IMLebanon

رياح ساخنة … من واشنطن!

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

«آخر ملف يمكن ان تجد من يتحدث عنه بالتفصيل في واشنطن هو ملف النازحين السوريين في لبنان، بل انّ جلّ ما يقال حوله هو انّ الأمم المتحدة ترعى ملف النازحين. إلّا انّ أخطر ما في هذا الملف هو انه حتى الآن لا توجد لدى الامم المتحدة اي خطة لإعادة هؤلاء النازحين الى بلدهم».

بهذه الخلاصة عادت شخصية لبنانية من زيارة الى الولايات المتحدة الاميركية في الفترة الاخيرة، مقرونة بالخشية ممّا سَمّتها «رياحاً اميركية ساخنة» تلمّستها من نقاشات مع بعض المستويات في الادارة الاميركية وخارجها.

النقاش حول ملف النازحين السوريين خَلص الى ان لا خطط حلول حوله، والبت به مؤجّل الى ما بعد جلاء الصورة التي ستَرسو عليها الازمة في سوريا، ولا يبدو انّ الصورة ستنجلي في المدى المنظور، وهذا معناه انّ على لبنان ان يستمر في لعب دوره الوظيفي كمستودع للنازحين لأمد طويل، وما على اللبنانيين الّا ان يدخلوا في فترة انتظار لا سقف زمنياً لها.

أخطر ما تنقله تلك الشخصية هو انّ الكلام عن توطين اللاجئين السوريين في اماكن تواجدهم حالياً، ما زالت بعض المستويات في ادارة دونالد ترامب تقدّمه كأحد «الحلول» لأزمة النازحين، وهو ما ورد على لسان الرئيس الاميركي قبل فترة قصيرة. علماً انّ التوضيحات الاميركية غير الرسمية لموقف ترامب، قارَبته من باب تجميل الكلام، وليس من باب نفي مضمونه او إلغائه.

وثمّة ملاحظة معبّرة تسوّقها الشخصية نفسها، في هذا السياق، هي انّ الاصوات اللبنانية التي ترتفع بين حين وآخر لمعالجة هذا الملف وازاحته عن كاهل لبنان، يتمّ التعاطي معها سواء من قبل الادارة الاميركية او من قبل الامم المتحدة، من باب أخذ العلم بها، وليس اكثر من ذلك، ووفق هذه الطريقة تمّ التعاطي مع المبادرة الرئاسية الاخيرة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية ميشال عون مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية.

إذاً، ملف النازحين مُلقى خارج اجندة الاولويات الاميركية وليس معلوماً أوان مقاربته، خصوصاً، وعلى ما تنقل الشخصية المذكورة، انّ بندا وحيدا تحويه تلك الاجندة يتمثّل بكيفية إنقاذ المشروع الاميركي في المنطقة الذي انطلق منذ العام 2011 ولم تتمكن من خلاله، مع المحور الذي تتزعمه، من ان تربح عسكرياً في سوريا وتحقق انتصاراً يفرض «شرق أوسط جديداً» من البوابة السورية، بقواعد ومعادلات وموازين قوى جديدة في هذه المنطقة، تحدّ من نفوذ ايران وانتشارها وتُضعف دورها وحضورها في سوريا والعراق وصولاً الى لبنان واليمن وحتى فلسطين.

بل على العكس فقد حملَ الميدان السوري منذ ذلك الوقت، وقائع جعلت الروس شركاء اساسيين في المنطقة ويحققون مع ايران وحلفائها، وتحديداً «حزب الله»، إنجازات وتقدمات ميدانية في اكثر من جبهة.

ووفق ما استخلصته تلك الشخصية ممّا سمعته في واشنطن، فإنّ ثمة محاولات صَبّت في سياق سَعي الولايات المتحدة لإنقاذ مشروعها في المنطقة وقطع الطريق على انتصار المحور الآخر الذي تتزعمه موسكو على المحور الذي تتزعمه واشنطن.

على انّ أياً من هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح، ولعل ابرزها:

– إستفتاء كردستان، الذي اريد منه ان يشكّل فتيل انفجار لكل المنطقة، لكن وقائع الارض لم تكن طيّعة الى الحد الذي يقودها نحو الحريق، إذ انّ مفاصل هذا الاستفتاء قد طويت في العملية التي استرَدّ فيها الجيش العراقي، بدعم اقليمي ايراني تركي، وبغطاء روسي، والأهم غياب اميركي (وثمة اسئلة كثيرة في واشنطن عن هذا الغياب)، المواقع التي سيطرت عليها «البشمركة» في محافظة كركوك. ما يعني من الناحية العملية سحب أكبر صاعق تفجير في المنطقة.

