كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
للمرّة الثانية يفشل استدراج عروض استقدام معامل توليد الكهرباء بسبب بقاء عارض وحيد. هذه المرّة، ثلاث شركات من أصل أربع قدّمت عروضها، فشلت في اجتياز أول امتحان، أي امتحان التقييم الإداري الذي يليه امتحان التقييم الفني، ثم التقييم المالي. فشلٌ يحسب على مجلس الوزراء ووزارة الطاقة اللذين أصرّا على تضمين دفتر الشروط بنوداً صعبة بالمهل القصيرة المفروضة.
حسمت لجنة المناقصات مصير «استدراج عروض استقدام معامل توليد الكهرباء» من الجولة الأولى. تبيّن لها أن العروض الثلاثة الأولى التي بدأت بدراستها غير مطابقة للشروط الإدارية، ما يوجب استبعادها لكونها غير مؤهّلة للانتقال إلى مرحلتي دراسة الملفات التقنية والمالية، وبالتالي بات لزاماً إعلان بطلان استدراج العروض لعلّة «بقاء عارض وحيد»، وذلك سنداً لرأي ديوان المحاسبة، وبالتالي التوصية بعدم السير بالتلزيم وإعادة الملف إلى إدارة المناقصات تمهيداً لإعادته إلى وزارة الطاقة.
هذه النتيجة لها دلالة واضحة على أسباب الفشل في جذب شركات قادرة على الإيفاء بالشروط المطلوبة. فلا شكّ أن جزءاً أساسياً من الفشل يكمن في دفتر الشروط الذي ضُمِّن بنوداً صعبة التحقيق في مهل قصيرة للغاية، فجاءت النتيجة أسوأ مما حصل في التلزيم السابق عندما قدّمت 8 شركات عروضها، فيما عدد العارضين اليوم بلغ أربع شركات فقط، ولا يمكن الجزم بأن الأربع قدّمت عروضاً جديّة رغم أن مجلس الوزراء حدّد شرط كفالة الـ50 مليون دولار لضمان هذه الـ«جديّة».
إذاً، بدأت لجنة المناقصات فضّ العروض ودراستها من الناحية الإدارية عند التاسعة صباحاً، وقد بدأت بدراسة العروض بحسب رقم تسجيلها في قلم إدارة المناقصات:
ـــ تحالف شركتي «بي بي إينرجي» (لبنانية مملوكة من آل البساتنة) مع شركة «السويدي» المصرية. وقد تبيّن للجنة المناقصات، أن هذا العرض مقدّم للمنافسة على الموقع الثاني، أي معمل الكهرباء في الزهراني، لكن تشوبه مخالفة جوهرية هي على النحو الآتي: «يوجد اختلاف بين نموذج توكيل المصنع الأساسي الوارد في دفتر الشروط والنموذج المقدم من قبل العارض لجهة عدم وجود علاقة تعاقدية إلزامية بين العارض والمصنع الأساسي، كذلك لجهة عدم إرفاق نموذج صادر عن غرفة التجارة يفيد بأن الشخص المذيل توقيعه على المستند مفوض بالتوقيع عن الشركة المصنعة».
ويظهر في الإفادة الخاصة بالهيكلية الإدارية لشركة «السويدي الكتريك» أنها تأسست في عام 2005، فيما يذكر في خانة الخبرة أن لديها خبرة 14 سنة كملتزم ثانٍ، وهذان أمران متناقضان.
وتبيّن أيضاً أن العارضين لم يُرفقا أي شهادات أو مستندات من المراجع الصالحة التي تثبت براءة ذمتهما عن أي دعاوى مقامة بحقهما، وأرفق العارضان إفادة موقعة منهما تفيد بأنهما ليس قيد التصفية أو الإفلاس من دون أي مستندات أو شهادات من المراجع الصالحة تثبت هذا الأمر. كذلك تبيّن أنه لا يوجد أي دليل خبرة للتقنية المقترحة (معامل ذات مولدات طاقة عكسية)، ولا يوجد دليل خبرة التشغيل والصيانة كما هو منصوص عنه في دفتر الشروط… إلى جانب أخطاء في تعبئة بعض الجداول وأخطاء أخرى أقل جسامة.
ـــ العرض الثاني يعود إلى شركة «يونس بروس» بالتحالف مع شركة STX Heavy Industries. تبيّن أن هذا العرض مقدّم للقسم الأول، أي محطة دير عمار، ولم يتضمن أي مستندات أصلية كما هو مطلوب في دفتر الشروط.
