تقول مصادر سياسية مراقبة عبر الوكالة “المركزية” إنّه قد تكون من “السذاجة” محاولة حصر مفاعيل الاجتماع الثلاثي الذي جمع أمس كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، في دارة الاخير في كليمنصو، بتتويج مصالحة بين زعيمي “المستقبل” و”الاشتراكي” أو بإبرام اتفاق لتسيير أمور جلسة اليوم التشريعية في ساحة النجمة. وبالتالي فإنّ للقاء أبعاد “استثنائية” محلية واقليمية تتخطى اليوميات والتفاصيل السياسية الداخلية.
فهو في الواقع، شكّل إحياء للـ”ترويكا” التي تمكّنت الى حد كبير، في حقبة ما بعد “الطائف”، من ضبط إيقاع اللعبة السياسية المحلية. واذا كانت هذه التسمية (ترويكا)، تثير حساسية القوى التي كانت مهمّشة طوال فترة الوصاية السورية على لبنان، فإن معادلة بري – الحريري – جنبلاط، اليوم وفي هذه المرحلة الجديدة من عمر لبنان، تتخذ طابعا مختلفا، فهي لا تهدف الى إقصاء أحد – وقد حرصت أوساط “الثلاثي” على التأكيد ان اللقاء ليس موجّها ضد أحد – الا انه من دون شك، يوجّه رسالة الى زملائهم في العهد، ممّن يحاولون اليوم التفرّد في القرارات السياسية الكبرى، للقول لهم إن “لا يمكنكم تجاوز شركائكم في “قمرة” قيادة البلاد”، وأنهم قادرون على التصدي لأي توجّهات لا تعجبهم. الى ذلك، يشكّل الاجتماع صمّام أمان إضافيا يساهم في تعزيز الاستقرار اللبناني. فهذا الاستقرار لا يريده المجتمعون أمنيا فحسب، بل لا بد أن يكون سياسيا أيضا، الامر الذي يتطلب تفعيلا لنشاط المؤسسات الدستورية وتقيّدا بالآجال الدستورية وبإجراء الاستحقاقات في مواعيدها، وأوّلها الانتخابات النيابية الربيع المقبل. وتقول المصادر ان اتفاقا تبلور بين الأقطاب الثلاثة خلال مأدبة “كليمنصو” على هذه النقاط.
لكن أبرز الرسائل التي يمكن ان يكون اجتماع “الترويكا” حملها، بحسب المصادر، يتمثل في التأكيد على ان في ظلّ الغليان الذي تشهده المنطقة بفعل الحروب على الارض من جهة والكباش الايراني – السعودي، من جهة أخرى، من المستحيل وضع لبنان في أي من المحاور المتصارعة. فلا يمكن تجاهل ان الاجتماع حصل فيما تبادل القصف بين “حزب الله” والرياض على أشده. أما مشاركةُ الرئيس بري فيه، في وقت يستعد الحريري وجنبلاط لزيارة المملكة، فيمكن اعتبارها رفضا “ضمنيا” لهذه المواجهة، أو أقلّه للشكل الذي اتخذته حيث تتم “شيطنة” الرياض و”أبلستها”، علما أن رئيس المجلس سبق ان التقى مرارا مسؤولين سعوديين آخرهم وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان في عين التينة.
لكن في المقابل، تتابع المصادر، طمأن زعيما “المستقبل” و”الاشتراكي” رئيس المجلس الى ان الحركة الناشطة على خط بيروت – الرياض وبالعكس، والمرشحة لمزيد من التسارع، ليست لتأليبها ضد أي فريق داخلي ولا تمهّد لإطاحة التفاهم السياسي الذي أسس للعهد الجديد، بل هدفها إبقاء التوازن المحلي قائما في وقت يحاول حزب الله، بالنيابة عن ايران، كسره لصالحه، وقد يكون الرجلان كلفا سيّد عين التينة بنقل الرسالة هذه الى الضاحية.
وهنا، تقول المصادر ان الاجتماع ظهّر مجددا موقع الرئيس بري الوسطي القادر على التواصل مع كل الجهات السياسية داخليا واقليميا. ففي مرحلة اشتداد الحصار على حزب الله دوليا، اقتصاديا وعسكريا، ومع أن الرئيس بري يطمئن دائما الى متانة حلفه مع “حزب الله” ويرفض كل محاولات دق اسفين بينه وبين شريكه في الثنائية الشيعية، يُتوقع ان يتوسّع أكثر دورُه لبنانيا، كشخصية شيعية “معتدلة”، تختم المصادر.