كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:
شكّلت جلسة مناقشة الموازنة الـ2017، فرصةً أولى للنوّاب لإطلالةٍ على الاستحقاق الانتخابي المقرّر إجراؤه في الربيع المقبل. وثمّة فرصة جديدة ستُتاح لهم، لإطلالة ثانية على هذا الاستحقاق، مع جلسةِ مناقشة موازنة الـ 2018، التي يفترض أن تنعقد أواخر السنة الحالية، إذا ما بقيَت الأمور المرتبطة بإعداد هذه الموازنة في مسارها الطبيعي نحو إقرارها السريع وقبل نهاية الشهر الجاري في مجلس الوزراء ومن ثمّ إحالتها إلى مجلس النواب. ومِن حظّ النواب، وعلى وجه الخصوص المرشّحون من بينهم، أنّ انعقادها سيصادف في عزّ الموسم الانتخابي.بناءً على تجارب التمديد السابقة، ثمَّة شريحة لا بأس بها من الناس والسياسيين، مازالت تجد صعوبةً في تصديق أنّ الانتخابات ستجري، وبشكلٍ أدقّ صارت مِثل «توما» لا تصدّق إلّا أن ترى بأمّ عينها أنّ صناديق الاقتراع قد فتِحت. وتزيد من صعوبة تصديقها أجواء التشكيك بإجراء الانتخابات، التي تضخّها بعضُ الماكينات السياسية.
وبناءً على التجربة ذاتها، ومِن باب الحسمِ والجزم والتأكيد على أنّ زمن التمديد لمجلس النواب قد انتهى وذهبَ إلى غير رجعة، فإنّ الأجواء الرئاسية، تجزم من الآن أنّ الانتخابات حاصلة في موعدها المحدّد مطلعَ أيار المقبل.
الرئيس ميشال عون قال أنْ لا خوفَ على الانتخابات وستجري، ولاقاه الرئيس سعد الحريري بكلامٍ مماثل، وتناغَما في موقفهما هذا مع التأكيد المتكرّر للرئيس نبيه بري بأنّ قطار الانتخابات انطلقَ ولن يوقفَه أحد أو شيء، إلّا الزلزال المدمّر، لا سمحَ الله.
الأجواء الرئاسية هذه يُعزّزها عدمُ وجود إرادة داخلية بتهديد أو تعطيل الانتخابات، ويواكبها دخولُ مختلف القوى السياسية فعلياً في أجواء الانتخابات لملاقاة الاستحقاق؛ أعدّوا عدّتهم، زيّتوا ماكيناتهم التي تشتغل بكامل طاقتها لرسم خريطة التحالفات، وفي إعداد الاستطلاعات والإحصاءات وضربِ الأخماس بالأسداس، الذي بلا شكّ لا يصل في ظلّ الإبهام الذي يعتري القانون الانتخابي الجديد، إلّا إلى تقديرات تقريبية وغير دقيقة، وليس إلى تقديرات مسبَقة جدّية ودقيقة لحجمِ الفوز والخسارة وعددِ المقاعد التي ينالها كلّ طرف، على غرار التقديرات المسبَقة التي كانت تُظهر النتائجَ قبل حصول الانتخابات.
إلى جانب التأكيد بحصول الانتخابات، تأكيد آخَر على أنّ الفترة الفاصلة من الآن وحتى موعد فتحِ صناديق الاقتراع يوم الأحد 6 أيار 2018، يفترض أن تكون «فترة استقرار»، أو بكلام أدقّ فترة مراوحة بالوضع على ما هو عليه حالياً، بكلّ طلعاته ونزلاته ومناوشاته المتقطّعة من حين إلى آخر بين القوى السياسية المختلفة، والتي لا ترقى إلى حدّ المسّ بفترة المراوحة أو تهديد الانتخابات. هذه المناوشات يسمّيها مسؤول كبير بـ«قنابل صوتية» و«فقّاعات هوائية» لن يكون لها أيّ تأثير.
والواضح أنّ المستويات الرئاسية والسياسية تتبنّى هذا التوصيف، بما فيها «حزب الله»، الذي يؤكّد على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بأنه «لا يوجد أيُّ مانعٍ من إجراء الانتخابات في موعدها، خصوصاً مع وجود قانون انتخابي جديد حظيَ بشِبه الإجماع، وكذلك مع مبادرة مجلس الوزراء إلى إطلاق آليةِ إجراء هذه الانتخابات عبر تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات وتوفير الاعتمادات اللازمة لها.
ما يعني أننا أمام مسار بدأت خطواته العَملية، وفي ظروف من الاستقرار السياسي والأمني، تُعتبر مؤاتيةً جداً لإجراء الانتخابات، وبحسب معلوماتنا فإنّ الكلّ بدأوا يحضّرون أنفسَهم لهذا الاستحقاق ويدرسون تحالفاتهم ويجهّزون أسماءَ مرشّحيهم للإعلان عنها في الوقت المناسب، ولم نسمع أيَّ إشارة تفيد بتأجيل أو تعطيل الانتخابات. وفي كلّ الأحوال فإنّ «حزب الله» متمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها المحدّد وفق القانون الجديد».