ـــــ العرض الثالث يعود إلى شركة MEP/OEG/india/Arkay IBPIL/ Navtek/Erkal، وهو مقدم للقسم الثاني، أي محطة دير عمار. وتبيّن أن كتاب الضمان المصرفي يغطي لغاية 22/3/2018، أي لا يغطّي فترة الـ180 يوماً المطلوبة في دفتر الشروط، وتبيّن أيضاً أن رسالة التقدّم مذيّلة بتوقيع الشخص المفوّض من قبل التحالف وغير ممهورة بختم الشركات المتحالفة خلافاً لدفتر الشروط.
في ضوء هذه النتائج، قرّرت لجنة التلزيم رفض العروض الثلاثة لمخالفتها دفتر الشروط بنحو جوهري من دون أن تفضّ العرض الأخير لكونه بقي وحيداً، إذ إن الرأي الاستشاري الصادر عن ديوان المحاسبة تحت الرقم 11 بتاريخ 14/3/1979 يتضمن عدم الأخذ بالعرض الوحيد، ما يوجب على اللجنة «عدم السير بالتلزيم وإعادة كامل الملف إلى إدارة المناقصات لاتخاذ الإجراء المناسب».
إذاً، هذه المرّة الثانية التي يصل فيها استدراج عروض معامل الكهرباء إلى حُرمة «العارض الوحيد». استدراج العروض السابق أدّى إلى بقاء عرض وحيد، رغم التعديلات التي أجرتها لجنة التلزيم والشركة الاستشارية على دفتر الشروط أثناء تنفيذ المناقصة. وقد أخذ الأمر جدلاً واسعاً في مجلس الوزراء الذي أجرى تعديلات على دفتر الشروط، على أن يؤخذ رأي إدارة المناقصات بها. ومن أبرز التعديلات أنه فصل التلزيم إلى قسمين: الأول يخصّ محطة دير عمار، والثاني يخصّ محطة الزهراني، ثم حدّد مهل التسليم على أن تكون 3 أشهر للقسم الأول و6 أشهر للقسم الثاني، وتشدّد في وضع ضمان مؤقت بقيمة 50 مليون دولار عن كل قسم… وبعد جدل طويل بين الوزراء حول فتح الخيارات للسماح بتقديم عروض على اليابسة وعروض لمعامل بواسطة الغاز وليس بواسطة الفيول والديزل، أتاح المجلس تقديم عروض على اليابسة، على أن تكون المعامل بواسطة الفيول والديزل حصراً، ثم مدّد مهلة تقديم العروض لثلاثة أسابيع بدلاً من أسبوعين!
في الواقع، اعترضت إدارة المناقصات على هذه الشروط التي تحدّ من المنافسة، وطلبت توسيعها وجعلها أكثر تلاؤماً مع قانون المحاسبة العمومية، إلا أن إصرار مجلس الوزراء ووزير الطاقة على السير بهذه الشروط، دفع إدارة المناقصات إلى فتح استدراج العروض واستقبال العروض. لكن النتيجة جاءت على قدر البنود المطلوبة، فقد كان لافتاً أن تقدّم إحدى الشركات مستندات غير أصلية، رغم أن دفتر الشروط ينصّ على أن تكون كل المستندات أصلية، وكان لافتاً أن تكون هناك أخطاء إدارية جسيمة في عروض أخرى، وألا تتمكن الشركات من إثبات جديّتها في المنافسة. هذا الأمر يعزى أساساً إلى مهلة تقديم العروض القصيرة التي تركت انطباعاً سلبياً لدى الشركات الدولية والمحلية الراغبة في الفوز بصفقة قيمتها مئات ملايين الدولارات، فامتنعت هذه الشركات عن المشاركة، فيما شكّل عنصر الوقت عاملاً ضاغطاً على الشركات التي أخذت قراراً بالمشاركة… باختصار، المنافسة لم تفتح على مصراعيها، لا لجهة مهل التقديم والتسليم، ولا لجهة المعامل ونوعية الوقود لإنتاج الكهرباء من فحم حجري إلى غاز بأنواعه وفيول وديزل، ولا لجهة الشروط الإدارية التي جرى تشديدها بنحو لا يتلاءم مع طبيعة المناقصة، إذ كان يمكن تخفيف بعض الشروط التي لا تعدّ جوهرية، لكن تأمينها يتطلب وقتاً طويلاً.