كتبت ناتالي أقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
35 عاماً لم ينعس «الحلم» فيما العدالة تغطُ في ثبات عميق. 35 عاماً والحقيقة تَصرخ «مهما تأخّر جايي ما بضيع الجايي»، فيما الشهيد الرئيس بشير الجميل يراقب من عرشه السماوي قافلة الشهداء تزيدُ فيما هَوا الحرية ينقص، وميزان العدالة يبحث عن توازنه. بعد 35 عاماً أصدر المجلس العدلي حكمه بالإعدام بحق حبيب الشرتوني ونبيل العلم المتهمين في جريمة اغتيال رئيس الجمهورية الشيخ بشير الجميل في 14 أيلول 1982.بشير والحق أكثرية. في 20 تشرين الاول 2017 كُتب للعدالة «عمر جديد»، وضُمّت صفحة ذهبية إلى سجل القضاء اللبناني. يوم إستثنائي عاشه لبنان عموماً ومحبّو «البشير» خصوصاً، حكم طال انتظاره، عدالة طالب بها الوطن قبل ذوي الشهداء. عدالة لرئيس إستطاع أن يُعطي أملاً بوطن كانت الحروب تشلّعه، وبدولة تتقاسمها الدويلات.
في التفاصيل
عند الساعة الثالثة غصّت قاعة المجلس العدلي في الطابق الرابع من قصر عدل بيروت، بالمحامين والصحافيين، وبعد رُبع ساعة كان الرئيس أمين الجميّل أوّل الواصلين ومعه صولانج الجميل زوجة الشيخ الشهيد بشير الجميل وابنتها يمنى. ما إن اقترب من المقعد الأمامي حتى قدّم له أحد الكتائبيين رداء المحاماة، أمّا صولانج ويمنى فانهمكتا في ردّ التحية على الحاضرين.
وعند الثالثة والنصف وصل النائب نديم الجميّل فاقترب ذوو أهالي الانفجار يُقبّلونه قائلين: «مبروك سلف»، وبعد ربع ساعة دخل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل برداء المحاماة ومعه سرب من المحامين، قَبّل أفراد عائلة الجميّل وقدّم الدعم لابن عمه نديم واضعاً يده على كتفه».
كان من المفترض أن تبدأ جلسة الحكم عند الثالثة بعد الظهر، إلّا أنها تأخرت، وسرعان ما ارتفعت موجة التكهنات والتحليلات، «معقول أقلّ من الإعدام؟»، «نطرنا كتير لنشوف العدالة»، «يا عدرا وين صاروا؟». وعند الرابعة عَلت صرخة أحد الامنيين: «هيئة المجلس العدلي»، فتأهّب الجميع، ودخلت الهيئة برئاسة القاضي جان فهد، وضَمّت: القاضيتان ناهدة خداج، تريز علاوي، والقاضيان جوزف سماحة وغسان فواز. كذلك دخل المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود والمحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان.
تفقّد فهد المذياع أمامه قائلاً: «كلّنا صرنا حاضرين». وبلمح البرق ساد الصمت، والكل مُتلهّف لسماع ما سيقوله. ثم عدد الجهة المدعية ووكلاء الدفاع عنهم، ثم طلب من الحاضرين الوقوف ليتلو الحكم. نحو 30 ورقة A4، قرأ فهد «ع فَرد نَفس»، وحده الميكروفون الذي تعطّل أكثر من مرة أجبره على التمهّل لحظات.
إذ استرجَع فهد في الصفحات بين يديه وقائع مسار الإعداد للاغتيال بين العلم والشرتوني، وتفاصيل التفجير الذي ذهب ضحيته الشهيد بشير الجميل ومعه 23 شهيداً، وبعدها الحكم الصادر بحقهما.
وعندما وصل فهد إلى حكم الإعدام أولاً لنبيل العلم، عَلا تصفيق الحاضرين، وكان إبنا الشهيد بشير يُحاولان حبس دموعهما. ومع تلاوة فهد فقرة الإعدام تجدّد التصفيق بحرارة، فاستدار سامي الجميّل مهنئأً ولدي عمه بيمينه بينما كان يمسح بشماله الدموع عرض وجنتيه.
خلاصة الحكم
«باسم الشعب اللبناني… حكم المجلس بالاتفاق:
– بتجريم المتهم نبيل فرج العلم بمقتضى الجناية المنصوص عليها في المادة 217 معطوفة على المادة 549 فقرة 1 و7 على المادة 6 من قانون 11/1/1958، وبمعاقبته بالاعدام.
