جدد وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي التأكيد على “ضرورة معالجة أزمة النزوح السوري وتأمين عودة النازحين إلى بلدهم بأسرع ما يمكن، وعدم انتظار حصول الحل السياسي في هذا البلد”. وأشار الى ان “لبنان يعاني الكثير جراء هذه الأزمة على مختلف الصعد”.
موقف بو عاصي جاء خلال ندوة أقامها معه، برنامج الشرق الأوسط في مركز “وودرو ويلسون” (Woodrow Wilson Center) للأبحاث في واشنطن تناولت مسألة النزوح السوري والتحديات التي تفرضها على لبنان من النواحي كافة ولا سيما على صعيد الاقتصاد والبنى التحتية.
حضر الندوة، عضو الكونغرس الأميركي السابق نيك رحال، مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي، القائمة بأعمال السفارة اللبنانية في واشنطن السفيرة كارلا جزار، المستشار في السفارة اللبنانية بشير طوق، وعدد من الباحثين والمحللين والصحافيين.
تحدثت في بداية الندوة الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الصفدي في واشنطن لارا علامة، وبعدها أدار الندوة مع الوزير بو عاصي، نائب الرئيس للمبادرات الجديدة ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز “وودرو ويلسون”، آرون ديفيد ميلر. وعرض وزير الشؤون الاجتماعية التحديات التي تواجهها وزارة الشؤون الاجتماعية المتمثلة بداية في كيفية تأمين دعم العناصر الضعيفة والفقيرة في مجتمعنا”، مشيرا إلى أن “لبنان يشهد الكثير من التضامن بين مكوناته، ولكنه في الواقع تضامنا بين العائلات وبسبب عوامل الهجرة ومغادرة اللبنانيين وطنهم للإقامة أو للعمل في الخارج إنعكس الامر سلبا على هذه العائلات”.
وتابع: “لدينا قضايا عدة منها المتصل بمرحلة ما بعد الحرب من حيث وجود عدد من ذوي الإعاقة الجسدية والنفسية، إضافة إلى الأيتام وكبار السن، ولذلك يتوجب الإعتناء بهذه الشرائح من المجتمع، وفي ظل الأوضاع الإقتصادية السيئة والصعبة على المستوى المحلي والإقليمي، والتي إزدادت سوءا مع أزمة النزوح السوري، فإن ما نسبته نحو ثمانية وعشرين في المئة من اللبنانيين هم تحت خط الفقر حاليا”. وأضاف: “من هنا فإن وزارة الشؤون الاجتماعية تهتم وتعتني بهذه الشرائح من المواطنين”.
ولفت إلى أن “هذا التحدي يفرض تحديا آخر على المستوى المالي ومستوى الموازنة لجهة تأمين الموارد الكافية للإهتمام ومتابعة الشؤون الاجتماعية”، من هنا أشار إلى محاولته “الدؤوبة لتأمين هذا الأمر من خلال الموازنة أو الجهات المانحة”.
وأعلن بو عاصي، أن “ما تهتم به وزارته وهو في الواقع من ضمن صلاحية وزارة الشؤون الاجتماعية هو التعامل مع ملف أزمة النزوح السوري في لبنان”، وقال: “الجميع يعرف أن لدينا مليون وخمسمئة ألف نازح سوري، بينما يصل تعداد اللبنانيين المقيمين إلى أربعة ملايين نسمة، ولهذا فإننا نواجه كما هائلا من التحديات جراء هذه الأزمة”.
أضاف: “إن التحدي الأول يتمثل بالشأن الانساني، لأن هناك ما يمكن وصفه بتناقض بين هذا القيم الانسانية، وبين القلق اللبناني تجاه اللاجئين من أي بلد أتوا، وبالتالي كيفية التوفيق بينهما. وهذا الوضع يتعاظم كل يوم على عدد من الصعد، ولا سيما منها أولا أن لبنان مقبل على استحقاق الانتخابات النيابية ويتوجب عليه إجراء هذا الاستحقاق في ظل وجود هذا العدد الهائل من النازحين. وهناك ثانيا الوضع الاقتصادي السيء في لبنان، وثالثا سوق العمل الذي يعاني كثيرا أيضا، يضاف إلى كل ذلك عامل التوازن الديمغرافي في البلد”.
