كتب محمود زيات في صحيفة “الديار”:
كل عيون الطامحين شاخصة على المقعد الارثوذكسي في مرجعيون، وكل شعارات المعركة الانتخابية استُحضِرَت في دائرة واسعة جمعت اقضية مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل والنبطية مركز المحافظة، في ورشة تتعدد هوياتها السياسية وتتنوع هواجسها الانتخابية، حتى بدا المشهد التحضيري… وكأنها انتخابات تخوضها احزاب مشاركة في السلطة… بوجهيها.
دوافع واعتبارات كثيرة وكبيرة، تنطلق منها القوى والاحزاب السياسية في دائرة مرجعيون ـ حاصبيا ـ بنت جبيل ـ النبطية، التي تعتبر من اوسع الدوائر الانتخابية على مستوى لبنان، فالثنائي الشيعي الذي ما زال ممسكا بمبادرة تأليف اللوائح ورسم مسارات المعركة يخوض «المباراة» على ملعبه وبين جمهوره… وبمرشحين من كافة الطوائف، يواكب ويحضر لمعركة تجنُّب الخسائر.. واذا كان لا بد منها… فلتكن بأقلِّها، والحساسية المفرطة لدى الرئيس نبيه بري وحركة «امل»، ترتبط بما تشكله اقضية الجنوب من خزان شعبي وسياسي رسم الحجم النيابي والوزن السياسي في السلطة السياسية، فيما الحساسية لدى «حزب الله»، ترتبط بما يشكله الجنوب من بيئة للمقاومة… وميدانه الحربي في مواجهة الاحتلال، في ظل غياب اي مؤشر عن تعديلات في ترشيحات «الثنائي الشيعي» عن المقعد الدرزي ويشغله النائب انور الخليل، والمقعد الارثوذكسي الذي يشغله النائب اسعد حردان والمقعد السني الذي يشغله النائب عن حزب البعث العربي الاشتراكي قاسم هاشم.
اما في معسكر الاخصام السياسيين… و«غير السياسيين»، فان الحسابات تتشعب وتتعقد مع وجود حالة اعتراضية مُشتَّتة وغير متجانسة، مع مراهنة على ما يمكن ان يسهم قانون «ألنسبية» في التفلت من قبضة التأثير الشعبي والانتخابي للاعبين الكبار في الدائرة، بالرغم من ان مشكلة جبهة المعارضين للثنائي الشيعي، تتمثل بانعدام عناصر التماسك السياسي والانتخابي، وبرأي الاوساط المتابعة، فان جل ما هو متوفر، قيام تحالف يجمع القوات اللبنانية و«تيار المستقبل» و«الجماعة الاسلامية»، وجميعها يحظى بنفوذ في نطاق وجوده المحصور في قرى وبلدات اغلبيتها من اللون الطائفي لهذا الطرف وذاك، واللافت ان مصالح بعضه متضاربة في ما خص الترشيحات، الجميع امام معركة من نوع آخر.
وتقرأ اوساط متابعة للواقع السياسي والانتخابي في الجنوب، في خارطة المعارك وعناوينها التي تعكس حالة الصراع السياسي على المستوى العام، فمن معركة اثبات الوجود التي يخوضها القيادي السابق في التيار الوطني الحر اللواء عصام ابو جمرة من خلال ترشيح نجله الى المقعد الارثوذكسي في مرجعيون، وهو يسعى الى الاستفادة من ما يبالغ به ابو جمرة في وصفه بـ «التصدعات» التي اصابت الجمهور العوني، وهي حالة تكاد تكون معدومة في الوسط المسيحي في الجنوب، والمراهنة على جذب اصوات المسيحيين «الزعلانين» من «التيار الوطني الحر»، لكنها تبقى ان وُجدت، غير مؤثرة، وتلفت الاوساط الى ابو جمرة يحاول جمع نواة لائحة، تضم مرشح درزي وآخر سني، اضافة الى مرشحين شيعة، بعد ان وجد ابواب «القوات اللبنانية و«المستقبل» موصدة امامه، لحسابات انتخابية تتعلق بنوايا قواتية بتقديم ترشيح عن المقعد نفسه الذي يترشح عليه ابو جمرة، مع ارجحية قيام تحالف يجمع القوات و «المستقبل»، ويشار الى ان ابو جمرة الابن سيواجه مرشحين ذات خلفية حزبية تستند الى قسم من الجمهور المسيحي من بينهم «مرشح «القوات»، والنائب اسعد حردان احد ابرز المرشحين على لائحة الرئيس نبيه بري و«حزب الله»، وهو من الثوابت، انطلاقا من مبدأ تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي، وانسجاما مع التمثيل المعطى له، منذ اول انتخابات نيابية جرت بعد اتفاق الطائف في العام 1992.
