كتب رضوان الذيب في صحيفة “الديار”:
ملف النفايات يوازي في خطورته ملف الكهرباء، وهو برميل نفط بالنسبة للقوى السياسية والمتنفذين نظراً للارباح الهائلة التي دخلت الى «جيوب السياسيين» من هذا الملف طوال السنوات الماضية، ومع كل تمديد لسوكلين، كانت «الرشى المالية» تشمل الجميع دون استثناء، ولم يسأل احد عن سبب تجاوز سعر طن النفايات في لبنان 255 دولاراً، بينها 65 دولارا على الفرز وتبين ان لا فرز مطلقاً، وهذا ما ادى وما زال الى كارثة مطمر الناعمة، وما زال وضع سوكلين فوق رؤوس المتعهدين الجدد، لان اموالها كانت في «تم الجميع».
ازمة النفايات مرشحة لان تعود خلال الاشهر المقبلة، مع عدم قدرة مطمري برج حمود ـ الجديدة والكوستابرافا ـ الشويفات عن الاستيعاب نتيجة «الكب العشوائي» وعدم المعالجة العملية المعتمدة في معظم دول العالم، والنفايات عامل استثماري في الدول الاوروبية، وهو قطاع «منتج للدولة» الا في لبنان وهو مرشح للدخول في باب المزايدات مجدداً، حيث صدق قول الشهيد كمال جنباط في وصف هذه الدولة بانها «دولة عفاف».
التخبط العشوائي في حل ملف النفايات حول اجمل الاحراج اللبنانية في كل المحافظات الى مكبات عشوائىة وتحديداً في الغابات، واشارت مصادر وزارية لصحيفة “الديار” الى ان عدد المكبات العشوائية حسب احصاءات الدولة 700 مكب منها 300 في الجنوب و250 في عاليه والشوف والباقي في المناطق اللبنانية، واعتبرت المصادر الوزارية ان ازمة النفايات قضية وطنية، وحسب المطلعين فان المكبات العشوائية تتجاوز الـ1200 مكب عشوائي.
عودة الحديث عن ملف النفايات مرده الى عدم قدرة مطمري برج حمود والكوستابرافا على الاستيعاب، وانتشار الروائح والجراثيم في محيط المطمرين نتيجة الكب العشوائي، وهذا ما ادى الى تحركات للمجتمع المدني، وتقديم شكاوى امام القضاء الذي اصدر حكماً باقفال مطمر الكوستابرافا لعدم التزامه بالمعايير المطلوبة لكن التدخلات السياسية منعت تنفيذ القرار تجنباً لحصول ازمة نفايات في الشوارع.
امام هذه الازمة، فتح النقاش مجدداً في مجلس الوزراء حول ملف النفايات، وعادت اللجنة الوزارية المكلفة دراسة ملف التلزيم العائد لمناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات الى طاقة الى اجتماعاتها، رغم انها شكلت في 11 كانون الثاني 2017 وأعطيت مهلة شهر لانجاز تقريرها، لكنها بعد 10 اشهر لم تفعل شيئاً وطوال هذه المدة كانت تدفع رواتب المستشارين واللجان بمليارات الليرات.
وخلال الاجتماع الاخير لمجلس الوزراء طرحت اللجنة الوزارية العودة الى المحارق، وهذا التوجه مخالف لتوجه وزير البيئة طارق الخطيب الذي اعد خطة من 90 صفحة لم تتم مناقشتها، وحصلت خلافات بين اللجنة ووزير البيئة، وقد تبنى مجلس الوزراء خطة اللجنة الوزارية باقامة محرقتين: الاولى في دير عمار والثانية في الجية بسبب وجود معملين للكهرباء، على ان يطرح مجلس الانماء والاعمار المناقصة، علما ان التقديرات لكلفة المحرقتين يتجاوزان الـ400 مليون دولار، وهذا الامر قد يأخذ سنوات، كما تم الاتفاق في مجلس الوزراء على توسيع مطمر الكوستابرافا باتجاه الاوزاعي وتوسيع منطقة الردم في البحر وباجمل منطقة سياحية. وهذا التوجه سيلاقي اعتراضات قوية من اللجان المدنية، فيما توسيع مطمر برج حمود بات امرا مستحيلا وهذا ما سيؤدي الى عودة ازمة النفايات قريباً، وحتى لو تم توسيع المطمرين فان القدرة الاستيعابية باتت محدودة جداً.
