كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
رغم الضوضاء السياسية المرشَّحة لمزيدٍ من الصولات والجولات في لبنان، في الطريقِ الى انتخاباتٍ نيابية مرتقبة في ايار الـ 2018، فإن عقارب الساعة اللبنانية تدور الآن على وقْع احتمالاتِ نشوبِ حربٍ بين اسرائيل و«حزب الله»… تُعزِّزُ حدوثَها غيومٌ تتلبّد في سماء المنطقة وتقارير غربية متوالية وسيناريوات تتناول الترسيمات الجديدة للنظام الاقليمي، وتُقلِّلُ من فرص اندلاعها تقديراتٌ تتصل بـ «توازن الرعب» القائم، والأولويات الكابحة لأطراف إقليميين ودوليين، وانتظاراتٌ لما ستؤول إليه المفاوضات حول سورية الجديدة.
ومَن يدقّق في لعبة «تضييع الوقت» بخلافاتٍ مستحكمة حول جوانب من الترتيبات اللوجستية للانتخابات النيابية المؤجّلة منذ 2013، يصبح أكثر ميْلاً للاعتقاد ان تلك الانتخابات التي يتم التأكيد صبح مساء انها ستجري في موعدها بعد التمديد ثلاث مرات للبرلمان الحالي قد لا تبصر النور بالضرورة وربما تكون إحدى ضحايا «الأسباب القاهرة» الناجمة عن أجواء حرب، أكانت عسكرية أو ناعمة أو بين بين، بدأتْ مؤشراتُها تلوح في الأفق مع «قرارٍ كبير» يجعل «حزب الله» الهدف الدولي – الاقليمي التالي بعد «داعش» الذي صار في خبر كان.
ولم يعد السؤال في بيروت عن «احتمالات» الحرب، بل صار يَجْهد لسبْر أغوار طبيعتِها بعدما أصبح المسرحُ جاهزاً، وأثمانِها في ظلّ الوقائع اللبنانية والاقليمية وتقاطُعاتها الصعبة. ولعلّ «كلمة السر» التي تشكل مفتاحاً للتحوّل الكبير في المشهد الحالي هي التعاطي مع «حزب الله»، العنوان الأهمّ للنفوذ الإيراني في المنطقة، على انه «داعش» الجديد، الذي يستحقّ تحالفاً دولياً – إقليمياً، تعمل من أجله الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بهدف محاصرته والإطباق عليه وإعادته الى… القمقم.
وإذا كانت «الحرب الناعمة» عنواناً للاندفاعة الأميركية – السعودية غير المسبوقة للجْم النفوذ الايراني، في لحظةِ معاودة تشكيل المنطقة وتَوازُناتها، فإن تقارير غربية لا تستبعد انزلاق المواجهة الى ما هو أدْهى في حال قررتْ اسرائيل او إيران خلْط الأوراق، او نتيجة اي «دعسة ناقصة» في ظلّ تَزايُد «الاحتكاكات» بين اسرائيل و«حزب الله» على الحدود وفي الاجواء، وهو الأمر الذي قد يُشعِل «برميل البارود» بعدما تجنّب الطرفان انفجاره طويلاً لاقتناعهما بأن أي حرب مقبلة ستكون… يا قاتل يا مقتول.
«… انها مسألة وقت». بهذه الخلاصة انتهى تقريرٌ عَكَسَ مناقشات حول احتمالات الحرب، دارتْ بين مسؤولين سابقين من وزارات الدفاع في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وألمانيا واسبانيا اجتمعوا حول الطاولة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وأجمعوا على أن التصعيد المتبادل بين «حزب الله» واسرائيل قد يقود المنطقة الى حرب جديدة، وعلى ان الترسانة المتعاظمة للحزب قد تشكل بذاتها «الضوء الاخضر» لجنوح إسرائيل نحو الحرب.
وفي تقدير جنرالات رفيعي المستوى أمثال رئيس اللجنة العسكرية السابق لـ «الناتو» كلاوس نومان ورئيس أركان الجيش البريطاني سابقاً ريتشارد دانات، أنّ «حرباً ثالثة في لبنان وأَشْنع من سابقاتها تلوح في الافق بعدما خرج«حزب الله»فائزاً من الحرب السورية ما يعزّز دور إيران الاقليمي، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً لاستقرار الشرق الأوسط يقتضي اجراءات فورية تَدارُكاً لاندلاع الحرب كممارسة ضغوط متزايدة لفك ارتباط لبنان (الرسمي) بـ «حزب الله».
