كتبت آمال خليل في صحيفة “الأخبار”:
عاد وارتفع جبل النفايات في صيدا بعد ثلاث سنوات على إزالته. الجبل القديم كان بطلاً رئيسياً في حملات الأفرقاء السياسيين في المدينة منذ الانتخابات البلدية في عام 2004، أما الجبل الجديد الذي تكوّن في غضون أشهر قليلة من تراكم آلاف أطنان النفايات غير المعالجة والعوادم بسبب خلل في عمل الشركة المكلفة بتشغيل معمل المعالجة، لناحية الكمية والنوعية، فإنه تصدر المشهد قبل أشهر من الانتخابات النيابية.
انتشار الأنباء عن التخلص من الجبل الجديد بإنشاء مطمر صحي ثان بجوار المعمل، حرّك سهام القوى الوطنية والمستقلة ضد تيار المستقبل وحلفائه الراعين للشركة المشغلة (أي بي سي) ولبلدية صيدا الشريكة في الإشراف على عملها، إذ لم تكد الآليات تنجز المطمر الصحي الأول الذي طمرت فيه أجزاءً من الجبل الأول، حتى أثبتت الصور إلقاء نفايات المعمل في البحر وفي البحيرة التي تكوّنت بين البر والحاجز المائي (أنشئ بكلفة حوالى 30 مليون دولار) لمنع وقوع النفايات في البحر.
في حديث إلى «الأخبار»، أوضح رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أن الجبل «تشكل من العوادم فقط، الناتجة من النفايات المعالجة في المعمل، فيما الشركة المشغلة للمعمل عجزت في الأشهر الماضية عن إيجاد مكان لطمرها بعد توقف أحد معامل صناعة الكرتون في البقاع عن استقبالها لاستخدامها كوقود. في المقابل، لم يتمكن اتحاد بلديات صيدا من إقناع أيّ من البلديات (التي ترسل نفاياتها إلى معمل صيدا) باستقبال مطمر صحي». عندما أخذ الجبل بالارتفاع، تعهّد السعودي قبل أربعة أشهر بإزالته في غضون أربعة أشهر عبر استخدام الشركة لكسارات تفرم العوادم مع الردميات.
منذ ذلك الحين، كان الجبل يزداد ارتفاعاً والروائح الكريهة تخنق المدينة والجوار. وبعد انقضاء المهلة، تمخّض الجبل مطمراً جديداً واختفى حل الكسارات! بحسب السعودي، فإن الشركة «ستتولى على نفقتها الخاصة إنشاء مطمر بجانب المعمل بطول مئة متر وعرض 50 متراً لطمر العوادم المتراكمة»، لافتاً إلى أن شركة جهاد العرب (التي تولّت بناء الحاجز المائي الاول والمطمر الذي نُقِلت إليه نفايات الجبل الاول) وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الشريك في مراقبة عمل الشركة المشغلة لمعمل النفايات، سيحضرون يوم الجمعة المقبل للكشف ميدانياً على موقع المطمر. هل ستستقبل البحيرة حصة من النفايات؟ ينفي السعودي رمي نفايات في البحيرة «التي تردم بالردميات فقط لاستخدامها لاحقاً في مشروع عام»، مؤكداً أنه «ممنوع الاقتراب منها». استناداً إلى تصريح السعودي، فإن الأشغال لم تبدأ بعد. لكن ماذا تفعل الجرافات التي تقتطع أجزاءً من الجبل وتلقيها في شاحنات لا تهدأ حركتها ليلاً نهاراً، في محيط المعمل؟ وما زاد التساؤلات، الحريق الجديد الذي نشب في إحدى زوايا الجبل، وتردد أنه مفتعل لتقليص حجمه.
الغموض الذي يلف العمل في الواجهة الجنوبية النائية أثار حملات اقتصرت على البيانات والمواقف على مواقع التواصل الاجتماعي، هاجمت البلدية والمعمل والجهات السياسية التي تدعمهما. أمين عام التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد قال في تغريدة على حسابه على «تويتر»، إن ما يحصل «صفقة جديدة بين البلدية والمعمل». أما رئيس البلدية السابق عبد الرحمن البزري، فقال في بيان إن «إنشاء المطمر لدفن زبالتهم وفشلهم معاً يذكرنا بالأزمات البيئية التي عانت منها المدينة طوال عقود». أما لجنة «الفعاليات الإنمائية» التي شكلها رجل الأعمال محمد زيدان لمراقبة عمل المعمل، فستعاود تحركاتها تجاه البلدية والمرجعيات الصيداوية.
اللافت أن الشركة لا تزال تستقبل نفايات بيروت وفق العقد الموقّع بينها وبين بلدية بيروت مقابل 95 دولاراً لطن النفايات الواحد، في حين أنها تقبض من الصندوق المستقل لاتحاد بلديات صيدا ــ الزهراني مبلغاً مماثلاً عن كل طن أيضاً. وكانت الشركة، ومن خلفها تيار المستقبل، قد تبرّعت لحل أزمة نفايات بيروت مطلع العام الجاري بنقل النفايات إلى معمل صيدا. لكن تبيّن أن طاقته الاستيعابية لا تحتمل توريد 250 طناً يومياً وسط تراكم للنفايات في الباحة الخلفية للمعمل. مع ذلك، فإنه لم يطلب التوقف عن التوريد، لكنه طلب التوقف عن استقبال النفايات ذات الأحجام الكبيرة مثل الأبقار الميتة والدواليب والصخر والخشب… ورفع التسعيرة عن كل طن.
الشركة تستفيد، لكن ماذا عن صيدا؟ تعهد مجلس الوزراء بمنح البلدية ثمانية ملايين دولار مقابل الموافقة على استقبال نفايات بيروت. مصدر معني تحدّث لـ«الأخبار»، لافتاً إلى أن البلدية لم تقبض الملايين التي وُعدَت بها حتى الآن.