كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
ينتظر اللبنانيون رؤية دولة القانون والعدالة والمؤسسات ومحاربة الفساد في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وذلك ليس من خلال البدء بنزع سلاح “حزب الله” الذي يعتبره فريق سياسي مدعوم من بعض دول الخارج “غير شرعي” ويجب حلّه، إنّما بوقف الهدر المالي القائم في أماكن عدّة، فضلاً عن المصاريف الزائدة من الخزينة العامة التي أظهرتها الموازنة العامة والتي يُمكن تقليصها بهدف التخفيف من الدين العام للدولة.
وتقول أوساط سياسية عليمة، بأنّ محاربة الفساد وإحلال دولة العدالة والقانون بدأت مع إصرار كلّ من الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على إنشاء وزارة دولة لشؤون مكافحة الفساد للمرّة الأولى في تاريخ الوزارات المستحدثة. وعلى أساسه يقوم وزير الدولة لشؤون محاربة الفساد نقولا تويني، بحسب المعلومات، منذ تولّيه هذا المنصب، بدراسة ملفات عدّة لها علاقة بالفساد وذلك بالتعاون مع الوزارات المعنية، وبتقديمها الى مجلس النوّاب. وقد تمكّن حتى الآن مع وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية من إصدار ما سُمي بـ “الإستراتيجية الموحّدة لمكافحة الفساد”، الأمر الذي من شأنه تفعيل عمل الأجهزة الرقابية، فضلاً عن إصدار أول قانون عن “حرية الوصول الى المعلومات” الذي أقرّ في مجلس النوّاب بالتعاون مع لجنة الإدارة والعدل، وتحدّث عنه الرئيس عون كإنجاز مهم في مقابلة السنة الأولى من العهد التي أجراها معه رؤساء تحرير النشرات الإخبارية في المحطات التلفزيونية.
وثمّة قوانين أخرى يجري العمل عليها حالياً، على ما أضافت الاوساط، وستقرّ قريباً لا سيما “الهيئة العليا لمكافحة الفساد” التي ستكون هيئة مستقلّة ولها اليد الطولى في ملاحقة الفاسدين والقيام بعمليات الإستقصاء والمقاضاة، ثمّ “الإثراء غير المشروع” (علماً أنّه يُمكن بسهولة التحايل على هذا القانون من خلال تسجيل الأملاك بأسماء بعض أفراد عائلة المسؤول وأقاربه وليس باسمه الخاص)، وقانون “حماية كاشفي الفساد” لكي يتسنّى لكلّ مواطن أوموظّف كشف الفساد أينما كان من دون الخوف من خسارة عمله أوعلى مصيره ومستقبله. الى جانب قانون “الآلية الموحّدة للمناقصات والتصنيف” الذي من المتوقّع أن يُقرّ في مجلس النوّاب كذلك، علماً أنّ أهميته تكمن في أنّه سيُخفّف نحو80 في المئة من الفساد وهدر المال العام فيما يتعلّق بالمناقصات التي ستقوم عليها مشاريع الطاقة والكهرباء واستخراج النفط والغاز من المنطقة الإقتصادية الخالصة في البحر.
وفي انتظار إقرار جميع القوانين المتعلّقة بالفساد، يُمكن أن تبدأ بالإصلاح الإداري، وبمحاسبة النوّاب أولاً، على سبيل المثال، ليس فقط من قبل الناخبين في كلّ دورة إنتخابية (علماً أنّ المحاسبة توقّفت منذ العام 2009 بسبب تمديد مجلس النوّاب لنفسه لثلاث مرات متتالية)، إنّما عن طريق وقف دفع رواتب بعض النوّاب، لا سيما منهم “المتغيّبين” و”الغائبين” بشكل دائم عن جلسات مجلس النوّاب العادية والإستثنائية منها، لأسباب طوعية أوقسرية. فكما يُحاسب صاحب العمل كلّ موظّف على تقصير في عمله، أوعلى غيابه ليوم أواثنين أولمدة أسبوع أوأكثر من دون أي مبرّر طبّي أوقانوني، فعلى الدولة الكفّ عن دفع راتب كلّ نائب يعيش في الخارج ليس لأشهر بل لسنوات لأسباب أمنية أوسواها، لأي فريق سياسي انتمى، لأنّه فعلياً لا يقوم بمهامه كموظّف، فكما هويُعلّق مهامه هذه، عليها بالتالي تعليق راتبه. فضلاُ عن كلّ نائب يحضر جلسات مجلس النوّاب لكنّه لم يتقدّم طوال مدّة نيابته بأي اقتراح أومشروع يُلبّي أحد طلبات ممثّليه لأنّ وجوده كنائب يُعتبر “مغيّباً” بفعل إرادته، أوبالأحرى بفعل تكاسله وعدم اكتراثه لمطالب الناخبين الذين أوصلوه الى الندوة البرلمانية من أجل طرح هذه المشاكل وإيجاد حلول فعلية لها. علماً أنّ راتب كلّ نائب لبناني يبلغ 12 مليون و750 ألف يُضاف اليها المخصّصات والتعاضد التي تصل الى مبالغ كبيرة، ويستفيد من الإعفاءات كالرسوم الجمركية على السيّارات، فضلاً عن الإعفاء من دفع رسوم الكهرباء والبلدية وسواها.
