كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم انشغال بيروت بلعبة الأرقام التي رافقتْ إقرار الموازنة العامة «المعلَّقة» منذ 12 عاماً، فإن لبنان استمرّ مشدوداً الى صِدام المحاور الإقليمية من حوله الذي يضعه أمام تحدياتٍ كبرى يصعب تفاديها في ضوء تعاظُم المواجهة الأميركية – الإيرانية والسعودية – الإيرانية واتخاذها أكثر من وجه وفي أكثر من ساحة.
وفيما استُكمل في مجلس الوزراء الذي انعقد أمس برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مسار ترتيب البيت الداخلي وعناوينه الإدارية والمالية والاجتماعية، بدا سياق الجلسة امتداداً للمناخ الرامي الى الاستمرار في سكْب «المياه الباردة» على الوضع المحلي في ملاقاة «الهَبّات الساخنة» الخارجية التي يجد لبنان نفسه في «مرماها» باعتبار ان «حزب الله» يشكل محوراً رئيسياً فيها كونه «حبل السرة» الذي يربط الواقع اللبناني بـ «قوس الأزمات» في المنطقة نتيجة دوره كذراع رئيسية لإيران في إطار مشروعها الاقليمي.
فملف النازحين الذي تُعتبر «خريطة الطريق» المفترضة لحلّه موضع تباين بين مكونات الحكومة ولا سيما ان هذا العنوان يُعتبر بوابة يريدها «حزب الله» وحلفاؤه لتطبيعٍ مع النظام السوري، أخذ طريقه في الجلسة الحكومية نحو معالجاتٍ تحاول التوفيق بين منطق الداعين الى عودة النازحين طوعاً من ضمن حلّ سياسي للأزمة السورية وعبر الأمم المتحدة ورؤية مَن يستعجل استخدامهم ورقة في سياق مسارٍ تطبيعي مع نظام الرئيس بشار الأسد.
فالرئيس عون حرص في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء على التشديد على وجوب «تفعيل اللجنة الوزارية الخاصة بالنازحين واتخاذ المزيد من الاجراءات لضبط الحدود، كما اننا لن ننتظر الحل السياسي أو الأمني في سورية بل واجب علينا ان ندافع عن مصلحة وطننا»، لافتاً الى «ان تداعيات ازمة النازحين تتفاقم ولقائي مع سفراء الدول الخمس الكبرى وممثلين للأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والجامعة العربية هدفَ إلى استنهاض المجتمع الدولي والأمم المتحدة للبدء بمعالجة الأزمة»، ومؤكداً انه «لا بدّ من نظرة واحدة لمقاربة موضوع النازحين هدفها مصلحة لبنان».
ولاقى رئيس الحكومة سعد الحريري موقف بإعلان «ان مقاربة موضوع النازحين ستكون موضع متابعة خلال الاجتماع المقبل للجنة الوزارية لدرس ورقة العمل المعدّة في هذا الإطار».
وتَرافق الكلام الرئاسي مع موقفٍ متقدّم للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رأى فيه «ان الذين لجأوا إلى لبنان من سورية، وهم أكثر من مليون ونصف، ومع الفلسطينيين أصبحوا نصف الشعب اللبناني وباتوا عبئاً كبيراً على لبنان بل خطراً ديموغرافياً واقتصادياً وسياسياً وثقافيا وأمنياً، وأصبحت عودتهم واجبة إلى الأماكن الآمنة في سورية».
ولم تحجب مساعي إبقاء الواقع اللبناني «تحت السيطرة»، الإشارات المتزايدة من الخارج حيال الضغوط المرتقبة على «حزب الله» من باب احتواء نفوذ إيران. فبعد إكساب التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول القرار 1559 طابعاً إقليمياً ولا سيما عبر التركيز على اعتبار «حزب الله» مصدر خطر على «استقرار لبنان والمنطقة»، فاجأ وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان بيروت مرة جديدة بتغريداتٍ بدا من الصعب عدم ربْطها بـ «حزب الله» ولا سيما ان السبهان لم يوفّر الحزب في سلسلة من التغريدات في الأيام الماضية حمل بعضها الطابع المباشر وبعضها الآخر جاء بالإيحاء.
فالسبهان كتب على «تويتر»: «تحدَّثوا بكل طاقاتكم وحرِّكوا جميع مشاريعكم، فقريباً الصمت سوف يُطْبِق، والإرهاب وأهله إلى مصيرهم المحتوم، كما قضي على داعش سيقضى على أخواتها بإذن الله».
وبحسب أوساط سياسية فإن مواقف السبهان، الذي سبق ان خيّر اللبنانيين بين «مَن مع حزب الشيطان ومَن ضدّه»، تعكس في جانبٍ منها رغبة في تأكيد عدم تخلي السعودية عن لبنان او السماح بترْكه يَسقط في الحُضن الإيراني بالكامل وفي الوقت نفسه محاولة استنهاض القوى اللبنانية المناهِضة لـ «حزب الله» لاستعادة التوازن بوجه الحزب في ملاقاة استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة (مايو 2018).
وتشير هذه الأوساط الى ان لبنان بات أمام خيارات صعبة بعدما ضاقت هوامش اللعبة في ظلّ احتدام الصراع الخارجي وتَركُّزه على إيران وأذرعها ونجح «حزب الله» في تكريس معادلة الاستقرار بشروطه او الـ لا استقرار، ما يضع خصومه كما البلاد في وجه واقع بالغ الصعوبة والخطورة والتعقيد.
وحملت مواقف أطلقها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع من استراليا إطلالة على هذا الواقع اذ قال «المشكلة شائكة جداً لانه من جهة لا نستطيع السكوت على الوضع القائم، ومن جهة أخرى يجب ان نتجنّب بأي ثمن حصول حرب أهلية جديدة في لبنان لا سمح الله، ونحن نسير بين هذين الحدّيْن. لذلك يعتقد بعض الإخوة العرب اننا مستكينون وهذا غير صحيح، لكننا نحاول ان نضغط بالسياسة بالقدر اللازم من دون ان نصل الى نقطة الكسْر التي يمكن ان تنزلق بنا الى عدم الاستقرار او نشوب حرب».