كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
في هذا السياق، لا تزال موسكو تستقطب الأنظار والزيارات، خصوصاً أنّ رحلات الحجّ لمسؤولين لبنانيين تتزايد، لكنّ هذه العاصمة «الباردة» تلفحها حماوة سياسيّة تتعلّق بالملفّ السوري الذي يتقدّم على سواه من الملفات التي تشغل أجندة الكرملين.
وفي معرض الحديث عن الوضع السوري، تؤكّد مصادر ديبلوماسيّة لـ»الجمهوريّة» أنّ «روسيا لا تزال تتخوّف من النيّات الأميركيّة تجاه سوريا، على رغم أنّ نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف يُبدي تفاؤلاً بأنّ الحرب السوريّة ستنتهي قريباً، وربما في أقلّ من الأشهر الستة المقبلة، على أن يبدأ المسار السياسي الذي قد يستغرق مدّة زمنية طويلة».
وتشير المصادر الى «وجود علامات إستغراب روسيّة واضحة حول نيّات الأميركيين في سوريا، وقد عَبّر أكثر من مسؤول، وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، عن تخوّف من أن يساهم السلوك الأميركي في تقسيم سوريا، وتحويلها مقاطعات طائفية ومذهبية. ويسأل هؤلاء المسؤولون ماذا يفعل الأميركيون في الرقّة، وحتى في الجنوب السوري؟ وما هي أهدافهم الحقيقيّة؟».
وبما أنّ لعبة الميدان العسكري باتت واضحة للجميع، تحاول موسكو لعب دور سياسي كبير في سوريا يوازي دورها العسكري، وهذا الأمر يترجم بمحاولة إيجاد حلّ للأزمة السياسية. وتكشف معلومات ديبلوماسيّة لـ»الجمهورية» أنّ «بوتين والإدارة الروسيّة ينويان عقد مؤتمر لجميع الأطياف السورية، معارضة معتدلة ونظام، من أجل إنضاج الحلّ السياسي السوري».
وفي التفاصيل، تحدّثت المعلومات لـ»الجمهورية» عن أنّ «بوتين عندما طرح مسألة «جمع الشعوب السوريّة من أجل الحوار» في الصين أُسِيء فهمه، فقد فُسّر كلامه على أنّه يريد عقد مؤتمر للشعوب السورية المختلفة وأنّ سوريا ليست شعباً واحداً، أي أنه يرغب في تقسيم البلاد شعوباً ومذاهب، لكنّه كان يقصد أنّه يريد عقد مؤتمر لجميع مكونات الشعب السوري المتناحرة، ولا يريد التقسيم، ويهدف الى توحيد سوريا وسط المخاوف من تقسيمها».
وتشدّد المصادر على انّ «موسكو التي دعمت مؤتمري جنيف والاستانة، ترغب في توحيد المعارضة السوريّة المعتدلة لكي تذهب صفاً واحداً الى المؤتمر وتطرح مطالبها وتحاور النظام. ومن أجل تحقيق هذا الموضوع، طلب بوتين مساعدة السعودية عند زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو، خصوصاً أنّ الرياض هي العاصمة الوحيدة القادرة على لعب هذا الدور، ولذلك، يحصل تواصل مستمرّ ومتابعة من أجل تحقيق هذا الأمر وتعبيد الطريق للمؤتمر المنوي عقده».
وتؤكّد المصادر الديبلوماسية أنّ «موسكو ترغب في عقد مؤتمر «سوري ـ سوري» مثل «الطائف اللبناني»، وتعلم جيداً أنّ هذا الأمر يجب ان ينال رضى الأميركيين والدول الإقليمية. ولهذا بدأت سلسلة اتصالات على مستوى عال من أجل تهيئة الظروف السياسيّة، وعدم عرقلة اللاعبين الإقليميين والدوليين لجهودها».
أمّا عن مكان انعقاد المؤتمر إذا نجح التحضير له، فتكشف المعلومات لـ»الجمهوريّة» انّ «روسيا تصرّ على أن يُعقد في سوريا وليس في أيّ بلد آخر، وفي حضور الأطياف السورية كافة، وطبعاً الأمم المتحدة، من دون حضور ممثلين عن الدول، حيث ترغب موسكو أن يقتصر الحضور على المعارضة والنظام.
وفي هذا الإطار، فقد غلب خيار انعقاده في قاعدة «حميميم»، حيث أعطت موسكو ضمانات لممثلي المعارضة بأن لا يمسّ بهم أحد، وهي ستتولّى نقلهم إليها والحفاظ على أمنهم، وتبديد مخاوفهم وحَذرهم من أن يستهدفهم النظام لحظة دخول بعضهم الأراضي السورية».
وتراهن موسكو على نجاح هذا المؤتمر لكي تسهّل الحلّ السوري، في حين أنّ تواصلها مع الإدارة الأميركية قائم، ولن يحصل أيّ تصادم على الأرض السورية، بل تريد التعاون وتطبيق نموذج مناطق «خفض التوتّر»، على رغم أنّ هذا الأمر لم يُعجب إيران، وكذلك تركيا.
فإيران كانت ترغب بالمشاركة في منطقة خفض النزاع في الجنوب السوري، أي على الحدود مع إسرائيل، لكنّ موسكو رفضت هذا الأمر، خصوصاً أنّ مطّلعين على السياسة الروسية يؤكدون انّ علاقتها بتل أبيب تمرّ في «عصرها الذهبي»، وروسيا ترسم خطوطاً حمراء في منطقة الحدود السورية – الإسرائيلة، تمنع الجميع من تجاوزها. أمّا تركيا، فتريد دوراً أكبر في سوريا، لكنّ الأميركيين والروس لم يعطوها هذا الدور حتى الساعة.