كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:
قدّم الرئيس ميشال عون على مدى ساعة وخمسين دقيقة «قطع حساب» للسنة الاولى من عهده، وقال ما قاله عن الداخل والخارج، فكان ما له في ما قاله، وايضاً ما عليه.ثلاث ملاحظات في الشكل:
- الاولى، كان واضحاً انّ رئيس الجمهورية قد أعدّ نفسه جيداً لهذه المقابلة بحيث بَدا في منتهى الجهوزية وقوة الحضور.
- الثانية، انّ الرئيس تخلى عن البروتوكول، ولم يضع قيوداً على الأسئلة. كان من الواضح انّ الرئيس يريد ان يسمع.
- الثالثة، تجلّت في استبعاد الإعلام المكتوب عن الحوار الرئاسي، وتُركت للاعلام المرئي وحده مهمة قراءة سنة من العهد، ومحاورة رئيس الجمهورية حولها. وهذه علامة نافرة تؤخذ أو تسجّل عليه، علماً انّ حلقة الاعلام المرئي طرحت أموراً وأغفلت أموراً اكثر، وكادت تضيع، أو بمعنى أدق، ضَيّعها بعض الاعلاميين المرئيّين، في استعراضات ومحاولات عرض العضلات المتبادلة في ما بينهم، فصار كل طرف يغنّي على ليلاه، وكأنهم حول مائدة عشاء، وليس على طاولة حوار مع رئيس للجمهورية.
في المضمون، قدّم الرئيس مطالعة دفاع عن السنة الاولى من عهده، أرفَقها بتبريرات لم تكن منتظرة حول بعض الأمور المَشكو منها، والتي لطالما شكا الرئيس منها قبل الرئاسة.
علماً انه مُطالب بالكثير، خصوصاً انه ألزم نفسه بوعود كبرى؛ إصلاحية، تغييرية، شفافية، كفاءة، لا صفقات، ولا مخالفات ولا فساد، أطلقها قبل تبوّئه سدة الرئاسة الاولى، وفور انتخابه وبعده، وحمل لواءها رئيس تيّاره جبران باسيل في كل محطة، وما يزال.
كان منتظراً ان يقدم الرئيس إجابات واضحة عن موقع جبران في الحكم.
لأنّ الناس تقول الكثير الكثير الكثير، إستمع الى السؤال الذي طرح عليه، ومن ثم ألقى بنظرة الى جبران الذي يتابع مجريات الحوار مع الرئيس من مكان قريب من الطاولة الحوارية، وجاء بجواب يتجاوز كل ما يقال، وقدّم صورة مختلفة تماماً عن الصورة المطبوعة في اذهان الناس والاصدقاء والحلفاء وحتى أقربهم. أظهرَ فيها جبران شخصية حمائمية مسالمة لا يتدخل بشيء، فقط يقوم بواجباته في تياره الذي أسند رئاسته اليه، وفي وزارته. يعني على ما قال احد الظرفاء: «من البيت للوزارة ومن الوزارة للبيت».
أكثر من ذلك، كاد الرئيس ينفعل حينما سئل عمّا تتناقله ألسنة الاقربين والمقربين قبل الأبعدين حول ما بات يسمّى بـ»حكم العَيلة»، فتهرّب من الجواب من دون ان يقدّم ما يلغي هذه «التهمة» ويزيلها من أذهان الناس.
في كلامه عن الداخل وما يتصل بإنتاجية العهد، لم يقدّم رئيس الجمهورية ما يمكن ان يسمّى إنجازاً رئاسياً حصرياً، بل تناول «انجازات مشتركة»، صاغتها التفاهمات بين القوى السياسية الكبرى.
فقانون الانتخاب، وهو الانجاز الاهم، تطاحنت هذه القوى في ما بينها قبل توليده بالصيغة التي خرج فيها، وكانت للرئيس وتياره مواقف حادة بالنسبة الى التقسيمات وغيرها وكذلك الصوت التفضيلي الذي كاد ينسف القانون في لحظة ما.
والانجاز الثاني، هو الموازنة بعد وضع شاذ بلا موازنة استمر 12 سنة، ظلت عالقة في حقل الخلافات حولها الى ان بَدّدها التفاهم الرئاسي والسياسي، وبالتالي ولدت بالشراكة بين الجميع.
وامّا الانجاز الثالث المتمثّل بسلسلة الرتب والرواتب والضرائب الملحقة بها، فقد ولد هذا الانجاز بشق النفس، وبتفاهم القوى السياسية حوله.
