاقبة حزب الله لعلاقاته بالإرهاب الدولي ويستهدف النشاط المالي الداخلي لهذا التنظيم.

يؤكد هذا التوجه، ابراهيم الجباوي، الخبير في الشؤون العسكرية، الذي يطالب بأن يتم التعامل مع حزب الله من منطلق أنه ميليشيا تمارس إرهاب طائفي ممنهج وليس جيشا منظما يخدم الأجندة اللبنانية. ويقول لـ “العرب” “باعتبار أن أي مليشيات عسكرية تتطلب دعم مالي كبير بالإضافة للتسليح وهذا الدعم هو من يبقيها مستمرة في عملها، فبالتالي فإن مواجهة حزب الله في لبنان يجب أن تكون بداية عبر تجميد منابع تمويل الحزب أي تجميد منابع الإرهاب الذي يموله وكذلك محاسبة إيران التي تعتبر الممول الرئيس للحزب والراعي الرسمي لمليشياته”.

ويرى الجباوي أنه لابد من إعادة هيكلة الجيش اللبناني ليصبح جيشا وطنيا لا يخضع لنفوذ حزب الله، فيما يذهب مهند الحاج علي إلى التأكيد على أن الولايات المتحدة ستخسر الكثير لو أوقفت دعمها للجيش اللبناني. فـ”العلاقة الأميركية مع الجيش وضباطه متينة حاليا، وهي تنعكس إيجابا على النظرة العامة في لبنان لواشنطن نظرا لشعبية هذه المؤسسة”.

ويضيف “اللبنانيون وبينهم قسم مهم من السنة، ينظرون بايجابية للجيش ودوره. هو المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد، والعابرة للطوائف. ستصب أي خطوة سلبية من الولايات المتحدة تجاه هذه المؤسسة، في مصلحة القوى المعادية لواشنطن وعلى رأسها حزب الله”.

ويطالب جيري ماهر الكونغرس الأميركي مراقبة مساعداته إلى الجيش ووضع شروط واضحة تمنع تسريب معلومات عن الأسلحة وكمياتها ونوعياتها وأماكن تخزينها لأن حزب الله يستفيد من كافة هذه المعلومات ويشاركها مع الجانب الإيراني “بالإضافة إلى خضوع جهاز مخابرات الجيش إلى الحزب والمحكمة العسكرية أيضا مما يضع اللبنانيين أمام خطر محدق بمستقبلهم”.

ويتفق نبيل الحلبي مع الخبراء الأميركيين في أن التخلي الأميركي عن لبنان سيريح إيران ويطلق يدها للهيمنة على البلاد. وبالتالي على الإدارة الأميركية أن تقوم بدعم التيارات السيادية في لبنان وتعزز نمو المجتمع المدني اللبناني لا سيما في مناطق نفوذ حزب الله.

ويضيف أن “العقوبات الأميركية على حركة التمويل الداخلي لحزب الله يجب أن تكون دقيقة جدا بحيث تستهدف مؤسسات الحزب جميعها والتي يستمد منها أسباب القوة والنمو والبقاء وبناء الجمهور. كما يجب أن تستهدف المؤسسات الرديفة وكل التيارات والأحزاب والشخصيات العامة ورجال الأعمال الداعمين سياسيا لحزب الله في لبنان”.

ويؤكد ابراهيم الجباوي أن لبنان بطبيعة الحال هو لقمة سائغة لإيران من خلال سيطرة حزب الله على مفاصل الدولة. ويضيف “ولكن في ظل وجود الدعم الأميركي والأوروبي للبنان فإن الأخير بحاجة لحكومة قوية وجيش وطني من أجل وضع حد لتجاوزات إيران ومليشيات حزب الله فيه“. بينما يرى مهند الحاج علي أن القوى اللبنانية المعارضة لسلاح حزب الله، لا تملك “سوى التوافق السياسي والتفاوض على تسويات محلية، سبيلا للتقدم وحماية الدولة من الانزلاق الكامل للنفوذ الايراني”.