– بتجريمه بمقتضى المادة 219 فقرة 1 و2 و4 عقوبات معطوفة على كل من المادة 549 فقرة 1 و7 عقوبات والمادة 6 من قانون 11/1/1958 ومعاقبته سنداً للمادة 220 فقرة اولى عقوبات بالاعدام.
– بتجريم المتهم حبيب طانيوس الشرتوني بمقتضى الجناية المنصوص عليها في المادة 549 فقرة 1 و7 وفي المادة 6 من قانون 11/1/1958 وبمعاقبته بالاعدام.
– بتجريمه بمقتضى المادة 549 فقرة 1 و7 معطوفة على المادة 201 عقوبات، وبمعاقبته سنداً لهاتين المادتين معطوفتين على المادة 220 فقرة اولى عقوبات بالاعدام.
ماذا بعد الحكم؟
لم يكد يُنهي فهد تلاوة الحكم حتى التفّ الحاضرون يُقدمون التهاني لعائلة الجميّل ولبعضهم بعضاً. من جهتها إعتبرت صولانج «انها جلسة الحلم»، قائلة في حديث لـ«الجمهورية»: «35 عاماً إنتظرنا هذه اللحظة، نأمل ان تُشكّل جلسة الحكم هذه الفاتحة لجلسات أخرى وملفات «نايمين عليها».
نحن لا نزال نعيش بالحلم وسنُكمل المسيرة». ويغصّ صوتها تأثّراً وتلمع عيناها وهي تنظر إلى إبنها وهو يلقي التحية يميناً وشمالاً، فتُتمتم: «نديم أمانة كبيرة الله يرِدّ عنو، ومعاً مكمّلين الطريق».
وبعيون تلمع انتصاراً أعربَ نديم الجميّل عن غبطته لـ«الجمهورية»، قائلاً: «اليوم متفائل أكثر من أي يوم مضى، الجلسة إنتظرتها العائلة والوطن، لينتصر فيها الحق والعدالة، ولندفن أحزاننا، هي فرحة للشهداء بمعرفة الحقيقة بعد 35 سنة».
ماذا بعد الحكم؟ أجاب نديم: «لا شك في اننا سنُطالب بتنفيذ الحكم ومتابعته كي يُطبّق من خلال توفير كل ما يلزم للدولة لتُنفذه، وطبعاً بعد قليل الاحتفال في الاشرفية البداية، وبعدها ننطلق إلى بكفيا حيث يرقد والدي لنضع نسخة عن الحكم».
ورداً على سؤال: البعض يعتبر الوصول إلى جلسة الحكم هدية من العهد؟ أجاب: «لا أعلم إلى أي مدى للعهد دور في هذا المسار، كل ما أقوله انّ ساعة الحقيقة دَقّت، كان لا بد أن نبلغها سواء اليوم او غداً، إنتظرنا كثيراًَ، ونشكر كل من ساهم من قريب وبعيد، وانشالله خير».
أمّا يمنى الجميل، فقالت لـ«الجمهورية»: «انه يوم انتظرناه طويلاً، القضاء اللبناني أعطى رأيه. الشعب اللبناني أصدر حكمه منذ العام 1982، يبقى معرفة كيف سيتحقق الحكم، وهو بيد الدولة اللبنانية ووزير العدل». وتضيف: «من أول جلسة حتى الاخيرة وطوال هذه السنوات كنّا كعائلة مع محبّي بشير ننتظر العدالة، واليوم المشهد «بِكَبِّر القلب» كلنا عيلة وحدة».
فيما غرّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عبر «تويتر»: «ما بيصِحّ الّا الصحيح ولَو بعد حين»، مُرفقاً التغريدة بصورة للرئيس الشهيد.
تظاهرة «القومي»
بالتزامن مع جلسة الحكم، إنطلق عناصر من الحزب «السوري القومي الإجتماعي» من مستديرة الطيونة إلى محيط قصر العدل، مُرددين شعارات مؤيدة للقاتل حبيب الشرتوني، منها «إن أعدمتم أعدمنا وإن عفوتم عفونا».
وعلى رغم التدابير الامنية المشددة المتخذة وانتشار ملالات الجيش اللبناني وفرقة مكافحة الشغب في ارجاء قصر العدل، كاد يقع خلاف بين القوى الامنية والمتظاهرين نتيجة التدافع ومحاولتهم تجاوز العوائق الحديدية، قبل أن يعود المتظاهرون من حيث أتوا، فيما الأحبّاء ورفاق بشير إضافة الى المناصرين توجّهوا لشرب نخب العدالة في الأشرفية عروسة بشير و«بدايته».