كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
لا يزال لبنان في أتون معركة الإرهاب في المنطقة والعالم، وهو كدولٍ كثيرة، يحتسب لمواجهة مرحلة ما بعد تشَظّي الأطُر التنظيمية للإرهاب في سوريا والعراق، ومواجهة خططِها الموضوعة تحت بند «الخطة ب» لـ«داعش» وأخواتها.ولكن أبعد من ذلك، فإنّ وقائعَ ميدانيةً ومعلوماتية حصَلت عليها «الجمهورية» من مصادر موثوقة، تثبت أنّ في أجندة خططِ «داعش» الخاصة بلبنان، ما هو أبعد من خطتها العامة المدرَجة تحت تصنيف «الخطة ـ ب»، حيث يكشف تحليل هذه الوقائع عن وجودة خطة لـ«داعش» تحمل اسمَ «خطة الانتقام من لبنان»، وكانت قد حاوَلت «داعش» في إطار تجسيدها هذه الخطة تنفيذَ عملية أمكن كشفُها في مرحلة متقدّمة من التحضير لها، ويَعتبر الجهاز الأمني اللبناني هذه العملية أنّها الأخطر لأنّ «داعش» توسّلت لتنفيذها وسائلَ غير تقليدية ومفرطة في إجرامها.
وفي هذا الإطار يحدّد مصدر أمني ماهية الموقع الذي يوجد فيه لبنان في هذه اللحظة، ضمن سياق حربِه مع الإرهاب، ويقول فحواه أنّ لبنان مرَّ منذ بداية هذه السنة في مراحل صعبة عدة في نزاعه مع الإرهاب، وفي ما يمكن تسميته ترتيب نوعية الأخطار التي كان يرتّبها على الأمن في البلد:
ـ المرحلة الأولى بدأت في رأس سنة 2017، حيث كانت المعلومات الموثوقة والمتقاطعة من غير مصدر وجِهة، تؤكّد أنّ تنظيم «داعش»، يَعتزم اصطياد هدفٍ له رمزيةٌ متّصلة بالنواة الصلبة التي تدير داخلَ الدولة اللبنانية الحرب ضده.
وكان هذا الهدف حسب تحديدات قيادة «داعش» أو حسب «فتوى» أو «أمر عملياته» لخلاياها في لبنان، يتراوح بين «اغتيال مرجع أمني كبير» أو حتى «أقلّ رتبة»، أو «مسؤول قضائي» كمفوّض حكومة أو المفوّض العسكري، أو «استهداف قصر العدل في بيروت بتفجير انتحاري»، علماً أنّ تركيز «داعش» في شأن الهدف الأخير ركّز أكثر على قصر العدل في بعلبك.
وواضحٌ أنّ انتقاءَ «داعش» هذه الأهداف كان يرمي إلى تحقيق «نصر رمزيّ ومعنوي»، كردٍّ منه على هزائم خلاياه في لبنان الناتجة عن نجاعة الحرب الاستباقية اللبنانية ضدّها، وأيضاً كانت ترمي لتدشين حملة إرهابية تؤدي للمسِّ بمعنويات الحلقة الصلبة داخل الدولة اللبنانية التي تشارك مباشرةً في الحرب على الإرهاب عسكرياً وأمنياً وقضائياً.
وتجدر في هذا المجال الإشارة الى أنّ هذا النوع من التفكير بَرز لدى المافيات في أوروبا التي كانت تستهدف الضبّاط والقضاة وعائلاتهم في الدول التي يتمّ فيها اتّخاذ قرارِِ بتصفيتها، وذلك من أجلِ إخافتهم والتأثير على صلابتهم في مواجهتها، وأيضاً لرفع معنويات أفراد هذه العصابات.
ـ المرحلة الثانية، بدأت مطلع آذار الماضي، وخصوصاً في مناسبة الاستعدادات في لبنان للاحتفال بعيد الفصح في نيسان التالي. واتّسَمت هذه المرحلة بالخطِرة جداً، لأنّ «داعش» كانت تخطّط خلالها لاستهداف كنائس، كما كانت تخطّط لاستكمال هذه الخطة باستهداف مساجد في مناسبة عاشوراء. وفي هذه الأثناء حصَلت عملية «فجر الجرود» التي واكبَها وأعقبَها تعاظُم الجهد التخطيطي لـ«داعش» الهادف للانتقام من لبنان.