يعتمد حزب الله بشكل كبير على الأموال التي تأتيه من الخارج، لذلك يرى الخبراء أن استمرار العقوبات، على حزب الله وعلى إيران، على حد السواء، وإدراج الحزب على قائمة الإرهاب الأوروبية، بالإضافة إلى القائمة العربية والعقوبات الأميركية، سيؤثر حتما على تدفق الأموال للحزب.

لكن، يؤكد مكرم رباح أن العقوبات تجبر حزب الله على تغير طريقة نقل الأموال أو حتى تبيضها حتى يصبح قادرا على استعمالها عبر المصارف اللبنانية والعالمية، مشيرا إلى أن “ولكن العقوبات الاقتصادية تضع المزيد من القيود على البنوك اللبنانية التي هي أسيرة أو ضحية سيطرة حزب الله على الدولة مما يظهرها ضعيفة أو متواطئة معه. في حين تتعاون البنوك مع المجتمع الدولي تبقى الطبقة السياسية متهاونة وقسم منها يُؤْمِن غطاء لعمل حزب الله السياسي والمالي”.

بينما يرى جيري ماهر أن العقوبات المرتقبة غير كافية فدعم حزب الله بالأساس “يأتي من السوق سوداء وتجارة المخدرات وتهريب المشروبات الروحية بالإضافة إلى الاستفادة من مقدرات الدولة اللبنانية ومعابرها الحدودية البرية والبحرية، فمعلوماتنا تتحدث عن قيام الحزب بالتنسيق مع سوريا بتصدير فواكه وخضار بدعم من أجهزة سورية لتمويل عملياته ومصاريفه الداخلية في لبنان، ويمنع على باقي اللبنانيين المرور من سوريا”.

عندما بدأ تداول مسودات قيل إنها خطط أميركية لتوسيع التشريعات الخاصة بالعقوبات على حزب الله في لبنان في وقت سابق من العام الحالي، حذرت وسائل الإعلام المحلية من عواقب وخيمة على الاقتصاد اللبناني الضعيف والتشرذم السياسي ذي الطابع الطائفي.

ومبعث الخوف الرئيسي لدى السلطات اللبنانية هو احتمال أن تعتبر بنوك المراسلة الأميركية أن المعاملات مع البنوك اللبنانية تمثل مجازفة. وتواجه البنوك الأميركية غرامات ضخمة إذا تبين أنها تتعامل مع أشخاص أو شركات مفروض عليها عقوبات. فسيمثل ذلك إضعافا للاقتصاد الذي يعتمد على الودائع الدولارية التي يحولها اللبنانيون في الخارج.

ويشير نبيل الحلبي إلى أن كل البنوك اللبنانية ملزمة قانونا بإيداع احتياطي لها في المصرف المركزي يكون كافيا لضمان الائتمان المالي لزبائنها إذا ما تقرر إقفال المصرف لأي سبب كان. “فعندما قرر بنك لبنان والمهجر إقفال حسابات متعلقة بمنظمة حزب الله تعرض لعملية إرهابية كانت بمثابة رسالة واضحة لكل البنوك اللبنانية التي تتعاون مع الشرعية الدولية في إطار الحرب على الإرهاب”.

ويدعو الحلبي الإدارة الأميركية والكونغرس إلى أن يعطيا بالتوازي مع قوانين العقوبات فرص ومزايا للبنوك اللبنانية المتعاونة في تطبيق هذه العقوبات. ويرى أن مصرف لبنان المركزي قام فيما مضى بخطوات خجولة في إقفال بعض الحسابات المرتبطة بنشاط حزب الله لكنه أبلغ أصحابها قبلها وأعطاهم الفرصة في سحب أموالهم بدلا من تجميد تلك الحسابات وإحالة أصحابها إلى لجنة التحقيق المصرفية الخاصة.