ما يريده جنرالات «الخمس نجوم»، الذين خبِروا الشرق الأوسط الأشبه بـ «صندوق باندورا» هو الآن «تحصيل حاصل» في واشنطن والعواصم الحليفة لها في المنطقة، وخصوصاً بعدما حسم الرئيس دونالد ترامب خياراته الشرق أوسطية حين أعلن عن استراتيجيةٍ عنوانُها التصدي لنفوذ ايران وأذرعها، وفي مقدمها «حزب الله» في لبنان وسورية وفصائل من «الحشد الشعبي» في العراق لم تنضوِ في المنظومة الشرعية، إضافة الى جماعات أخرى يديرها الحرس الثوري الإيراني.
وبدت واشنطن مع إعلان انه لم يبق من المساحة التي كان يحتلها «داعش» في سورية سوى 5 في المئة، وكأنها في «ورشة مفتوحة» وبمفعول رجعي محورها «حزب الله»، الذي يتصدّر «بنك الأهداف» المعلَن في اطار استراتيجية التصدّي لنفوذ ايران، وهو ما تجلى في الوقائع الاتية:
- معاودة استحضار القادة الأميركيين الكبار كنائب الرئيس مايك بنس ومستشار الامن القومي هربرت ريموند ماكماستر «الحساب القديم» مع «حزب الله» والذي يعود الى العام 1983 يوم قُتل 241 من رجال المارينز في بيروت بتفجير انتحاري لمقرّهم، مع اعتبار ان هذه الحادثة هي التي أطلقت شرارة «الحرب على الارهاب» قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 التي نفذتها «القاعدة» وظهور «داعش» اخيراً، وتأكيد ان ترامب «لن يقف مكتوفاً بينما يخطط آيات الله في طهران لهجمات مماثلة للهجوم المروع ضد المارينز قبل 34 عاماً»، والإشارة الى ان مَن قام بالتفجير آنذاك أصبحوا قادة في «حزب الله».
- مشاريع القوانين الثلاثة التي صادق عليها مجلس النواب الأميركي قبل ايام، والتي تشكل «دفعة على الحساب» في سياسة واشنطن الرامية الى مزيد من «الإطباق المالي السياسي» على «حزب الله»، وتشمل التعديلات الخاصة بمنع التمويل الدولي للحزب عبر إجراءات واسعة وأشد صرامة من تلك التي كانت قائمة، ومعاقبة الحزب على استخدامه غير المشروع للمدنيين العزل دروعاً لحمايته، وحضّ الاتحاد الاوروبي ودوله على تصنيف «حزب الله» بكامله منظمة إرهابية وعدم الفصل بين جناح سياسي وآخر عسكري.
- التكامُل الأميركي – السعودي حيال «حزمة الاجراءات الرادعة» ضدّ «حزب الله». فالرياض التي تمضي في حرب اليمن لتجنُّب تحويل الحوثيين «حزب الله» آخر على حدود المملكة، كما أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كانت حسمت توجهاتها المناهضة للحزب حين انبرى ومنذ مدة وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان الى إطلاق تغريدات متوالية، كان آخرها اول من امس وقال فيها «للجم حزب الميليشيا الارهابي يجب معاقبة مَن يعمل ويتعاون معه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، والعمل الجاد على تقليمه داخلياً وخارجياً ومواجهته بالقوة».
ولم تقتصر الجهود الاميركية – السعودية للحد من نفوذ ايران على المسار الذي انطلق لمحاصرة «حزب الله»، بل هي تشكل حلقة من استراتيجية تعمل على إخراج العراق من القبضة الإيرانية عبر دعْم حياديةِ رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي راكَمَ رصيداً قوياً في حربه على «داعش» وأَجْهض مشروع استقلال كردستان، وعلى قطْع طريق طهران – بيروت على الحدود السورية – العراقية لشطر الهلال الايراني وإضعافه، اضافة الى معاودة وضْع مصير الرئيس السوري بشار الأسد على الطاولة في المفاوضات حول مستقبل سورية.
وإزاء هذه المتغيرات تقرّ دوائر خبيرة في شؤون الشرق الأوسط بأن المنطقة أمام «حرب ناعمة» على «حزب الله» بدأت فعلياً عبر محاولة جعله في مصاف «داعش»، لكنها تستبعد حرباً عسكرية. فصحيح انه جرى القضاء على «داعش»، انما المعركة للتخلص من «القاعدة» لم تنته، اضافة الى ان «حزب الله» لن يكون لقمة سائغة بعدما تعاظمت ترسانته وتوسّعت رقعة وجوده في لبنان وسورية وعلى الجرود المترامية بينهما.