وتابع: “هناك على سبيل المثال قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم نحو أربعمئة الف، وأتوا إلى للبنان ربما للمكوث فترة قصيرة من الوقت، ولكنه مضى اليوم نحو ستين عاما على وجودهم في لبنان. كل هذه العوامل تضع الكثير من الضغوط والأعباء على المجتمع والإقتصاد اللبناني”.
وأشار إلى أن مقاربته في موضوع النزوح السوري تتمثل “في الفصل بين الجانب الإنساني والجانب السياسي، فعلى المستوى الانساني النازحون هم ضحايا النزاع في بلدهم، ويجب بالتالي دعمهم على المستويات كافة”. وقال: “لتمويل ذلك إننا نتوجه بشكل دائم إلى الجهات المانحة لأن لا قدرة للبنان على تحمل هذه الأعباء. أما على المستوى السياسي فنقول إنه يجب أن تتم عودة النازحين. ومع إدراكنا أنه لا يمكن منذ الآن تحديد كيفية تأمين هذه العودة وموعد حصولها، ولكن يجب أن تتم بأسرع ما يمكن، لأنه من الأفضل لهم أن يعودوا إلى بلدهم، كما أن لا طاقة للبنان لتحمل هذا العبء الضخم على المستويات كافة”.
وطالب المجتمع الدولي “بدعم المجتمعات المحلية واللبنانيين الذين يستضيفون ويتحملون عبء النزوح السوري”.
وشدد بو عاصي ردا على سؤال، على “وجوب إيجاد الطرق المناسبة لبدء عودة النازحين السوريين إلى سوريا”، قائلا: “إننا لا نطالب ذلك اليوم بعد أسبوع أو شهر على وصولهم إلى لبنان، بل لأنه مضى على وجودهم سبع سنوات”.
ولفت في هذا السياق، إلى “بعض الحوادث التي تقع في عدد من المناطق اللبنانية ولا سيما ما جرى أخيرا في مزيارة”، معتبرا أنه “لهذا السبب يجب العمل على التقليل من مستوى أي توتر قد ينتج عن مثل هذه الأحداث، من خلال بدء عودة بعض العائلات السورية إلى بلادها”.
وأوضح أنه “لا مبرر لما يقوله البعض إنه يجب إنتظار الحل السياسي في سوريا من أجل بدء عودة النازحين لأن ما يقلقني حقيقة هو أنه لا يوجد حل سياسي لهذه الأزمة”، مشيرا إلى أن “الجهود الدولية التي بذلت على هذا الصعيد أدت فقط إلى ما يعرف بإتفاقات خفض التصعيد في عدد من المناطق السورية، وأن هذا الأمر لن يقود إلى الحل الذي قد يتأجل لسنوات”.
وقال إن “وضع النازحين السوريين في لبنان يزداد سوءا كل يوم، بينما قد يكونون في وضع أفضل إذا عادوا إلى سوريا”.
وفي شأن مسألة “حزب الله”، لا سيما لجهة ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية عن احتمالات قيام هذا الحزب بعمليات في الولايات المتحدة، وعن كيفية التعاطي مع قضية “حزب الله” على الصعيد الداخلي في لبنان، أوضح بو عاصي أن “قضية هذا الحزب معقدة جدا في لبنان”، مشيرا إلى أن “لدى هذا الحزب ممثلين في الحكومة والبرلمان، ولكن عناصره المسلحة تقاتل في سوريا، ولديهم وجود في العراق، اليمن والبحرين”.