ويؤكد الحلبي أن مصرف لبنان لازال يغض النظر عن حسابات المؤسسات المدنية الخدماتية لحزب الله مثل المستشفيات والمعاهد والمدارس التي يمكن للحزب إدخال أموال طائلة في حساباتها لتغطية نشاطه العسكري والأمني من خلالها. ويحذر من أنه إذا وقفت الإدارة الأميركية موقف المتفرج إزاء ما يجري على الساحة اللبنانية، واكتفت بتصاريحها دون التدخل الفعلي في إعادة ترميم النظام الديمقراطي في لبنان، فسيشكل ذلك رافعة لحزب الله وليس العكس.

والحل هنا حسب خبراء مجلة فورين افيرز، دعوة الكونغرس والبيت الأبيض لوسم المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب الله مناطق “ذات اهتمام أقصى فيما يتعلق بتبييض الأموال” تحت المادة 311 من قانون باتريوت الأميركي (المعلن في عام 2011 والمتعلق بمكافحة الإرهاب).

ويرى الباحثون أنه بإمكان هذه الخطوة الجديدة والحاسمة أن تعزل الكيانات المالية العاملة في مناطق تقع تحت سيطرة حزب الله (بما في ذلك جنوب لبنان ووادي البقاع وضاحية بيروت الجنوبية) عن طريق منع علاقات التراسل البنكية بين هذه المناطق وأية مؤسسة تستخدم المنظومة المالية الأميركية.

والطبيعة الموسّعة للوسم تحت المادة 311 يجعله أكثر قوة من العقوبات الموجهة المضمنة في مشروع القانون الحالي. زيادة على ذلك، عن طريق تطبيق المادة 311 بشكل محدد وحصري على مناطق من لبنان تقع تحت سيطرة حزب الله، ستبرهن الولايات المتحدة عن دعمها للعناصر في الدولة التي تصدت لجهود حزب الله لبسط هيمنته.

ويجادل الخبراء بأن فكرة استخدام المادة 311 لفرض عقوبات على منطقة جغرافية ما دون الدولة شيء جديد لكنه قابل للدفاع عنه تماما. واستخدمت المادة 311 لمعاقبة دول في خمس مناسبات: جزيرة الناورو وأوكرانيا في 2012، وبورما في 2003، وإيران في 2011، وكوريا الشمالية في 2016. وبالرغم من أنه لم يستخدم لمعاقبة مناطق جغرافية ما دون الدولة فإن اللغة التي كتب بها تسمح للخزانة الأميركية باختيار “اختصاص قضائي” لتستهدفه. وتسمح المادة 311 بمعاقبة مؤسسات مالية أو أصناف من المعاملات أو أنواع من الحسابات المحددة، بما في ذلك فرضا كل تلك الموجودة في منطقة جغرافية معينة. وبناء عليه يمكن استخدامها لاستهداف المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب الله بالعقوبات.

لكن، يرى مراقبون وخبراء لبنانيون أن الخطة فيها كثير من المخاطرة وعواقبها وخيمة. من ذلك يقول الحاج علي “إن هذه الفكرة ستكون كارثة. حزب الله يعمل منذ سنوات عديدة لفصل هذه المناطق عن لبنان من خلال إنشاء مؤسسات تربوية ومالية واجتماعية. مثل هذه الخطوة تزيد من انفصال هذه المناطق وتُسلمها لقمة سائغة للحزب”.

ويضيف “المصرف المركزي يشكو هذه العقوبات لتعقيدها التعاملات المالية بين المصارف اللبنانية والأميركية. وهناك مخاوف من انعكاس هذه التعقيدات على الوضع المالي اللبناني، ولذا زار مسؤولون ونواب ومصرفيون الولايات المتحدة لمحاولة التخفيف منها وتجنب تأثيراتها المحلية. الحل الوحيد لتجنب مثل هذه الانعكاسات، يتمثل بالتفاوض مع المصرف المركزي والمصارف في شأنها”.

