كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
يتلقى حملة الأسهم في شركة سوليدير خيبة تلوَ أخرى. فبعد تسجيل خسائر بقيمة 115 مليون دولار في عام 2015، لجأت إدارة الشركة إلى تبخيس أسعارها في عام 2016، وباعت 74 ألف متر مربع مبني بقيمة 218 مليون دولار، وها هي اليوم تراكم النتائج المالية السلبية بعد طردها من بورصة لندن وتسجيل خسارة بقيمة 19 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 2017.
تكرّست هذه النتائج مع انخفاض سعر سهم «سوليدير» بفئتيه (أ) و(ب)، في تداولات بورصة بيروت، إلى 7.9 دولارات مقارنة مع 10.38 دولارات في 2016 و11 دولاراً في 2015 و2014، و14.5 دولاراً في 2013، و20.9 دولاراً في 2011، و28 دولاراً في 2009، و40 دولاراً في 2008. هذا التراجع الدراماتيكي في سعر السهم يعكس الأداء الضعيف في إدارة الشركة بسبب سيطرة القلّة في مجلس الإدارة على القرار، على الرغم من أن هذه القلّة تملك حصّة تمثيلية بأقل من 25% من الأسهم بسبب مقاطعة الغالبية من صغار المساهمين للجمعيات العمومية.
وبحسب نتائج سوليدير المالية للأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، والمنشورة على موقع بورصة بيروت، فإن الأعباء الإدارية للشركة ارتفعت في نهاية حزيران 2017 إلى 19.29 مليون دولار، وسجّلت الشركة خسائر بقيمة 39 مليون دولار نتيجة اضطرارها إلى خفض أسعار مبيعات سابقة معقودة مع مشترين في السنوات الماضية، إلا أن ما خفّف من حدّة الخسارة في النتائج النهائية هو أن الإيرادات الناتجة من الإيجارات بلغت 19 مليون دولار، فانخفضت الخسارة الفعلية إلى 20 مليون دولار، فيما دفعت الشركة ضرائب بقيمة تتجاوز مليون دولار لتصبح الخسارة الصافية 18.9 مليون دولار.
وتشير النتائج إلى أن الشركة كانت قد ألغت عقود بيع في عام 2016، ما رتّب عليها خسائر بقيمة 33 مليون دولار، وأنها أطفأت خسائر في 2017 بقيمة 900 ألف دولار نتيجة تخلّف بعض المستأجرين عن تسديد إيجاراتهم، وأخذت مؤونات لتغطية خسائر مرتقبة بقيمة 5 ملايين دولار، ومؤونات أخرى بقيمة مليون دولار، وترتّب عليها خسائر بقيمة 17.6 مليون دولار لتغطية كلفة الفوائد، وسجّلت خسائر من الشركات التابعة والشريكة بقيمة 10 ملايين دولار.
وحصلت الشركة على تسهيلات مصرفية قصيرة الأمد وحسابات مكشوفة في المصارف بقيمة 224 مليون دولار، وعليها التزامات لمشاريع قيد التنفيذ بقيمة 154 مليون دولار، وحصلت على قرض مصرفي بقيمة 96.5 مليون دولار، وعلى قرض طويل الأمد بقيمة 245.7 مليون دولار.
جاءت هذه النتائج لتعكس حقيقة الأوضاع التي تمرّ فيها «سوليدير»، ليس بسبب ضعف المبيعات خلال السنوات الماضية وانعدامها في الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، بل يتعلق السبب بتمادي إدارة الشركة في «الغرف» من حقوق المساهمين. فعلى سبيل المثال، تذكر مصادر مطلعة أن الشركة باعت قطعة أرض «باب أول» في منطقة الصيفي لأحد أقارب رئيس مجلس الإدارة ناصر الشمّاع بالتقسيط المملّ وبسعر بخس وبدأت الإنشاءات من دون أن يدفع المشتري قرشاً واحداً من ثمن الأرض! وتضيف المصادر أن هذه التنفيعة ليست حصرية بالشمّاع، بل إن العديد من المحظيين في الشركة استفادوا من أموال المساهمين وتصرّفوا بها كأنها أموالهم الخاصة.