في الوقت نفسه يجب أن يسري هذا الأمر أيضاً على كلّ وزير في الحكومة، علماً أنّ غالبية الوزراء يحضرون الجلسات ويتابعون الملفات ويتغيّبون عن بعض الجلسات لأعذار مقنعة ومنطقية. ومن هنا يجب أولاً نزع الحصانة عن السياسيين، انطلاقاً من مبدأ المساواة الوارد في الفقرة “ج” من مقدمة الدستور اللبناني التي تنصّ على أنّ “لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين (بمن فيهم الوزراء والنوّاب وجميع السياسيين والمسؤولين) دون تمايز أوتفضيل”.
كما يجب بالتالي، على ما اضافت الأوساط نفسها، تطبيق هذا الأمر على كلّ الموظّفين تباعاً، من القمّة الى أسفل الهرم، أي من المدراء العامّين، وصولاً الى أصغر موظّف “غير منتج” في الدولة، لأنّ المضي في دفع راتب أي موظّف لا يعمل، أكان مسؤولاً أوغير مسؤول، يُشجّعه على التكاسل من جهة، ويتسبّب بزيادة الهدر المالي العام من جهة ثانية. فضلاً عن وقف دفع رواتب كلّ الموظّفين العاملين في مؤسسات حكومية أومصالح “وهمية” تابعة للدولة مثل مصلحة سكّة الحديد المتوقّفة عن العمل منذ عقود، ولا يزال الموظّفون فيها يقبضون رواتبهم. وهذا الأمر لا يجب أن يحصل لمعاقبة هؤلاء، إنّما لوقف الهدر، على أن تقوم الدولة بتأمين أشغال فعلية بديلة لهم في المؤسسات الحكومية حيث المراكز الشاغرة متوافرة بكثرة، والحاجة ماسّة الى خبراتهم وكفاءاتهم.
في المقابل، يأمل الرئيس عون من خلال المحافظة على الأمن والإستقرار في البلاد، على ما أكّدت، تشجيع المغتربين وأصحاب رؤوس الأموال في الخارج على خلق مشاريع إستثمارية في لبنان بهدف تنشيط الحركة الإقتصادية وتأمين فرص عمل أكبر للشباب المثقّف والمتخرّج من الجامعات، للحدّ من هجرة الأدمغة اللبنانية للخارج والاستفادة منها في بلادها. وهذا ما يُعمل عليه مع جميع الأجهزة الأمنية لكي يبقى لبنان، البلد الأكثر أماناً في المنطقة لا سيما بعد أن تمكّن جيشه من دحر الإرهاب عن حدوده، ومن تفكيك شبكاته في الداخل.
فكلّ شيء سيتحسّن مع الوقت، على ما وعد الرئيس عون، تُشدّد الاوساط، لا سيما بعد الإنتخابات النيابية المقبلة التي ستجري حتماً في أيّار المقبل وتأتي بمجلس نيابي يمثّل الشعب مصدر السلطات تمثيلاً حقيقياً، ومع تشكيل الحكومة الأولى الفعلية للعهد التي ستنطلق مباشرة لتنفيذ جميع المشاريع التي يريدها أن تؤدّي بلبنان الى دولة قانون وعدالة وإصلاح.