وقال: “هذا الأمر أدى إلى خلق نوع من ضغط كبير على مختلف المستويات السياسية في لبنان، فهناك خلافات، وإتهامات بتنفيذ إغتيالات، اجتياح العاصمة مرتين، وغير ذلك من الأمور، وبالتالي فإن موقفنا كحزب “قوات لبنانية” هو واضح جدا في هذا المجال. فبمعزل عن أي حجم شعبي يتمتع به “حزب الله”، أو مدى القوة التي يتمتع بها على الصعيدين العسكري والأمني، فإن هناك طريقة وحيدة لتقوية الدولة اللبنانية، فمن خلال الميثاق الوطني الذي قام في العام 1920 وعام 1943، فإن الدولة اللبنانية هي الضامنة والحامية لجميع المكونات في لبنان، وبالتالي نحن كحزب لا نقبل بأي شكل من الأشكال وجود قوات مسلحة لـ”حزب الله” أو أي جهة أخرى، وإلا فإن الجميع سيحمل السلاح وندخل الحرب الأهلية من جديد، أو أن يكون الجميع غير مسلحين، وتكون الدولة المركزية التي تحمينا جميعا، ولذلك فإن الوضع الحالي على هذا المستوى هو غير مقبول على الإطلاق. وهذا هو موقفنا الثابت أيضا خلال الاحتلال السوري للبنان حيث دفعنا ثمنا غاليا لموقفنا هذا من خلال إعتقال رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع لإحدى عشرة سنة وسقوط الكثير من القتلى”.
أضاف بو عاصي: “ما رفضناه خلال الاحتلال السوري للبنان، نرفضه اليوم مع “حزب الله” لجهة ترويجه مقولة الحفاظ على الإستقرار مقابل عدم إزعاجه في قتاله الخارجي والإقليمي وفي مشاريعه الإستراتيجية، ولكن في الوقت ذاته فإن هناك شريحة واسعة ترفض ذلك وتشدد على ضرورة تكريس مبادئ الحرية والكرامة والعدالة، حتى لو إنعكس ذلك على ما يدعونه من إستقرار”.
وحول الموقف السعودي من لبنان، لا سيما بعد زيارته الأخيرة إلى المملكة، لفت إلى ما قدمته السعودية للبنان من مشروعات إستثمارية ومساعدات، “وهي دائما تدعم الدولة اللبنانية، ولكنهم في الوقت ذاته يشعرون أن لبنان ينزلق نحو المعسكر الإيراني، بسبب ما يقوم به “حزب الله” من ضغوطات. إن وضع المنطقة اليوم يبدو منقسما بين معسكرين، الأول النظام السوري إيران “حزب الله” وروسيا، وهناك في المقابل المعسكر الثاني، الذي يضم اللبنانيين السياديين، مصر، السعودية، أوروبا والولايات المتحدة. فـ”حزب الله” في هذا الحالة هو الذي يدفع لبنان نحو هذا المعسكر وهذا ما يقلق السعوديين ويقلقنا أيضا”.
وحول إستحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، قال بو عاصي: “إن الشيء المهم في قانون الانتخابات الذي ستجري الانتخابات على أساسه هو عدم توقع أي سيناريو لنتائج العملية الانتخابية، وهذا أمر مهم ويضع الجميع في موقع يدفعهم إلى إطلاق حملات انتخابية حقيقية وعدم الاكتفاء بما كان يحصل سابقا لجهة نقلهم بالباصات إلى مراكز الاقتراع يوم الانتخاب”.
ولفت إلى “شيء مهم في قانون الانتخاب يتمثل في السماح للبنانيين في دول الانتشار بالتصويت”، قائلا: “هذا ما يدفعنا إلى تشجيعهم على تسجيل أسمائهم في قوائم السفارات والقنصليات اللبنانية”. وشدد على “أهمية وحتمية إجراء الانتخابات “لأن هذه المسألة هي أمر حيوي”.