وامّا الانجاز الرابع المتمثّل بالاستقرار الداخلي بوجوهه الثلاثة؛ السياسي، الذي حكمته وتحكمه اعتبارات وشراكة كاملة بين كل القوى لمنع الإخلال به.
الاقتصادي الذي حكمته وتحكمه سياسة إقتصادية هي نفسها المعتمدة منذ سنوات طويلة وقبل العهد الرئاسي الحالي، وامّا الاستقرار الأمني، بكل تفاصيله الداخلية وكذلك ما يتصل بتحرير الجرود، فأملَته ظروف داخلية وقرار مشترك من قبل الجميع بصيانة الامن الداخلي وعدم تَفلّته، مُغطى بمظلة خارجية اقليمية ودولية.
والأهم انّ كل تلك الانجازات، ما كانت لتكون لو لم تعبر من مجلس النواب، الذي عاد الرئيس بالأمس الى الغَمز مجدداً من قناة التمديد له، عندما قال: «الدولة كانت مهترئة ومنتهية الصلاحية عندما استلمناها بما فيها مجلس النواب»، علماً انّ التمديد الاخير لهذا المجلس تمّ في هذا العهد.
وقد كانت لافتة في هذا السياق الجملة المُقتضبة التي أوردها الرئيس نبيه بري امس، وقال فيها: «هذا المجلس، على رغم تمديد ولايته، أنقذ لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي». مع الاشارة الى انّ بري قرأ في مقابلة رئيس الجمهورية «إيجابيات»، ولاحظ ايضاً «انّ هناك مَن حاول دفعه الى اشتباك معنا، ولم ينجح».
لم يسأل المحاورون عن الانتخابات الفرعية وتجاوز المادة 41 من الدستور والاسباب الموجبة لهذا التجاوز الذي مرّ من دون ان يرفّ جفن لكل المعنيين بهذه الانتخابات، كما لم يسألوا عمّا سُمّي «تفاهم جبران – نادر» وكل ما يترتّب او تَرتّب عليه. ربما المجال لم يتّسِع لذلك.
أكثر ما استوقَف متابع الحوار الرئاسي، هو انّ الفساد يبدو أقوى من الجميع ومن كل الشعارات والوعود السابقة. والمثير انّ رئيس الجمهورية قارَب هذا الملف كعنوان مؤجّل وبتبريرات مفاجئة، أُتبِعَت في مكان آخر من المقابلة بالاشارة الى انّ «الإبراء المستحيل» ما زال حياً، على رغم انّ هناك من ظنّ انّ هذا الابراء قد مات في غرفة «التفاهمات السرية».
فبلغة غير لغته المعهودة وغير مقاربته القاسية دائماً لهذا الفساد، كان الرئيس مفاجئاً بقوله «انّ وسائل محاربة الفساد لم تتوفّر بعد»، وكان مفاجئاً اكثر حينما جزم بأنه «لا يمكن فتح معركة الفساد قبل ان نركّز أركان الدولة» يعني الى متى؟ وكيف سيتم هذا التركيز؟ لا أحد يعرف. وكان مفاجئاً اكثر وأكثر حينما أقرّ «انّ المحاصصة امر واقع، وهي العُرف المُتّبَع حتى اليوم في نظامنا الطائفي». فأيّ رسالة يَنطوي عليها كلّ هذا الكلام؟
في الشق السياسي، قال الرئيس قناعاته ولم يُجامل في ما خَصّ سوريا وايران و»حزب الله»، وهي قناعات قد ترضي فريقاً من اللبنانيين وقد تزعج آخر. وقدّم رؤيته لحماية لبنان تحت ثلاثة أسقف؛ سقف القرار 1701، وسقف الوحدة الوطنية الداخلية، وسقف عدم دخول لبنان في لعبة أكبر منه».
وامّا في الشق العربي فيسجّل للرئيس ترسيمه لحدود علاقات لبنان الشقيق للعرب، والذي لا يمكنه ان يقف مع شقيق ضد آخر. وتسجّل له ايضاً الرسالة البالغة الدلالة «لن نَدع أيّ شرارة تأتي من الشرق الى بيروت، ولن ندع اي شرارة تخرج من بيروت الى الشرق، نحن بلد نريد السلام مع الجميع ضمن مبادىء الحقوق والمصالح المتبادلة».
في الخلاصة قدّم الرئيس «قطع حساب» السنة الاولى، في جلسة حوارية «غير مضبوطة»، ربما كان الافضل لو استعيض عنها برسالة رئاسية، تجول على ما سبق وعلى ما سَيلي. ولكانت وَفّرت الجلوس لساعة وخمسين دقيقة حول طاولة ضاعَ فيها الكلام المُفيد بالاستعراضات وعرض العضلات.