كتب ناجي سمير البستاني في صحيفة “الديار”:
أكّدت أوساط سياسيّة شمالية أنّ من يختصر الخلاف بين رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس «التيّار الوطني الحُرّ» وزير الخارجية والمُغتربين جبران باسيل، بمسألة الحصص النيابيّة فقط يُبسّط الأمور كثيرًا، لأنّ أكثر من وسيط دخل على الخط بينهما، ولا سيّما حزب الله، في مُحاولة لأخذ ضمانات من الطرفين بأن يتمّ تشكيل لائحة إنتخابيّة مُوحّدة تجمع مُرشّحين عن التيّارين بشكل مُتواز، إضافة إلى مرشّحين عن «الحزب القومي السوري الاجتماعي»، وذلك على مُستوى كامل دائرة «زغرتا ـ البترون ـ الكورة ـ بشرّي»، من دون أن تُثمر الجُهود المذكورة إيجابا، ذلك أنّ كل مُحاولات تقريب وجهات النظر باءت بالفشل. ولم ينجح الوسطاء في تحقيق أيّ تقدّم ولوّ طفيف، كما أكّدت كل المعلومات الصحافيّة المُتوافرة، وكما ظهر بشكل فاقع إلى العلن بعد إعلان النائب فرنجية في حديث إعلامي له أخيرا، أنّ «سلوك الوزير باسيل يتجاوز ما كان يحصل أيّام غازي كنعان» وأنّه «بهمّة جبران قد أجلس مع سمير جعجع قبل ميشال عون»!
وكشفت الأوساط السياسيّة الشمالية أنّ «تيّار المردة» الذي امتعض في السابق من تجاهل رئيس «التيّار الوطني الحُرّ» السابق، رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون له في القرارات الكُبرى والتعامل معه بفوقيّة في كثير من المحطّات، يأخذ على رئيس «الوطني الحُرّ» الحالي التعامل معه بكيديّة غير مُبرّرة، والتصرّف مع «تيّار المردة» وكأنّه خصم على الرغم من الانخراط في الخط السياسي العريض الواحد. وأضافت الأوساط أنّ النائب فرنجية يعتبر أنّ وُجوده في قضاء زغرتا، وإلى حدّ ما في الكورة وباقي مناطق الشمال، هو بفضل شعبيّته المُباشرة، ومن هذا المُنطلق لن يتقاسم هذا الوجود مع أي طرف لا يعترف بحجمه السياسي والشعبي، وبخاصة أنّ شعبيّة «التيار الوطني الحُرّ» تكاد تكون محصورة شمالاً في قضاء البترون. وقالت الأوساط نفسها إنّ كلاً من الوزير باسيل والنائب فرنجيّة يعتبر أنّ مفهوم «الرئيس القوي» سياسياً وشعبياً الذي ساهم في إيصال العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، سيُطبّق في الانتخابات الرئاسية المُقبلة أيضاً، وهما مُقتنعان أنّ «الفيتو» المُتعدّد الأطراف والثابت على رئيس «القوّات» سيُخرج جعجع من حلبة المنافسة مُجدّداً، وسيحصر المُفاضلة الرئاسيّة بينهما، وهذا ما يُسبّب حال النُفور الشخصي بين الطرفين.
وتابعت الأوساط نفسها أنّ الوزير باسيل مُقتنع بأنّ الاعتبارات التي أوصلت العماد عون، وفي مُقدّمها تمثيل «التيّار الوطني الحُرّ» الأكبر والأوسع على الساحة المسيحيّة وإلى حدّ ما اللبنانيّة، إضافة إلى التموضع الإستراتيجي إلى جانب «حزب الله»، سيقوده إلى الرئاسة، بينما النائب فرنجيّة يعتبر من جهته أنّ ما حصل معه في الانتخابات الأخيرة لن يتكرّر في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، حيث سيصل إلى الرئاسة مدعوما بسلسلة من التفاهمات الواسعة تبدأ بعلاقاته المتينة مع النظام السوري و«حزب الله» وكامل «محور المُقاومة»، وتمرّ بتفاهماته المُستجدّة مع رئيس «تيّار المُستقبل» رئيس الحُكومة سعد الحريري، وتصل إلى حدّ أدنى من التفاهمات التي سيتمّ نسجها مُستقبلاً مع «القوّات اللبنانيّة». وشرحت الأوساط أنّ هذا ما يقود كلاً من باسيل وفرنجية إلى اعتبار معركة الشمال النيابيّة، معركته الرئاسيّة الشحصيّة والتي يُمنع الرسوب فيها تحت أيّ ظرف، الأمر الذي أدّى إلى تموضعهما في مواقع مُتخاصمة مُحكمة.
