لوح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، باستقالة وزراء حزبه من الحكومة، على خلفية الخلافات مع حزب التيار الوطني الحر، بزعامة رئيس البلاد، ميشال عون. وجاء ذلك خلال استقباله وفداً من تيار المستقبل في مدينة ملبورن الأسترالية التي يزورها، وفق بيان لحزب القوات.
وقال جعجع، رداً على سؤال حول إمكان استقالة وزراء القوات إن “الاستقالة واردة، إذا بلغت الخروقات حدَّ عودة العلاقات مع نظام الأسد واستمرار محاولات تمرير المناقصات المشبوهة”، في إشارة إلى مناقصة إنتاج الكهرباء.
ويعترض حزب القوات على أي نوع من أنواع التطبيع مع النظام السوري، في حين التقى زعيم التيار الوطني الحر الذي يشغل حقيبة الخارجية، جبران باسيل، نظيره السوري، وليد المعلم، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، الشهر الماضي.
وتؤكد مصادر سياسية لبنانية مطلعة أن ما يثار حول احتمال استقالة وزراء القوات اللبنانية من حكومة الرئيس سعد الحريري يعكس امتعاضا حقيقا لدى القوات. ورغم ذلك تعتقد المصادر أن الأمر لم يرق إلى مستوى مغادرة الصفقة الكبرى التي أنتجت العهد الحالي وأتت بعون رئيسا للبلاد.
ورفضت القوات المشاركة في الحكومة السابقة برئاسة تمام سلام وتمسكت بموقعها في المعارضة من زاوية رفض القوات أن تكون شاهد زور في حكومة يسيطر عليها حزب الله.
ويستند قرار القوات أن تكون جزءا من السلطة على معاناة حزب جعجع من وجوده خارج السلطة، وعليه فإن قرار الخروج من الحكومة وإعلان الطلاق مع العهد وفك التحالف مع التيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل يعتبر تحولا استراتيجيا كبيرا لا يبدو أن القوات قادرة على تبنيه في الظروف المحلية والإقليمية والدولية الراهنة.
ويعتبر جعجع نفسه عراب العهد، وفق مصادر من داخل القوات، وأن انتقاله من معارضة وصول عون إلى قصر بعبدا إلى موقع ترشح الرجل وتوقيع “ورقة تفاهم” مع حزبه وإنهاء الانقسام التاريخي بين الحزبين المسيحيين، لم يقابل بشراكة كاملة من قبل بقية شركاء العهد.
وتلفت منابر متابعة إلى أن القوات تأخذ على التيار الوطني الحر استئثاره بحصة المسيحيين في الحكم وفي الإدارات العامة، لكنها أيضا تأخذ على الحريري وتيار المستقبل تهميشه لحصة القوات ودخوله في صفقات محاصصة مع التيار العوني وحركة أمل وحزب الله مع جوائز ترضية للزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
ويرى سياسيون لبنانيون أن الامتعاض الذي يتم التعبير عنه من قبل القوات في الأسابيع الأخيرة لا يستهدف الطبقة السياسية المشاركة في الحكومة فحسب، بل يسعى كذلك إلى التقدم بخطاب مسيحي مختلف عن خطاب حزب باسيل لأغراض انتخابية.
ويحرص خطاب باسيل في العادة على دغدغة مشاعر العصبية المسيحية من خلال مواقف كتلك التي شكك فيها بمصالحة الجبل بين المسيحيين والدروز أو تلك المتعلقة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وتؤكد مصادر مطلعة أن جعجع يرفع خطابا يتمسك بمبادئ تحالف 14 آذار لجهة معارضة النظام السوري والمحور الإيراني في المنطقة والتصويب على حزب الله، وهو خطاب يتناقض بشكل كلي مع مواقف التيار الوطني الحر ومواقف عون الذي سبق أن أكد حاجة لبنان لـ”سلاح المقاومة”.
وترى المصادر أن الموقف الإقليمي المتعلق بأجندات الرياض وواشنطن في شأن مستقبل سوريا ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة ما زال في مرحلة لا تسمح للقوات اللبنانية بالتغريد خارج السرب اللبناني الحكومي الراهن.
ومع ذلك، يرى الباحث السياسي اللبناني مكرم رباح أن إشارات القوات بالاستقالة ليست مجرد مناورة انتخابية، بل تشمل أيضا خطوة نحو إعادة التموضع الإقليمي وبالتحديد بعد زيارة جعجع للسعودية ولقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أيلول الماضي.
وقال رباح في تصريح لـ”العرب” إن “الاتجاه العوني المتمثل بالمغالاة بدعم المحور الإيراني، معطوفا على القرارات والمشاريع الحكومية العونية التي لا تحترم معايير الشفافية، يدفع القوات إلى إعادة النظر في المشاركة في حكومة غير شعبية أقرت الضرائب المستحدثة في ظل غياب خطة إصلاحية اقتصادية”.
وتسرّب أوساط القوات اللبنانية أنها ليست راضية عن أداء العهد وحكومته، وأنها لم تتردد في إظهار اعتراضها على أداء التيار العوني في الحكومة اللبنانية في ملفات التعيينات والكهرباء والعلاقة مع سوريا وإيران.
وذكرت تلك الأوساط أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل حملت القوات رسالة عتاب على شريكها في “ورقة التفاهم” الشهيرة لعدم احترامه للاتفاق والشراكة في الحكم كما في التمثيل المسيحي في الانتخابات التشريعية المقبلة المزمع إجراؤها في أيار من العام المقبل.
غير أن مصادر قريبة من باسيل تؤكد أن التيار لم يتسلم أي إشعار رسمي حتى الآن يفيد بأن القوات عازمة على الاستقالة من الحكومة والخروج من “ورقة التفاهم”. ويعتبر المصدر أن الضجيج لا يعدو كونه من “لوازم الشغل” الانتخابي، علما وأن التيار لن يتضرر من هذا الاحتمال، بل سيكون متحررا من التزاماته حيال الاتفاق مع القوات.
ويظهر تململ القوات من عدم وجود شراكة تباينا في فهم معنى وحجم هذه الشراكة التي لن تكون شراكة بالنصف لأن العرف السياسي يمنح الرئيس حصة في التعيينات تختلف عن حصة التيار الوطني الحر كحزب سياسي وازن في البرلمان.
ويرى رباح أن بقاء الحكومة الحالية أو سقوطها يحتاجان إلى قرار شجاع وخطة سياسية للمواجهة. وقال إن “كل تلك الخطوات غير متوفرة كون الانتخابات النيابية، على الرغم من تأكيد الحكومة على إجرائها في موعدها، مسألة غير محسومة عمليا”.