لكنْ في هذا الجوّ الغامض من حيث التقدير المسبَق للنتائج، والمستقر بالتوافق السياسي، يَبرز أمران:
الأمر الأوّل، حقيقة أنّ الجميع في الداخل ينتظرون الانتخابات، وكيف ستعيد إنتاجَ السلطة وعلى أيّ قواعد وموازين، هل وفقَ القواعد والموازين الحالية أم وفقَ قواعد وموازين جديدة ومعادلات جديدة.
يَشي ذلك بأنّ كلّ القوى السياسية لا تستطيع أن تؤكّد من الآن أين سيكون موقع «الأكثرية» التي ستتولّد عن انتخابات أيار، وهل ستبقى على ما هي عليه الآن، أي كفّة «14 آذار» هي الراجحة فيها، أم سيَطالها تعديل أو تغيير؟
عدمُ استطاعة هذه القوى رسمَ موقعِ «الأكثرية»، مرَدُّه إلى أنّ القانون الجديد حيَّر الجميع، ووضَعهم أمام حقيقة أنّه بنظام النسبية المعتمد فيه، كلُّ القوى الكبرى والمتوسطة الحجم ستتأذّى ولن تحصل على نتائجها الحاليّة.
وهذا ما يجعل كلّاً من هذه القوى تحاول أن تُحقّق مصالحَها حتى ولو من حلفائها، وإذا كان الثنائي الشيعي أقلَّ المتأثرين، فإنّ الأكثر تأثّراً هو تيار المستقبل، فالرئيس الحريري نفسُه أكّد خلال مرحلة إعداد القانون الانتخابي أنّ تقديراته حيال أيّ قانون غير القانون السابق تشير إلى خسارته 8 نوّاب.
وأمّا «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» فهدفُ كلٍّ منهما الحفاظ على حجمه الحالي وزيادتُه إذا أمكن. وعلى ما يقال في داخل الطرفين أو في محيطهما فإنّ التفاهم بينهما لن يرقى إلى تفاهمٍ انتخابي، لأنّ مصالحهما الانتخابية متضاربة.
الأمر الثاني، قراءة يُمكن وصفُها بـ»الانقلابية» لنتائج انتخابات أيار، يقدّمها بعض «المتحمّسين»، تفترض أنّ هذه الانتخابات ستنسفُ الأكثرية الحالية وتحلّ مكانَها أكثرية جديدة تكون لفريق الثامن من آذار الغلبة فيها بالتحالف مع التيار الوطني الحر. وقد بُنيَت هذه القراءة على ما سمّاه أصحابها «الانتصار الحتمي في الإقليم»، الذي ستكون له في رأيهم «انعكاسات حتمية في لبنان، وتشكّل الانتخابات المقبلة إحدى أهمّ ساحات ترجمة هذا الانتصار، وبالتأكيد ليس لصالح «14 آذار» حيث في ظلّ الاكثرية الجديدة لن يكون هذا الفريق في موقع القرار السياسي والحكومي».
وانتهت هذه القراءة بسؤال: هل يمكن في ظلّ هذه النتائج المفترَضة، أن يعمد المتضرّرون منها، الخارجيّون أو المحليون، إلى محاولة تعطيل الانتخابات حفاظاً على أكثريتهم الحاليّة»؟
لهذه القراءة إجاباتٌ جاهزة لدى مسؤول كبير، خلاصتُها:
– أولاً، إنّ هذه القراءة متسرّعة، ولم تحسِن مقاربة المشهد اللبناني بواقعية.
– ثانياً، في لبنان، هناك شراكة مفروضة، والكلُّ مسَلّمون بها، ولا يستطيع أحد أن يتخطاها، ويكاد لا يكون لها مثيلٌ في العالم، ما يَعني أن ليس في هذا البلد رابح بالضربة القاضية، ولا خاسر بالضربة القاضية، ثمَّة ظروفٌ قد تجعل محوراً لبنانياً يَربح بالنقاط، وبالعكس، وقد تجعل محوراً لبنانياً آخَر يخسر بالنقاط، وبالعكس. علماً أنّ ظروف الربح والخسارة ليست ثابتة، فالرابح اليوم قد يخسر غداً ويتراجع مِن موقع القرار، والخاسرُ غداً قد يربح بعده ويتقدّم إلى موقع القرار، وهذا معناه أن لا أحد يستطيع أن يلغيَ أحداً في لبنان، أو أن يرفع طرفٌ «الكارت الأحمرَ» في وجه طرف آخر مهما بلغَت قوّته المحلية والإقليمية والدولية، فالرابح له حضورُه، وكذلك الخاسر له حضوره، وقد دلّت على ذلك تجاربُ ومحطّات عديدة شهدَها البلد على مرِّ السنوات الماضية.
– ثالثا، زمنُ الاصطفاف بين 8 آذار و14 آذار لم يعد موجوداً سوى بالاسم، وأمّا بالفعل، فلم يعُد لهما أيُّ وجود أو تأثير، عملياً «فرَط الطرفان»، وبالتالي صورةُ ما بعد الانتخابات المقبلة لن تحملَ أيَّ مشاهد انقلابية أو تغيّرات دراماتيكية، بل ستكون استنساخاً للتركيبة الحاكمة حالياً، سواء زاد نوّاب هذا الفريق أو نقصوا.