وعن احتمال أن يدفع الخلاف المُستمرّ والمُستحكم بين تيّاري «المردة» و«الوطني الحُرّ» إلى تشكيل لائحة «مصلحة مُشتركة» ـ إذا جاز التعبير، بين «تيّار المردة» وحزب «القوّات اللبنانيّة»، رأت الأوساط السياسيّة الشمالية أنّ هذا الأمر مُستبعد كثيراً، بسبب الخلاف السياسي الاستراتيجي بين الطرفين، إذ ان النائب فرنجية لا يستطيع الخروج من تموضعه السياسي كرأس حربة إلى جانب «محور المُقاومة» والنظام السوري، وأيّ خطوة في هذا المجال، مهما كانت مُبرّراتها التكتيّة، لا يُمكن أن تلقى القُبول لدى الرئيس السوري بشار الأسد، أو لدى «حزب الله» أو لدى مُطلق أي جهة ضُمن قوى «8 آذار». كما أنّ «الحزب القومي السوري» يعتبر أنّ هذا الخيار غير مقبول إطلاقًا ولا يستوجب البحث أساسًا. وتابعت الأوساط نفسها أنّه إضافة إلى غياب الحدّ الأدنى من الأرضيّة السياسيّة المُشتركة، يُواجه خيار التحالف الثنائي بين «المردة» و«القوّات» مُشكلة أخرى، حيث أنّ الطرفين يعتبران هذه الدائرة الشمالية «عرينه» الخاص، و«المردة» يريد رفع حصته النيابيّة في هذه الدائرة من ثلاثة حالياً إلى أربعة مقاعد، بينما تُريد «القوّات» بدورها رفع حصّتها في الدائرة الشمالية عينها من أربعة حاليًا إلى خمسة، ما يَعني عملياً الإبقاء على مقعد واحد للجهات السياسية والشخصيّات المناطقية الأخرى، باعتبار أنّ دائرة «زغرتا ـ البترون ـ الكورة ـ بشرّي» المُستحدثة، تتكوّن من 10 مقاعد مسيحيّة (7 مارونيّة و3 أرثوذكسيّة)، وهذا الأمر مُستحيل التحقيق.
لكنّ الأوساط السياسيّة المُطلعة كشفت أنّ التطوّرات السياسيّة التي حصلت في الأيّام القليلة المُقبلة، جعلت من اللقاء المُحتمل بين النائب فرنجية والدُكتور سمير جعجع أقرب من أيّ وقت مضى، على الرغم من الفشل في تأمين تحالف انتخابي ثنائي. وأوضحت أنّ المواقف الإيجابيّة المُتبادلة التي صدرت بُعيد التسريب الجزئي لكلام النائبة ستريدا جعجع في أحد لقاءاتها في أستراليا، أعطت جُهود كل من الوزير السابق يوسف سعادة والمسؤول القوّاتي طوني الشدياق، دفعاً إضافياً. وكشفت الأوساط نفسها أنّ الاجتماع الذي يجري الإعداد له منذ مدّة بين «البيك» الزغرتاوي و«حكيم» بشرّي، صار أقرب من أيّ وقت مضى، بعد هذه التطوّرات. وأضافت أنّ ما يُؤخّر هذا اللقاء هو ترتيب بعض الأمور اللوجستيّة، وكذلك ضرورة أن لا يكون اللقاء من أجل صُورة مُشتركة فقط لا غير، حيث يتمّ حاليا العمل على أن يحمل هذا اللقاء – على الأقلّ – إعلاناً واضحاً بطيّ صفحة سوداء في تاريخ المسيحيّين في لبنان، ورؤية مُستقبليّة مُوحّدة لتفهّم حق الاختلاف السياسي لكن مع الحفاظ على المصالح المناطقيّة والطائفيّة والوطنيّة المُشتركة.