اما القوات اللبنانية، فانها تنوي تخوض الانتخابات في ساحة جنوبية ثانية، بعد شعورها بـ «تضييق» الخناق الانتخابي الذي يمارسه عليها التيار الوطني الحر في جزين! لتخوض معركة اشبه بـ «التسلل» نحو التمثيل النيابي الجنوبي، وهو طموح له الكثير من «المحاذير» لدى القوى الفاعلة، فيما «تيار المستقبل» يخوض معركة «تحرير» المقعد السني في منطقة العرقوب!، والتحرير، وفق ما يردد «المستقبليون» ضمنا… من الهيمنة الشيعية، وهو بدأ بفتح قنوات اتصال مع شخصيات شيعية، بعضها متخصص في العداء لـ «حزب الله»، لبلورة صيغة ما… لجمع ما تيسَّر من «معارضين»، بعضهم ينضوي في جماعات استُنسِخَت على عجل، في زمن الانتخابات، وحملت تسميات مذهبية… بنكهة «يسارية» لـ «محاكاة» الجمهور الشيعي !، في سوق الانتخابات.
من كل القوى والتشكيلات السياسية التي تخوض الانتخابات، يتميز الحزب الشيوعي اللبناني الذي ينتشر وجوده في معظم قرى وبلدات الجنوب، ويحظى بشعبية في مختلف البيئات الطائفية، فيرى «الشيوعي»، انه خارج اي تحالف مع احزاب السلطة، وان الفريقين مكملان لوجه السلطة، وفي حساباته، فان المواقف من لوائح «الثنائي الشيعي» وحلفائه، هو نفسه من لوائح ما سيسمون انفسهم «معارضة»، وفي الحالتين هم يشكلون احزابا في سلطة واحدة، فيما حزب الكتائب الذي بدا بعيدا عن الصالونات الانتخابية، والمحاصر من «حلفائه» السابقين في «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، وهو بدا غير متحمس لاعلان ترشيحات حزبية مباشرة في الدائرة.
ولان «الهجمة» التي تلوح في افق انتخابات دائرة مرجعيون ـ حاصبيا ـ بنت جبيل ـ النبطية، تتركز على المقعد الارثوذكسي، تلفت الاوساط الى ان تحرير الصوت التفضيلي يشكل مصلحة حيوية للاحزاب المسيحية في دوائر، فيما نتائجه غير مرغوب فيها في دوائر اخرى، وفي دائرة، مثل دائرة النبطية ــ بنت جبيل ــ مرجعيون ــ حاصبيا، فان الثقل المسيحي موجود في قرى وبلدات قضاء بنت جبيل، والناخب المسيحي فيها مشارك بفعالية في الاستحقاقات الانتخابية الماضية، بالرغم من غياب اي مقعد مسيحي في القضاء، وباستطاعة الصوت المسيحي، في حالة تحرير الصوت التفضيلي عن القضاء، ان يُسهم في معركة المقعد الارثوذكسي في مرجعيون، وتقدر اوساط متابعة ان اكثر من 43 ألف ناخب مسيحي في الدائرة قادرون على الاسهام في تحديد هوية النائب عن المقعد الارثوذكسي، لكن تعدد الولاءات السياسية والانتماءات الحزبية سيُخفف من وطأة الوزن الانتخابي للمسيحيين. بالمقابل تتحدث معطيات اولية عن عناية فائقة يوليها القيمون على تركيب اللوائح الانتخابية في فريق تحالف امل ـ حزب الله وحلفائهما، في ضوء تقديرات لامست وجود خطر على حردان من تكتل الناخب المسيحي في اقضية الدائرة، والتعامل مع المقعد الارثوذكسي على اساس انه «الحلقة الاضعف» في تشكيل اللائحة التي ستجمع حركة «امل» و«حزب الله» وحلفاءهم، والتركيز على رفده باصوات تفضيلية، تكون اقرب الى «ترانسفير» من الناخب الشيعي لحمايته.
تبلغ الحصة الانتخابية لدائرة مرجعيون ـ حاصبيا، بنت جبيل ـ النبطية، احد عشر نائبا، موزعة على النحو التالي:
في النبطية 3 مقاعد للشيعة، في بنت جبيل 3 مقاعد للشيعة، في مرجعيون ـ حاصبيا 5 مقاعد: مقعد سني، مقعد ارثوذكسي، مقعد درزي، مقعدان للشيعة، وفيها قرابة الـ 260 ألف ناخب، تتوقع اوساط مطلعة ان تبلغ نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ما يقارب الـ 60 بالمئة، ما يعني ان الحاصل الانتخابي قد يكون قرابة الـ 23 ألف صوت، وهو ما يعتبر فوزا لاي مرشح.