وكانت شركة «رامكو» المملوكة من وسيم عماش، المقرب من الرئىس سعد الحريري، وشركة الطاش التركية قد فازتا بمناقصة اعمال الكنس اليدوي والالي وتنظيف الارصفة ونزع الاعلانات وتنظيف الشواطىء لقرابة 745 كلم في مدينة بيروت على ان تبدأ العمل في ايار 2018، بسعر 70 مليون دولار على سبع سنوات، فيما بقيت اعمال الطمر مع شركة جهادكو المملوكة من جهاد العرب المحسوب على الحريري وهذه المناقصة الاولى التي يخسرها جهاد العرب الذي يتولى الان جمع النفايات من العاصمة بيروت والضواحي باستثناء الشوف وعاليه، علما ان شركة رامكو بالائتلاف مع شركة الطاش التركية فازت بمناقصة جمع النفايات في كسروان والمتن بسعر 56 مليون دولار على اساس سبع سنوات، وشركة CITY BLU في بعبدا، علما ان مناقصة تحويل النفايات الى طاقة في بلدية بيروت لا تزال تخضع لنقاشات في اللجنة الوزارية وتتجاهلها وزارة البيئة، كما ان مكان المحرقة المقترح اثار اعتراضات شعبية.
وفي طرابلس، تعاني المدينة اكبر مشكلة مع النفايات بعد ان تحول مكب النفايات الى جبل كبير تنتشر منه الروائح الكريهة، التي غطت معظم انحاء طرابلس، كما تجمعت الجراثيم والحيوانات، فهذا المكب عمره 17 سنة، وكان يجب ان يقفل عام 2010، ومدد له 7 سنوات من دون اجراء اي اصلاحات او تعديلات او اتخاذ اجراءات لمعالجة الكب العشوائي، علماً ان نفايات طرابلس تدار من قبل شركة «لافيجيت» المملوكة من انطوان ازعور شقيق وزير المالية السابق جهاد ازعور، وكان من المفترض ان تحول هذه الشركة مكب النفايات الى حديقة عامة عام 2010، وتم التمديد لها من دون القيام بأي اصلاحات وقد تشهد مدينة طرابلس انتفاضة بيئية خصوصا ان بلدية طرابلس لم تقم باي اجراء لمعالجة هذه المشكلة، وتضع المسؤولية على مجلس الانماء والاعمار، ويسجل ايضاً غياب لوزارة البيئة.
وقد زار وفد تركي مدينة طرابلس العام الماضي، وحذر من انفجار المكب كما حصل في تركيا من اعوام، واقترح الوفد التركي المساعدة ولم تتجاوب بلدية طرابلس والحكومة اللبنانية، علما ان ارتفاع المكب تجاوز 70 متراً، وتتجه فاعليات المدينة الى اعلان حالة طوارىء بيئية في المدينة، فالمكب لا يزال يستقبل يوميا 500 طن وبدأ العمل فيه عام 2000.
اما في الشوف وعاليه، فيتم الرمي العشوائي من قبل البلديات في الاحراج، لان الطمر في الكوستابرافا لم يشمل الشوف وعاليه، وهذا يشكل اكبر كارثة بيئية في منطقتين غنيتين بالغابات، كما ان منطقة اقليم الخروب تعاني الازمة الكبرى، لان الخلافات السياسية منعت ايجاد مطمر في اقليم الخروب لنفايات الجبل، ورغم التقارب الاخير بين الحريري وجنبلاط لكنه لم يشمل حل مسألة مكان «الطمر» في كسارات سبلين او كسارات الجية. وهذا ما يؤدي الى انتشار النفايات في الشوارع والمعالجة على قدر الامكانات البلدية.
أزمة النفايات هي الاخطر في لبنان وتهدد بأزمة بيئية، علماً ان المداولات الاخيرة تطرقت الى امكانية اعادة فتح مطمر الناعمة لـ5 سنوات حتى ايجاد الحل الجذري، رغم ان خطر انفجار مكب الناعمة امر متداول في ظل انبعاث غازات سامة، وقد بدأ الاستفادة منه مؤخراً عبر تغذية الشحار الغربي والناعمة وحارة الناعمة بالكهرباء لمدة 24 ساعة.
القيمون على ملف النفايات ما زالوا بعيدين عن طرح الخطط العملية حسب المطلعين على الملف الذي يخضع ايضاً للمناكفات السياسية رغم خطورته، فالاجتماعات منذ 2008 متواصلة وترافقت مع مئات الدراسات والاقتراحات حيث لم يبصر النور اي اقتراح، ولن يبصر لأن هذا الملف هو بمثابة برميل نفط للسياسيين.