أساليب غير تقليدية
وفي هذه الفترة، وخصوصاً تلك التي واكبَت معركة الجرود ورَفعت خلالها «داعش» شعارَ الانتقام من لبنان، حصَلت تطوّرات خطيرة جداً على مستوى محاولات «داعش» المسَّ بأمن لبنان، ومعظمُها تقريباً بقيَت خارج التداول الإعلامي، وقد نجَح الأمن اللبناني في إحباطها خلال الإعداد لتنفيذها، أو حتى قبل أن تبلغ مرحلة التحضير لها.
وكانت المحاولة الأخطر في هذا السياق هي التي كشفَتها المديرية العامة لأمن الدولة وتمثّلت بالقبض على عاملين قرب ثكنة للجيش اللبناني جنَّدتهما «داعش» لتنفيذ عملية غير تقليدية ضدّ جنود هذه الثكنة.
ولا تزال المصادر اللبناينة الرسمية المعنية تتحفّظ عن ذِكر نوعية وماهيّة الوسيلة التي كان العاملان سيَستخدمانها لتنفيذ عمليتهما، ولكن ما يمكن تأكيده، وفق مصادر موثوقة، هو أنّها وسيلة مُحدَثَة وإجرامية وغير تقليدية، ولا تعتمد وسائلَ الحزام الناسف أو إطلاق النار أو ما هو شائع من الأسلحة الإرهابية التي استخدمها «داعش» حتى الآن.
وبات واضحاً للمطّلعين على سجلّ خطط «داعش» في لبنان، كما هو موثّق في الأجهزة الأمنية اللنبانية، والذي لا يزال الجزء الأخطر منه غيرَ معلن، أنّ لبنان اجتاز فترةَ أخطارٍ كبيرة خلال الأعوام الاخيرة وخصوصاً خلال هذه السنة، وأنّ ترتيبه الأمني بين دول العالم على مستوى نجاحه في إحباط عمليات «داعش» يأتي متقدّماً جداً.
وحالياً فإنّ التقدير الأمني اللبناني حول درجة الخطر الإرهابي على لبنان يلحَظ المعطيات الأساسية الآتية:
أوّلاً، بعد معركة «فجر الجرود» أصبحت إمكانات «داعش» على التفجير في لبنان، وحتى على امتلاك هامش التحرّك لخلاياها، ضئيلة جداً.
ثانياً، هناك الآن وضعٌ مختلف في عرسال لمصلحة أهاليها والدولة، وأيضاً موضوع مخيّم عين الحلوة يتحرّك في اتّجاه حلّ أزمةِ الإرهابيين فيه. ويبقى هناك «همٌّ» أساسي يواجه لبنان وهو إخضاع منطقة الحدود الشمالية مع سوريا لرقابة لحظوية لأنّ احتمالات تشَظّي «دواعش» سوريا إلى لبنان عبر الحدود البرّية، يظلّ احتمالاً كبيراً، وذلك بسبب ظروف تنظيم «داعش» في سوريا المتّسمة بأنّه محاصَر ومطرود من إماراته المكانية في الرقة ودير الزرو وغيرهما.
ثالثاً، التحدّي الأساس الآخر الذي يتهدّد أمنَ لبنان حالياً في مواجهة الإرهاب يتمثّل في خطة «الذئاب المنفردة» أو «المتوحشة». فهذا النوع من التحدّي تفرضه عودة «داعش» إلى تبنّي هيكليات جديدة لرسم انتشارها في دول جوار سوريا، تتناسب مع طبيعة المرحلة العسكرية الجديدة التي تمرّ بها.
وتقضي هذه الهيكليات بتنفيذ خطة انتشار إفرادي لعناصر «داعش»، وينفّذ هؤلاء غالباً عمليات إرهابية من دون أن يتلقّوا بالضرورة تعليمات مباشرة من مركز قيادي.
وباختصار فإنّ خطة «الذئاب المنفردة» لا تزال تشكّل تحَدّياً للأمن في لبنان وتُعتبَر سِمة التحدّي الإرهابي الذي تواجهه الأجهزة الأمنية اللبنانية في هذه المرحلة.