كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
«منحوسة»، صفةٌ تُلازم هذه السنة الدراسية التي يتواصل فيها شَدُّ الحبال منذ إضراب الأساتذة في اليوم الأوّل من افتتاح العام. أمس لازَم الآلافُ من التلاميذ منازلَهم بعدما نفّذت نقابة المعلّمين في التعليم الخاص إضرابَها التحذيري، ملوِّحةً بالتصعيد ما لم ينَل الأساتذةُ كاملَ حقوقهم ودرجاتهم وفقَ ما أقرّته سلسلة الرتب والرواتب (القانون 46). في المقابل تستعدّ لجان الأهل في الأقضية كافّةً للاعتصام عند الرابعة بعد ظهر الأحد المقبل في ساحة ساسين رفضاً لأيّ زيادةٍ على الأقساط.
لا مناشدةُ وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة نفَعَت، ولا اجتماع لجنة الطوارئ يوم السبت في وزارة التربية بين نقابة المعلمين وإدارات التعليم الخاص نفَع. أصَرَّ الأساتذة أمس على تنفيذ إضرابهم رغم الحلحلةِ التي لاحَت عمَّا صَدر بعد اجتماع السبت، وتحديداً في الاتّفاق «أوّلاً على تنفيذ القانون ٤٦ في ما يتعلّق بأفراد الهيئة التعليمية في القطاع الخاص، وثانياً التريّث في تنفيذِ المواد غيرِ المتوافَق عليها».
في التفاصيل
حالٌ من الضَياع سَبقت تنفيذ الإضراب، ما كلَّت هواتفُ إدارات المدارس، وما ملّت أفواه الأهالي مستفسرين، «منِبعَت ولادنا بُكرا؟». مدارسُ انصاعَت للإضراب على مضَض، «إذا فتَحنا وما في أساتذة مين بعلّم تلاميذنا؟»، فأرسَلت إدارتها إلى ذوي الطلاب رسائلَ قصيرة، وأخرى فتَحت أبوابَها بشكل طبيعي واضعةً أساتذتها أمام الأمر الواقع: «الإضراب لا ينفع، تعُوا نِحكي».
أمّا الأهل وكأنّه لا يكفيهم هَمُّ الأقساط ليزيدَ الطين بلّة: «وين منحِط ولادنا؟»، وبينما هم يَبحثون عمَّن «ينطر ولادُن»، يبحث الأساتذة عن ضمانات بأنّ إداراتهم ستَمنحهم كاملَ مستحقّاتهم «عَ آخِر فرنك»، من هنا وجَدوا أنّ الفرصة مؤاتية لرصِّ صفوفِهم وتنفيذ الإضراب.
منذ الصباح الباكر، قام نقيب المعلّمين رودولف عبود بجولةٍ تفقّدية على المدارس من بيروت إلى جونيه، وأثنى على نسبةِ الالتزام الكبيرة في الإضراب.
وعند الثانية عشرة ظهراً، غصَّ مكتب النقابة بالأساتذة المعتصمين، الذين أتوا ليشاركوا في المؤتمر الصحافي الذي عَقده عبود. «ويلٌ لأمّة أكَلت الخبزَ وأطعمت معلّميها الفُتات»، «لن نتعبَ من النضال، السلسلة كاملة والآن»… تعدَّدت الشعارات، تنوَّعت المخاوف، والرغبة واحدة: «ما حَدا ياكِلّنا تَعَبنا».
رغم الأجواءِ المتشنّجة التي سبَّبها الإضراب، أكّد عبود استعدادَ النقابة للجلوس على الطاولة «مع من يفهمُ علينا ولا يستخفُّ بقوّتِنا ووحدةِ صفوفنا، وعنده استعدادٌ للتجاوب المنطقي والمحِقّ». وأضاف: «مِن السهل الدعوةُ لإضراب قويّ لكنّنا نأخذ الأمور برويّة ونأمل بحلٍّ سريع»، داعياً إلى «عدم الخوفِ من 2 تشرين الثاني بل ممّا قد يأتي بعد 2 تشرين الثاني».
وانتقَد تأخُّرَ المدارس في تسديد مستحقّاتها للأساتذة، سائلاً: «كيف لهذه الصروح التربوية وحتى العريقة منها أن تقول للأجيال إنّه يمكن مخالفة القوانين النافذة؟»، مضيفاً: «منذ لحظة صدورِ القانون 46 علَت أصواتُ المدارس الرافضة له. لن نحيدَ عن حقوقِ المعلّمين، لسنا نحن مَن قد يفرّط بذرّةٍ منها».
