Site icon IMLebanon

لبنان تحت تأثير الرياح الأميركية – الإيرانية الساخنة

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

رغم اطمئنانها النسبي الى أنّ التسويات التي تُطبخ على الحامي في المنطقة من شأنها تبديد الأجواء الداكنة التي تحوط لبنان، أبدتْ شخصية سياسية مخضرمة قلقها من مغبة «الحسابات الخاطئة» التي قد يلجأ إليها البعض في الداخل اللبناني تحت وطأة الشعور بـ «فائض القوة»، الأمر الذي قد يجعل البلاد تدفع أثماناً باهظة يمكن تفاديها.

في جعبة هذه الشخصية، الشاهدة على مراحل صعبة اجتازها لبنان، تجارب مماثلة لما يرزح تحت وطأته لبنان الآن. فثمة جماعات راهنتْ على عضلات سواها في لعبة «فائض القوة» مع الآخرين فدفعتْ الثمن ومعها لبنان برمّته. هكذا كان الأمر مع السنّة والمسيحيين، وها هو الآن مع الشيعة الذين يُمْسك بهم «حزب الله».

وفي ما يشبه الدعوة لأخذ العِبر من تجارب الماضي القريب، لا سيما في ثمانينات القرن الماضي، ترى هذه الشخصية أن لبنان بتركيبته الطوائفية – السياسية لا يحتمل الأوزان الثقيلة ومجازفاتها، إذ غالباً ما ابتلعتْ «الرمال المتحرّكة» ما كان يُعتبر حقائق لا يمكن القفز فوقها في بلادٍ تنام أحياناً على الشيء لتصحو على شيء آخر.

هذه المقاربة و«أرشيفها» حاضرةٌ الآن في بيروت الآخذة بالتحول مسرحاً لـ «صراعِ الفيلة» الذي هشّم المنطقة وخرائطها وأَشْعل حرائق في غير مكان وهو يمضي نحو مراحل أكثر قسوة مع اقتراب ما يشبه «حصر الإرث» لمناطق النفوذ على امتداد الساحات اللاهبة.

فالصراع بين المعسكريْن الأميركي والإيراني يتجه نحو مواجهةٍ أكثر حماوة مع اقتراب الانتهاء من «داعش» في سورية والعراق، وطهران ترمي بثقلها لملء الفراغ عبر مدّ نفوذها وكسْب المزيد من الانتصارات بـ «النقاط»، في الوقت الذي تلوّح واشنطن بأن الهدف التالي بعد «داعش» سيكون أذرع ايران ونفوذها في المنطقة.

ولم يكن مصادفة الكلام عن ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقترب من إعلان استراتيجية جديدة حيال إيران، بالتزامن مع المؤشرات الآتية:

• إمكان إدراج الإدارة الأميركية «الحرس الثوري» الإيراني على لوائح الإرهاب.

• حرص ترامب على إبقاء موقفه من الاتفاق النووي غامضاً.

• استمرار الخط الأحمر الأميركي حول المعبر الحدودي بين سورية والعراق.

• قطْع واشنطن أشواطاً في توسيع مروحة العقوبات المالية الصارمة ضدّ «حزب الله».

ولم يكن في الإمكان عزْل الاندفاعة السعودية حيال المنطقة ولبنان عن مسار المواجهة الكبرى ومنعطفاتها، ولعل الأبرز في هذا السياق يمكن رصْده على النحو الآتي:

• الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو، التي استردّت مكانتها في المنطقة وتلعب دور «المايسترو» الديبلوماسي – العسكري في سورية.

• دعوة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان لتشكيل تَحالُف دولي صارم ضدّ «حزب الله» على غرار التحالف الدولي في المعركة ضدّ «داعش».

وثمة مَن يعتقد في مقاربة الحركة السعودية أن ثمة دولاً تُميِّز بين الأجندتيْن الروسية والإيرانية في سورية لمصلحة التفاهم مع موسكو، وهو حال الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية اللتين ترغبان بالاستثمار في «الهنْدسة» الروسية للحل في سورية من جهة وتضغطان لإبعاد إيران وأذرعها من جهة أخرى.

وبهذا المعنى، فإن بيروت تقترب من عيْن العاصفة على وقع التصعيد المتبادل بين إيران و«حزب الله» من جهة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى. وليس أدلّ على ذلك من تكرار طهران في الأيام الأخيرة أنه في حال وضعت واشنطن «الحرس الثوري» على لوائح الارهاب سيتمّ التعاطي مع القوات الأميركية كـ «داعش»، وردّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على الموقف الأخير للسبهان بالقول «ان اليد التي ستمتدّ على لبنان ستُقطع».

هذا المناخ المحموم يضع لبنان أمام اختباراتٍ قاسية يُخشى معها انهيار التسوية السياسية في البلاد رغم تجديد أطرافها الرئيسية التأكيد على المضي في حمايتها وضخّ المزيد من «الاوكسيجين» في عروقها، لا سيما على المستوى المالي – الاقتصادي وهو ما تَمثّل في توافُق سياسي عريض على إمرار قانون الضرائب للوفاء بسلسلة الرتب والرواتب، والاتجاه الى إقرار الموازنة لسنة 2017 بعدما عجزتْ الحكومات المتعاقبة منذ الـ 2005 عن إنجاز الموازنات المعلّقة بفعل الصراع السياسي.

وإذ كان صعباً مداواة الاحتقان بالسياسي بمسكّنات مالية، فإن ثمة مَن يتعاطى مع الاجتماع الثلاثي الذي ضمّ أخيراً رئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري وزعيم الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط كواحدٍ من شبكات الأمان التي لا بد من استنهاضها لكبح جماح أي تصعيدٍ من شأنه هزّ التسوية السياسية وإسقاطها.