كتبت رولا حداد:
لم يعد من مجال للنقاش بأن المواجهة بين المجتمعين الدولي والعربي من جهة و”حزب الله” من جهة ثانية باتت حقيقة واقعة، وأن هذه المواجهة قد تتخذ أبعاداً خطيرة تهدّد معها بأن تطيح بلبنان مؤسسات واقتصاداً ومقومات وجود.
وفي هذا الإطار يعيش اللبنانيون، وخصوصاً السياسيين والمسؤولين انفصاماً غير مسبوق. قسم منهم يوالي “حزب الله” ويؤيده على حساب الدولة والمؤسسات، وفي الوقت نفسه يصرّ على تطبيق القرار 1701 الذي يتمسّك به “حزب الله” نظرياً. هؤلاء يتناسون أن القرار 1701 الذي أمّن الاستقرار في الجنوب اللبناني بعد حرب تموز 2006، إنما ينص في بنوده على ضرورة تطبيق القرار 1559 الذي ينصّ صراحة على نزع سلاح “حزب الله” وكل الميليشيات، كما ينصّ على أن تكون منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح بعهدة الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” حصراً. فكيف يوفّق هؤلاء بين الالتزام بالـ1701 وبين الإصرار على سلاح الحزب؟
في المقابل ثمة قسم آخر من السياسيين والمسؤولين في لبنان يرفضون بشكل كامل مبدأ وجود سلاح خارج الدولة، وفي طليعته سلاح “حزب الله”، ويصرّون على حصرية السلاح وعلى أهمية قيام دولة فعلية. لكنهم في الوقت نفسه إما أنهم يهادنون “حزب الله” ويساكنونه، وإما لا يجرؤون على مواجهته تحت ذرائع مختلفة.
وفي طليعة الأعذار لعدم مواجهة “حزب الله” أن لا إمكانية لمواجهته عسكرياً وأن موازين القوى لا تسمح بذلك. ويبقى السؤال: من يطلب من أي طرف داخلي مواجهة “حزب الله” عسكرياً؟ وهل ثمة أساساً من هو حاضر لذلك؟ الجواب البديهي والطبيعي هو حتماً كلا، فليس مطلوباً من أي لبناني مواجهة “حزب الله” عسكرياً، إنما المطلوب ببساطة ووضوح مواجهة “حزب الله” سياسياً وبشكل كامل.
مواجهة “حزب الله” المطلوبة سياسياً تعني وبشكل واضح قطع كل العلاقات معه، كما تعني عدم مساكنته في الحكومة أو على الأقل مواجهته في الحكومة في كل جلسة من دون توقف، والإصرار على طرح مسألة سلاحه وممارساته يومياً، وخصوصاً بعدما ثبت أن منطق “تحييد سلاح الحزب” عن النقاش الداخلي إنما يعني تكريس المزيد من سيطرة هذا السلاح وهيمنته. وما يسري على الحكومة ينسحب على مجلس النواب وكل المؤسسات. فلا استكانة من دون مواجهة “حزب الله” سياسياً، وبسلاح الموقف، ورفض التعاطي معه بذريعة “الأمر الواقع”، لأن هذا الحزب بات يكرّس أمراً واقعاً يطيح بالدولة ومؤسساتها كما بالاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي للبنان واللبنانيين.
يكفينا ما نعاني منه على صعيد الانتقاص من دور الدولة وحجمها ومؤسساتها لمصلحة سيادة “حزب الله” على الدولة وقراراتها. ويكفينا الدور السلبي جدا الذي يلعبه “حزب الله” على صعيد أذية علاقات لبنان الخليجية والعالمية، ولم يكن ينقصنا غير ما يعانيه وسيعانيه اللبنانيون باقتصادهم وقطاعهم المصرفي والمالي نتيجة العقوبات الأميركية التي تطال كل لبناني عملياً بسبب “حزب الله”.
والسؤال المقلق جداً هو هل من يجرؤ على مواجهة “حزب الله” سياسياً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وبكل ما تستلزم هذه المواجهة من خطوات؟
هل من يجرؤ على الأقل على وضع ضوابط سياسية وأمنية وعسكرية لـ”حزب الله”، تعلي سيادة الدولة ومنطق القانون وتحد من تماديه الذي يكاد يجهز على مفهوم الدولة في لبنان؟ هل من يصر على هذه الضوابط، ولو بالحد الأدنى لتجنيب مجتمعنا ما هو أخطر وأدهى من عقوبات وعزلة عربية ودولية وتهديد للأمن والاستقرار الاقتصادي والامالي والاجتماعي؟ وهل من يبادر إلى إعلان حالة العصيان على الحزب وإرادته بالهيمنة على الدولة ومؤسساتها وقراراتها، فنحمي بذلك لبنان من خطر أن يتم وضعنا جميعاً في خانة “المتعاملين” مع الحزب أو الخاضعين له، فنحاول على الأقل تجنّب العواصف الآتية حتماً، والتي متى أتت لن ينفع معها غسل اليدين من كمية التخاذل الهائلة في مواجهة حزب إيران في لبنان؟