لماذا تأزّمت الأمور؟
عددٌ كبير من المدارس الكاثوليكية، «لم ينصَع للإضراب، نحن ننصاع لضميرِنا»، وفقَ ما يؤكّده رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمة، واصفاً الإضراب بأنّه «لم يكن أبداً ضربةَ معلّم»، وأنّه «نقطة سوداء في سِجلّ النقابة، ودعسةٌ ناقصة لا تقود إلى الحلّ».
ويوضح رحمة لـ«الجمهورية»: «أعرَبنا عن كامل حسنِ نيّتِنا في حلِّ الأزمة بعد اجتماع السبت، وأنّنا سندفع الرواتب الجديدة من دون غلاء المعيشة لأنّنا سبقَ ودفعناها، عِلماً أنّ الأهالي مصِرّون على عدمِ دفعِ أيّ ليرة إضافية، ورغم ذلك أعرَبنا على مبادرة حسنِ نيّة، لنُفاجَأ اليوم (أمس) بإصرارهم على الإضراب وتعطيل السَنة الدراسية، من ثمّ عادوا وأعلنوا عن رغبتهم في الجلوس للتفاهم معنا، «وين كانوا بالأمس؟»
لسنا لعبةً بأيدي أحد»، مشيراً إلى «أنّ مجموعة من الأمور الغوغائية في القانون 46 لا تزال مبهَمة، يصعب تطبيقُها، مِثلُ الحديث عن المفعول الرجعي».
ويُجدّد رحمة مطالبتَه الدولة «بأن تُسدّد الزيادات لهذه السنة وتمنَح المدارسَ الوقتَ الكافي لتُنظّمَ وضعَها مع الأساتذة والأهالي».
هل هذا يعني أن لا مفرَّ من زيادة الأقساط؟ يجيب رحمة: «عُدنا إلى نقطة الصفر، الأهالي مصِرّون على عدمِ دفعِ أيِّ زيادة، لذا على الدولة أن تصلِحَ القانون، ونحن حتى هذه اللحظة لم نعترف أنّنا سنُكبّد الأهالي الزيادات إنّما نطالب الدولة بأن تدفعَ هي الزيادة، ولكن لا يمكننا طمأنةُ أحدٍ بأنّ ما مِن زيادات مرتقَبة»، مشيراً إلى أنّه «يتعذّر أيُّ رفعٍ للأقساط ما لم يوقّع الأهالي الموازنة وفقَ القانون 515».
ويأسفُ رحمة لتحويلِ التلامذة إلى أسرى، قائلاً: «مِن المعيب ما نَشهده اليوم، الدولة تُشرّع من دون مسؤولية، كيف يمكن للطالب أن يرتاح؟ لبنان في خطر جديد وسط الهجمةِ على مؤسّساته التربوية التي خرّجت مفكّرين، علماء، مبدِعين وغيرهم».
إجتماع اليوم
وسط الجدل الحاصل واللغطِ القائم، وعلى وقعِ إصدار بعضِ الإدارات، ولا سيما في الجنوب، بيانات تحضُّ على عدم التزامِ الإضراب، يَعقد اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة «إجتماعاً اليوم»، وفق ما يؤكّده منسّق الإتحاد والأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار لـ«الجمهورية»، مفضّلاً التزامَ الصمت إلى حين انعقاد الاجتماع واتّخاذ الخطوات العامة المشتركة بين المدارس الكاثوليكية والأرثوذكسية والعرفان، والمبرّات، والمقاصد، ومدارس «أمل»، وغيرها من المؤسسات التربوية المنضوية في الاتّحاد.
المقاصد الخيرية
مشكلة الرواتب والأقساط نفسُها، حمَلها أمس رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت أمين الداعوق إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.
فقال بعد اللقاء: «أطلعناه على ما تُعانيه مدارس المقاصد بعد إقرار السلسلة وتداعياتها على الأهالي الذين يتحمّلون تبعات زيادة الأقساط وفرضَ أعباءٍ جديدة عليهم». وأضاف: «تمنَّينا عليه السعيَ مع المعنيين في الدولة لمساعدةِ الجسم التعليمي الخاص لكي تستطيعَ المدارس الخاصة الاستمرارَ في رسالتها التربوية».
أمّا عن موقف «الدار»، فقال: «لا ترضى أن يُظلم أحدٌ على حساب أحد، وينبغي أن تكون المساواة والعدل سيّدَي الموقف لتبقى مؤسساتنا الإسلامية والمسيحية الخاصة في حالٍ مستقرّة وصمّامَ أمانٍ للناس».