كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
توقفت مراجع ديبلوماسية وعسكرية أمام اعتراض الصواريخ السورية طائراتٍ إسرائيلية أثناء تحليقها في سماء لبنان على رغم انشغال السوريين بالأحداث الداخلية وتجاهلهم الرد على عشرات الغارات الإسرائيلية المتتالية منذ عقدَين من الزمن على الأراضي السورية. وهو ما دفع الى السؤال عن خلفيات هذه الخطوة وأهدافها. فمَن كلّف الرئيس بشار الأسد حماية الأجواء اللبنانية والدفاع عنها؟منذ بداية هذا القرن دأبت إسرائيل على شنّ غارات على الأراضي السورية في مناسبات عدة ارتبطت بدايةً بتحذير القيادة السورية من دعمها «حزب الله» قبل حرب تموز 2006 وبعدها.
ولم يتوقف مسلسل الغارات بعد اندلاع الأزمة السورية في 16 آذار 2011 تحت الشعار عينه قبل أن تخصّص بعضها لتدمير المشاريع النووية السورية منها على ما وصفته تل أبيب في حينه بالمفاعل النووي السرّي الذي ما زال قيد الإنشاء في دير الزور في أيلول 2007 وصولاً الى الغارة التي استهدفت في 8 أيلول المنصرم موقعاً علمياً نوَوياً آخر في مدينة مصياف قرب حماه انطلاقاً من الأجواء اللبنانية وما بينهما الغارة التي استهدفت في 5 أيار 2013 مركز البحوث العلمية في جمرايا بريف دمشق.
ولا ينسى المراقبون الغارات الوهيمة التي حلّقت فيها الطائراتُ الإسرائيلية فوق قصر الرئيس السوري بشار الأسد مرتين الأولى مطلع حزيران 2006 عقب أسر حركة «حماس» الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط قرب غزة والثانية في منتصف آب 2003. كذلك شنّت إسرائيل غارة استهدفت موقع تدريب فلسطيني في 4 تشرين الأول 2003 في منطقة عين الصاحب قرب دمشق.
والى مسلسل الغارات هذه فقد كشفت إسرائيل قبل مدة عن تنفيذها عشرات الغارت على الأراضي السورية والتي بقي معظمُها كما قال وزير الدفاع في حينه سرّية. عدا عن تلك المعلن عنها والتي استهدفت مواقع مختلفة لـ»حزب الله» وأخرى للجيش السوري وابرزها التي استهدفت ما سمّته مواقع موالية للنظام في 27 نيسان الماضي قرب مطار دمشق الدولي قبل أن يُقال إنها مخازن أسلحة إيرانية مختلفة ومتطوّرة وُضعت في تصرّف «حزب الله».
وفي 22 شباط 2017 المنصرم قصفت إسرائيل بالصواريخ الموجهة من بحيرة طبرية مواقع تابعة للجيش السوري في جبال القطيفة القريبة من دمشق بعد تسعة ايام على عملية قصف استهدفت مطار المزة بثمانية صواريخ أطلقت من سماء الجولان المحتل فوق بحيرة طبريا ورجحت مصادر مخابراتية روسية أن الصواريخ أطلقتها طائرات الشبح ( F35) من داخل الأجواء الإسرائيلية.
وما بين اعوام 2011 والغارة الأخيرة قبل ايام على بطارية الصواريخ السورية التي قصفتها في ريف دمشق الجنوبي شنّت إسرائيل عشرات الغارات التي استهدفت قوافل لـ»حزب الله» ومطارات دمشق والمزة العسكرية ودرعا ومواقع سورية في القنيطرة وأخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني ومجموعات موالية له في المنطقة المقابلة للجولان المحتل وأخرى اغتالت فيها قياديّين من الحزب أمثال جهاد مغنية في 18 كانون الثاني 2015 وهو نجل القيادي في الحزب عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في 12 شباط 2008، وأنصار للحزب مثل سمير القنطار في 20 كانون الأول 2015 داخل مبنى في بلدة جرمانا جنوب دمشق كان يشكل احد المراكز السرّية التابعة له وقتل فيها ضباط وعسكريون إيرانيون من رتب مختلفة بينهم خبراء متقاعدون وآخرون من الحرس الثوري الإيراني.