ومن أسباب الخسائر المتراكمة، سواء في النتائج المالية أو في النتائج السوقية، أن إدارة الشركة لم تكتف بأنها أصلاً شركة قائمة على الاستيلاء على حقوق المساهمين، بل عمدت منذ سنوات إلى منح العمولات على مبيعات الأراضي لأعضاء مجلس الإدارة ولكبار المديرين فيها، الذين قبضوا ملايين الدولارات كعمولات على مبيعات تم التراجع عنها لاحقاً. ومن أجل تجميل حساباتها وإخفاء هذه «الفظائع»، قرّرت إدارة الشركة التفريط بحقوق المساهمين وخفض أسعار الأراضي إلى أكثر من النصف، أي أقل من 2500 دولار للمتر المربع المبني، ما سبب لها حرجاً ومشكلة مع مشترين سابقين لبنانيين وأجانب طالبوها بالمساواة، بعدما باعتهم أمتاراً مبنية بقيمة 4300 دولار للمتر الواحد.
لم يقتصر أداء الإدارة على هذا الأمر، بل عمدت إلى زيادة الكلفة الإدارية من مصاريف سفر وتوزيع منافع في الشركات المملوكة منها أو التابعة لها أو الشريكة فيها قبل أن تسجّل سابقة التعاقد مع كبار الموظفين الذين بلغوا سن التقاعد، فعلى سبيل المثال قرّرت الإدارة أن تتعاقد مع مدير العمليات منير الدويدي ومع عبد الرحمن الصلح ومع مديرين آخرين تقاعدوا، وليس هناك حاجة فعلية إليهم سوى أنهم يمثّلون مصالح سياسية وانتخابية للجهات السياسية التي تسيطر على الشركة.
غالبية المساهمين ليسوا مطلعين على معظم هذه الوقائع. أكبر مساهم في شركة سوليدير هي مجموعة نبيل البستاني، وتحمل مجموعة من المصارف مثل بنك عوده، وبنك ميد، وبلوم بنك عدداً كبيراً من الأسهم عن مساهمين مختلفين وهي تمثّل مصالحهم في الجمعيات العمومية، وكذلك تعدّ شركة انترا من كبار المساهمين إلى جانب بلدية بيروت ومجموعة سعودية من آل باحمدان، كريدي أغريكول، عصام مكارم، أبرشية بيروت المارونية، وقف فقراء كنيسة مار جرجس للطائفة المارونية، أبرشية أنطلياس المارونية، مؤسسة شماس الاقتصادية، بنك الصناعة والعمل، المؤسسة الوطنية لضمان الودائع البطريركية المارونية ــ المحكمة الروحية المارونية الموحدة، يونايتد غروب هولدنغ، الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية، الرهبانية الباسيلية الشويرية، وقف الجمعية الخيرية للروم الأرثوذوكس، وقف طائفة الروم الأرثوذوكس، وقف مار جرجس للروم الأرثوذوكس، وقف فقراء كنيسة القديس جاورجيوس لطائفة الروم الأرثوذوكس… وهناك أصحاب الحقوق الذين استولت سوليدير على أملاكهم مقابل حفنة من الأسهم… هؤلاء المساهمون شعروا بانخفاض قيمة السهم السوقية إلى مستويات دنيا وأنه لا أمل قريباً بعودته إلى منحى ارتفاعي بعد سلسلة أحداث، آخرها طرد سوليدير من بورصة لندن، وخفض الأسعار وتراكم الخسائر خلال السنوات الماضية وارتفاع الكلفة الإدارية… وبالتالي لا أمل بتوزيع الشركة أنصبة أرباح مجزية، فيما تواصل الإدارة تنفيذ الصفقات وتوزيع العمولات على أعضاء مجلس الإدارة وكبار المديرين وغيرهم، ما دفع قسماً من هؤلاء المساهمين إلى درس القيمة الاقتصادية للسهم قياساً على موجودات الشركة، لتكشف النتيجة عن أفق متاح لاستعادة الاستثمارات في السهم على مدى العقود الأخيرة واستعادة قسم من الأرباح أيضاً. قيمة السهم الاقتصادية تزيد على 30 دولاراً بعدما تبيّن أنه لدى الشركة محفظة من الأمتار المبنية القابلة للتطوير تبلغ 1.8 مليون متر مربع، بالإضافة إلى محفظة أملاك مبنية تدرّ إيجارات شهرية ومساهمات في شركات قائمة، وتقريش هذا المبلغ ممكن من خلال توزيع الأمتار على المساهمين وعلى أصحاب الحقوق وتكوين شركات عقارية تتألف من مجموعة مساهمين لتتملك عقارات وأملاكاً قائمة وتديرها. أصحاب الحقوق طرحوا هذا الحلّ سابقاً لاسترجاع ما جرى الاستيلاء عليه بعد عام 1994.