كتب حسن رمضان في صحيفة “الأخبار”:
تنتهي، اليوم، «المهلة» التي حددتها بلدية الحدث لمغادرة العمال السوريين نطاقها. أربعة نواطير تم طردهم حتى الآن، بحجة انتهاء مهلة إنذارهم. أما الذي «يقبض عليه» من الذين بقوا، فتمنحه البلدية 3 أيام فقط للمغادرة. وحسب عضو البلدية، جورج حداد، فإن «المسموح لهم بالبقاء هم فقط عمال ورش البناء وعمال التنظيفات». جميع الآخرين صاروا هدفاً للبلدية. تكتشف وجودهم، تنذرهم بالرحيل، ثم تنفذ التهديد بعد ثلاثة أيام.
كانت علامات الشك ظاهرة على وجهه. لم يتحدث في البداية، لكنه عاد وأخبرنا أنه يبلغ من العمر 35 سنة، أمضى منها 12 عاماً ناطور بناية في الحدث. تزوّج في لبنان، ولم يذهب إلى سوريا منذ أكثر من ثمانية أعوام. يصرّ على الاستنجاد بعلاقاته الطيبة مع السكان، يقول: «بس أمرض، بيتي بيملا عالم». يشهد أحد السكان أن «الزلمي آدمي»، لا يتعرّض لأحد ولا أحد يتعرّض له، ولكنه، فجأة، صار شخصاً غير مرغوب فيه، من البلدية. اليوم، هو اليوم الأخير له هنا.
يروي ناطور آخر أن جميع النواطير مهددون. ذهبوا إلى البلدية، وقابلوا رئيسها. لم يكن متفهماً. اقترح أحدهم أن يبقى في مكان عمله منفرداً ويرسل عائلته إلى سوريا، ولكن من دون جدوى. هذا العامل يفكّر في معيشة عائلته، والبلدية تفكّر بالانتخابات. لا يملك بيتاً في سوريا. بيته قُصِف هناك. ولا يعلم شيئاً عن أهله منذ شهور. فاقد للأمل، يائس، ولكنه حاول.
طالب النواطير البلدية بأن تشرح لهم أسباب إقدامها على مثل هذا القرار. أخبرتهم أنه «قرار وزاري». يشير أحد هؤلاء إلى أن جميع العمال الأجانب ليسوا مستهدفين، بل العمال السوريون فقط. وليس جميع السوريين، «المسيحيون منهم، بإمكانهم البقاء». ثلاثة أيّام تعطى لكل عامل لكي يغادر المنطقة، ماذا بعد الثلاثة أيّام؟ «بيجي الدّرك وبياخدونا…»، يقول العامل الخائف. لكن يجب التوضيح هنا، أن بلدية الحدث «لديها شرطة بلدية وهي تكفي»، كما يقول عضو المجلس البلدي حداد، معلقاً على عمليات طرد النازحين السوريين.
لا يوافق أهل الحدث جميعهم على قرارات بلديتهم. في مبنى قديم، يتألف من ثلاث طبقات، وتحيط به حديقة. التقينا «أبو الياس». كان منهمكاً في حديقته، ومعه عمال من جنسيات مختلفة. سألنا أبو الياس، وهو صاحب المبنى، عن قرار إخلاء الحدث من النواطير حاملي الجنسية السّورية، فرفض الأمر رفضاً قاطعاً. الرجل مستاء من هذا القرار «عديم المنفعة»، مقارناً الحدث بغيرها من المناطق المجاورة، مثل بعبدا وكفرشيما: «ليش الحدت تحديداً ليطلع فيها هيك قرار؟». ولكن أبو الياس لا يمثل الجميع.
«مين قصدك؟ السوريين؟» يجيبنا صاحب الدكان عندما نسأله عن طرد العمال؟ العمال بالنسبة إليه، هم السوريون، وهو يرحب بـ«صدور قرار بإخلاء المنطقة من النواطير السوريين». سألناه عن مصدر القرار، وكما توقعنا، جاءت الإجابة سريعاً: «البلدية».
الحدث، أو كما يحبّ أهلها تسميتها بالـ«حدت»، يعمّها السكون عادةً، ويغلب عليها كبار السن، ولا سيما في الأحياء الداخلية. القرار البلدي ترك أثراً ملموساً، وقلّ العمال في المنطقة. هذا القرار ليس عنصرياً وحسب، بل هو عنصري وطائفي. سأل العمال المهددون عن هذه النقطة تحديداً، أي عن التمييز الطائفي ضدهم. جاءهم الجواب من أحد المسؤولين في البلدية: ابتسامة. وعلى الأرجح كانت صفراء.