والمقصود من هذا العرض السريع لأبرز الغارات الإسرائيلية على سوريا في الحرب الأخيرة وما قبلها للإشارة الى أنّ سوريا لم ترد يوماً عليها رغم إشارتها في أعقاب بعض الغارات الكبرى في البيانات العسكرية المتتالية التي صدرت عن الناطق العسكري باسم وزارة الدفاع ومراجع عسكرية أخرى الى أنها تدرس سبل الرد في الشكل والوقت المناسبين سوى مرة واحدة قبل اشهر قليلة، وتحديداً في 17 آذار 2017 عندما اغار سرب من الطائرات الإسرائيلية على مواقع عسكرية داخل العمق السوري وقالت دمشق يومها إنها أسقطت إحدى الطائرات وأصابت أخرى، لكنّ تل أبيب أكدت يومها أنّ ذلك لم يحدث، وأنّ دفاعاتها تصدّت للصواريخ السورية وأبطلت مفعولها.
وبناءً على ما تقدّم برزت القراءة الجديدة للقصف الصاروخي السوري في اتّجاه طائرات اسرائيلية حلقت في سماء لبنان صباح اول امس الثلثاء بعدما قالت سوريا ان هذه الطائرات دخلت المجال الجوي السوري انطلاقا من منطقة بعلبك اللبنانية. وقالت اسرائيل إنها ردت بعد اعترافها بالإستهداف الصاروخي السوري في اتجاه السماء اللبنانية بقصف بطارية للدفاعات الجوّية السورية في «موقع رمضان» شرق دمشق.
وبعيداً من السجال السوري – الإسرائيلي حول العملية العابرة التي لم يكن لها أيُّ تردّدات قالت مصادر ديبلوماسية وعسكرية إنّ للرد السوري تفسيرَين على الأقل: الأوّل يقول إنّ النظام في سوريا في حاجة الى عملية من هذا النوع لتظهير ردّة فعل إقليمي ودولي على جهوزية جيشه رغم انشغالاته بالعمليات العسكرية الداخلية، وانه بات قادراً على الرد بعدما بات يمسك بالمناطق التي حررها في الداخل، وثانيها قد يكون اعتباره أنّ سماءَ لبنان وسوريا باتت سماءً واحدة عندما يتصل الأمر بالعدوّ الإسرائيلي، وهو لم ولن يتراجع عن عدائه لإسرائيل وانه قادر في أيّ وقت على مواجهتها.
وإزاءَ هذا التفسير السوري الذي قد تكون له امتداداته الى القراءة الإيرانية للوضع في المنطقة التي بدأت تتحدث عن لبنان وسوريا كأرض ومساحة واحدة للمواجهة مع إسرائيل. ورُبطت هذه القراءة الجديدة بما أعلنه الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله قبل اسابيع عن مواجهة شاملة مع إسرائيل سيشارك فيها آلاف من المتطوّعين من دول مختلفة مستعدون للمشاركة في أيّ مواجهة جديدة مع إسرائيل، وهو ما اشار اليه الإعلام التابع للحزب عندما قال تلفزيون المنار في مطلع نشرته المسائية الرئيسة أمس الأول الثلثاء «إنّ الصاروخ السوري اصاب اهدافه في مستقبل المنطقة حاملاً رسالة الرئيس بشار الاسد بأنه لم يعد هناك حدود بين لبنان وسوريا في كل ما يتعلق بقدرات الرد عند أيّ حرب مقبلة».
واللافت ايضاً، تضيف المراجع الدبلوماسية والعسكرية، أنّ الرد السوري تزامن مع وصول وزير الدفاع الروسي الى تل ابيب ومباشرته محادثات مع المسؤولين الكبار فيها ما طرح سلسلة من الأسئلة عن وجود تنسيق سوري ـ روسي مسبَق رغم أنها تنفي احتمالَ وجود موافقة روسية مسبقة على عملية من هذا النوع، فالتجارب السابقة عن شكل تعاطي الروس مع أمن إسرائيل لا توحي بذلك وهي التي كرست منطقّة خاليةّ من الإيرانيين وحزب الله على طول الحدود مع الجولان المحتل واسرائيل وتسعى الى توسيعها كما تطالب بها اسرايل بعمق يقترب من 40 كيلومتراً علما ان المنطقة الحالية التي كرستها منطقة خفض التوتر في درعا هي بعمق يمتد ما بين 17 و30 كيلومترا.
وعليه فقد بات من الضروري انتظار بعض الوقت للتأكد من الأهداف السورية من العملية وسط تساؤل شامل عمن كلف او طلب من الرئيس بشار الأسد حماية الأجواء اللبنانية؟!