كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
في حيٍّ شعبي من أحياء منطقة زقاق البلاط، تحوّل علي محمد يونس (2003) من مراهقٍ كان يلهو في شوارعِها، وجلّ ما قد يفعله هو إطلاق النار في ألعاب الفيديو، الى قاتلٍ ساديٍّ أزهق روحَ مَن ربّاه إضافة الى بعض الأبرياء الذين كان جرمُهم مصادفة وجودهم في طريقه، ولهذا السبب كانوا يستحقّون في نظره الموت، وبأبشع الطرق.
وفي التفاصيل، أطلق علي النار عند السادسة والربع من صباح أمس من بندقية صيد على والده محمد (1958) فقتله على الفور، ثمّ خرج من منزله مطلِقاً النار في اتجاه ناطور المبنى المجاور، السوري منصور أحمد عبد السلام (1977) فأصابه وما لبث أن فارق الحياة في مستشفى الجامعة الأميركية، كما أُصيبت زوجته سلوى العلي (1980) ووضعُها مستقرّ، ليعودَ ويطلقَ النار باتجاه السوري علي محمد المرعي ع. م. (1983) ويقتله أيضاً، كذلك أصاب كلّاً من اللبنانيَّين ب.ش (1998)، ع.ش (1996) وب.ش (1988).
وعلى الفور حضرت دورية من مفرزة استقصاء بيروت في وحدة شرطة بيروت إلى المكان وأوقفت مطلق النار وضبطت السلاحَ المستخدَم، وسلّمتهما الى فصيلة زقاق البلاط في وحدة شرطة بيروت، حيث التحقيقاتُ جارية بإشراف القضاء المختص.
علي ضحيّة؟
كما في كل جريمة، تتعدّد الروايات ويصل بعضها الى حدّ المبالغة والإسهاب في التحاليل، إلّا أنّ ما يمكن تأكيده هو أنّ علي ضحيّة هو الآخر: ضحية رضوخه للسلاح المتفلّت الذي أغراه ليكون أداةً فاعلة لإخماد نار غضبه، وضحية البيئة التي يعيش فيها والتي «تحلّل» اقتناءَ الأسلحة في المنازل، وضحية غياب المراعاة النفسيّة لشخص لا يختلف اثنان على اختلال ما في شخصيّته بمجرّد أن قتل والده وآخرين نتيجة تراكمات نفسية عدة عاشها منذ صغره، والأهم من ذلك ضحية الضمير الذي إن صحا يوماً سيقتله ألف مرّة كل يوم.
الجيران يروون
لم يكن سهلاً على الجيران الاستيقاظ على وقع إطلاق رصاص، خصوصاً أنّ الجاني كان يركض بشكلٍ هستيري في الشارع مطلِقاً النار على كلّ مَن يصادفه، «وعلى كل حال، مَن يقتل والده، لن يرحمَ أحداً» تقول الجارة لـ«الجمهورية»، ليقاطعها زوجُها قائلاً: «أستيقظ كل يوم باكراً جداً للذهاب الى عملي، وصودف أنني كنت على الشرفة أحتسي قهوتي الصباحية فجراً فرأيت الجاني متّجهاً نحو منزله وغادرت بعدها الى عملي، لتتصل بي زوجتي نحو الساعة السادسة والنصف تخبرني بسماعها صريخاً تبعه إطلاق نار، حيث إنّ الجاني كان خارجاً من منزله حاملاً بندقية الصيد فتبعه والدُه مهدِّئاً من روعه فأطلق الولد رصاصةً عن طريق الخطأ الى عنق والده وأصيب على أثرها بحالة صدمة بعد رؤيته الدماء وبدأ إطلاق النار عشوائياً بعدها».
إلّا أنّ رواية أخرى تشير الى أنّ مشكلات عدة كانت ناشبة في العائلة، منها ضرب الضحية لزوجته ما دفع بالولد للدفاع عن أمه، وأخرى مفادها أنّ الضحية كان سيتزوّج بامرأة أخرى حصل صدام مع ابنه نتيجته وكانت الجريمة، أما التحليل المنطقي في مثل هكذا جريمة فهو معاناة الجاني من بعض المشكلات النفسيّة منها انطواؤه الدائم بحسب مصدر مطلع لـ«الجمهورية» وعدم انخراطه في المجتمع، خصوصاً أنّ البعض أكد أنّ أهله أخرجوه من المدرسة في عمرٍ صغير، عزّزتها رواية أخرى تكشف النقابَ عن إدمان الجاني ألعابَ الفيديو القتالية لا سيما لعبة «Grand Theft Auto – GTA» التي أُدخلت الى لاوعيه ولعاً بالقتل، خصوصاً أنّ القاتل يظهر بصورة البطل في هذه الألعاب، ويُصوّر التعدّي على الغير شجاعة.
مشهد دموي
في ساحة الجريمة التي وسّع قطرها، وجوهٌ مصدومة لأشخاص لم يستوعبوا هول «الفيلم» بحسب تعبير أحدهم، دماء على الأدراج جفّت لوالد لم يخطر في باله أن يرديه مَن ربّاه مهما صعبت المشكلات، لتقتلَه الرصاصة قبل أن تلمس جسدَه بمجرد أن خرجت من سلاح كان في يد ابنه، فسائق التاكسي الذي يعمل «من الفجر الى النجر» بحسب جيرانه، فنى حياتَه لعائلته ونجح في إظهار صورة العائلة البعيدة من المشكلات… ذهب الوالد وكذلك ذهب بريئان غيره من دون أن يدركَ أنّ الرصاصة القاتلة جاءت بعد مسار طويل من المعاناة، لو تداركه ربما لكان حيّاً يُرزق ولما كان ابنُه «جزّاراً» بنظر المجتمع الذي مهما كثرت تحليلاته، لن يستطيع كشف السرّ الحقيقي الذي لا يعرفه إلّا الجاني والله.