– الملف النووي، الذي شهره الرئيس الاميركي كسيف في وجه ايران التي ردّت على لسان مرشد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي بما مفاده «اذا مزّق الاميركيون الاتفاق، فسَتفتته ايران».

علماً انّ كُثراً في الولايات المتحدة وخارجها لم يتعاملوا بالقدر الكافي من الجدية مع موقف ترامب من هذا الملف، حتى انّ الدوائر الديبلوماسية الاميركية تعاملت مع خطوته الاخيرة بشأن سحب ثقته من الاتفاق من دون الانسحاب منه، بوصفها «بروباغندا» لا تقدّم ولا تؤخر في الامر الواقع، لا بل انّ رئيس ديبلوماسيته ريكس تيلرسون أكد صراحة انّ الاتفاق النووي مع ايران يخدم مصالح الامن القومي الاميركي.

– العودة الى العقوبات بشِقّيها ضد ايران و«حزب الله»، ووفق ما تنقل الشخصية المذكورة، فإنّ الكثير من الشكوك باتت تحوم حول نجاعتها، من قبل مستويات داخل الادارة الاميركية وخارجها. خصوصاً انّ دولة اقليمية كبرى كإيران استطاعت ان تتحمّل هذا النوع من العقوبات المالية والاقتصادية لمدة تزيد على ربع قرن، وهي العقوبات نفسها التي استطاعت جزيرة صغيرة ككوبا من ان تتحمّلها لِما يزيد عن نصف قرن.

امّا في ما خصّ «حزب الله»، فإنّ التهديد بالعقوبات وفرضها على بعض كادراته وقيادييه، لا يبدو اكثر من فقاعة إعلامية، وفي احسن الاحوال أداة ضغط قد تزعج الحزب، الّا انها لا تشكل تهديدا وجوديا لكيان الحزب المقاوم، او قدرته على ممارسة نشاطه السياسي والعسكري لا في مواجهة اسرائيل ولا في مواجهة المجموعات الارهابية التكفيرية في سوريا والمنطقة.

– إجتماع قادة أركان جيوش دول التحالف ضد الارهاب المنعقد في واشنطن والذي يضمّ رؤساء أركان جيوش الاردن، مصر، السعودية، الامارات العربية المتحدة ودول اعضاء في حلف «الناتو». والجديد في هذا الاجتماع ليس جدول أعماله التقليدي المحدد في تقييم مسار الحرب التي يشنّها التحالف الدولي ضد الارهاب المتمثّل بتنظيم «داعش» في سوريا والعراق، ودراسة خطط جديدة لكيفية مواجهة هذا الارهاب والقضاء عليه.

بل في مبادرة مثيرة أقدم عليها رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية الجنرال جوزف دانفورد، حيث اجرى تعديلاً على هيكلة الاجتماع من اجل تمكين اسرائيل من المشاركة فيه. علماً انها لم تكن شريكاً فيه منذ تأسيسه. ويمثّلها فيه رئيس أركانها الجنرال غادي ايزنكوت. (ما تجدر الاشارة اليه هنا، هو انّ لبنان تلقى دعوة للمشاركة في هذا الاجتماع، الّا انه رفض المشاركة بسبب مشاركة إسرائيل فيه).

تقول الشخصية، من الواضح انّ هذا الاجتماع سيضع بالتأكيد خطة عمل مشتركة، لكن لا يمكن الحديث عن مندرجاتها، ولا عن كيفية ترجمتها ولا عن المساحة التي ستشملها، طالما أنها قيد الاعداد. وهذا ما يوجِب رَصد مرحلة ما بعد الاجتماع ومراقبة التطورات في المنطقة التي يبدو انها أمام احتمالات لا استطيع رسمها من الآن. وفي خلاصة الامر لا استطيع ان اقول انّ هذا الاجتماع مريح.

صورة رؤساء أركان دول التحالف الاميركي ضد الارهاب، ومعهم رئيس الاركان الاسرائيلي، بعثت الريبة لدى بعض المستويات اللبنانية. ويقول مرجع كبير: «انا الآن اكثر قلقاً على المنطقة كلها، وعلى لبنان على وجه الخصوص، لقد أقلقني وجود رئيس الاركان الاسرائيلي بين الحاضرين، فأينما ذهب الاسرائيليون يرافقهم هاجس العدوان على لبنان».