ولا ينفي الخبراء الأميركيون أن تطبيق المادة 311 على المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب الله ستضع عددا كبيرا من الشركات والبنوك في قائمة سوداء في مناطق شيعية بالأساس، وقد يسبب ذلك إثارة الفزع وسط السكان في لبنان والقوات المسلحة اللبنانية والمجتمع البنكي. لكن يمكن احتواء هذه الآثار وتخفيف النتائج غير المقصودة.

ويشير مكرم رباح إلى أن العقوبات الأميركية لا يمكن تفاديها فهي ليست قرارا لبنانيا “ولكن على الدولة اللبنانية التعاون التام وهذا الشيء غير متوفر كون الرئيس اللبناني ميشال عون هو حليف خرب الله“. بينما، يعتقد جيري ماهر أن أي خطوات أميركية تستثني التحرك العسكري لمواجهة حزب الله “هي حقنة مخدرة لا تحقق أي تغيير حقيقي ولكنها ربما تزيد من الضغط على الحزب ومؤسساته وكل منتمي له ما يساهم في زيادة الضغط عليه داخليا من بيئته الحاضنة التي ستتخلى عنه تلقائياً عندما يزداد الضغط المالي عليه ويتوقف عن مدهم بالسلاح والمال“.

ويرى جيري أن على الإدارة الأميركية أن تدرك أن آلاف الشيعة في لبنان مناهضين لحزب الله “ومستعدين للانخراط في أي عمليات ضده، فهم عانوا كثيرا بسبب بسط الحزب لسيطرته على بلداتهم وضيعهم وأراضيهم في البقاع والجنوب وحول أطفالهم إلى عناصر مقاتلة، والبعض منهم لم يستطع حتى اكمال تعليمه الابتدائي والمتوسط والبعض الاخر عادوا اشلاء بعد أن تحولوا إلى وقود للحرب في سوريا خدمة لمشروع الولي الفقيه“.

ويدعو الخبراء الأميركيون الخزانة الأميركية إلى أن تعمل مع البنك المركزي اللبناني لعزل الفروع البنكية الموجودة في المناطق تحت سيطرة حزب الله، ومن ثم حماية حرمة المنظومة البنكية اللبنانية الأساسية وفي الوقت نفسه تعطيل القدرات المالية لحزب الله.

ويؤكد مكرم رباح أن مصرف لبنان المركزي “متعاون إلى أقصى حدود وجهود الحاكم رياض سلامة أعطى لبنان فرصة وجنب البلد العديد من المخاطر التي تنتج عن استمرار حرب الله بتحدي الشرعية الدولية والدولة اللبنانية“.

هناك الحاح من أعضاء الكونغرس على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات عاجلة وقوية إذا كانت تنوي مساندة العناصر في لبنان التي تصدت لصعود حزب الله. وإلا فإن حزب الله ومسانديه قد يواصلون صعودهم الثابت دون قيود. إن المعركة من أجل مستقبل لبنان جارية، والآن من واجب الكونغرس أن ينضم الى المعركة بشكل فعال.

ويشير الحاج علي إلى أن للقوى العربية الحليفة للولايات المتحدة دور أكبر. “هي دعمت معارضي حزب الله منذ عام 2005 وبإمكانها استئناف ذلك لتعزيز مواقعهم. والواقع أن هذه القوى سحبت دعمها المالي بالكامل منذ سنوات عن حلفائها، فيما يتردد أن إيران ضاعفت دعمها المالي للحزب أكثر من 4 مرات في الفترة ذاتها. تعزيز قوى المعارضة المحلية أكثر فاعلية من أي عقوبات وحلول عسكرية قد ترمي لبنان بالكامل في أحضان إيران”. بالإضافة، يؤكد مكرم رباح أن على واشنطن “توجه رسالة واضحة للمحرك المالي والعقائدي الأساسي لحزب الله أي إيران. فأي محاولة لا تعالج هذه النقطة هي منقوصة وقصيرة المدى وستضعف الدولة اللبنانية وتقوي دولة حرب الله”.