كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: يكشف استطلاع للرأي أعده معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى موقفا عربيا مشتركا من حيث النظرة السلبية إزاء السياسات الإيرانية. يتشارك الذين استُطلعت آراؤهم من قطر هذه النظرة السلبية ويرون أن طهران هي السبب الرئيسي في ما يجري من خلاف بين الدوحة ولا فقط رباعي المقاطعة (الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة) بل ودول عربية أخرى، تسبب قطر إلى حد كبير في إرباك نظمها السياسية وحتى الاجتماعية من خلال مساعي تمكين جماعة الإخوان وأحزاب تيار الإسلام السياسي ومحاولة فرضهم على المشهد السياسي إلى حد أن وصل الأمر إلى مواجهات عسكرية مدمرة، ضمن فوضى إن كان لها من ميزة تذكر فهي أنها كشفت تقية إيران وغيرها ممن يتسترون بشعارات المقاومة لتحقيق أجندات تخريبية في المنطقة.
كلما تعقدت الأوضاع أكثر في المنطقة خسرت إيران نقطة في أجندتها التوسعية في الشرق الأوسط، والتي جنت بها على نفسها وعلى الجماعات التي تدعمها وتمولها، وتحديدا حزب الله وجماعة الحوثيين.
ويظهر استطلاع رأي أجراه مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن نسبة كبيرة من القطريين يحمّلون إيران مسؤولية الأزمة بين نظامهم ودول الخليج العربي ومصر ودول عربية أخرى حاولت قطر اللعب بأمن مجتمعاتها واستقرارها، من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الموالية لها.
وخسرت هذه الجماعة بدورها، حسب ما يكشف استطلاع الرأي، الكثير من رصيدها وأصبحت شأنها شأن الجماعات الإرهابية كتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية تحظى برفض النسبة الأكبر من المجتمعات العربية التي تميل أكثر نحو تأييد سياسات حكوماتها وتدعم مواقفها في ظل الفوضى التي تعم المنطقة.
شهد حزب الله، في السنوات الأخيرة، تراجعا كبيرا في قاعدته الشعبية في عموم المنطقة، خصوصا إثر تدخله في الحرب في سوريا ونتيجة لسياسات عرّابته إيران. لكن اللافت في الآونة الأخيرة أن الغضب الشعبي من حزب الله يضرب في عمق الحزب هذه المرة، في حاضنته الشعبية الداخلية، وفي مراكز قوته.
وما جرى لحزب الله ينطبق على مختلف الجماعات والتنظيمات المشابهة، من ذلك حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، وصولا إلى التنظيمات المتشددة التي يؤكّد استطلاع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنها تحظى بدعم ضعيف مقارنة بشعبيتها قبل سنوات قليلة ماضية.
ويأتي هذا الاستطلاع ضمن مجموعة من استطلاعات الرأي يعكف عليها مركز التفكير الأميركي، الذي يعد أحد المراجع الرئيسية لصناع القرار في الولايات المتحدة.
وتركز هذه الاستطلاعات على مسائل سياسية وإقليمية حساسة في ثمانية بلدان عربية، هي السعودية وقطر ومصر والأردن ولبنان والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، وعلى مواقف سياسية حقيقية لها آثار هامة على السياسات والاستقرار السياسي في هذه الدول.
قدم لنتائج هذا الاستطلاع ديفيد بولوك، وهو باحث قديم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن نتائجه تظهر دعما ضئيلا للجماعات الجهادية العنيفة. وعلى وجه الخصوص تحظى المنظمات على غرار تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة بتأييد ما دون العشرة في المئة، مقارنة بما كان عليه الحال خلال العقد الماضي.
ويرجع بولوك ذلك إلى أن الشعوب العربية نفسها تخشى أن تكون ضحية للإرهابيين، كما حصل مرارا في السنوات الأخيرة. كما أن الشعوب لا تدعم الإرهاب كتكتيك، باعتباره أحد مسببات عدم الاستقرار بالإضافة إلى تهديداته الأمنية والاجتماعية.
ومن بين الذين تراجعت نسبة دعمهم أيضا، مقارنة بالاستطلاعات التي جرت قبل ثلاث سنوات، إيران التي كانت في سنوات العمل الصامت على اختراق المجتمعات العربية تتمتع بشعبية عدد هام من الذين صدقوا شعار “الموت لأميركا وإسرائيل” وغرتهم شعارات “المقاومة” و”الهبة نحو القدس”، قبل أن يتبينوا أن تلك الهبة الإيرانية لم تكن يوما نحو القدس بل نحو منطقة الشرق الأوسط، انطلاقا من العراق وسوريا، وكانت أيضا تهديدا لدول الخليج العربي وشقا لصفوفه باستمالة أكثر الأنظمة تمردا، وهو النظام القطري.
وكان استطلاع سابق أجراه المعهد كشف عن تصادم شديد بين ما يؤمن به المواطن القطري وبين الموقف الرسمي خاصة ما تعلق بالانفتاح على إيران.
وكشف الاستطلاع الذي أجري في آب 2017، أي في ذروة الأزمة بين قطر ودول المقاطعة (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، أن أكثر من 79 في المئة من القطريين يعارضون بشدة سياسة إيران الإقليمية.
وينظر الرأي العام القطري بشكل سلبي إلى وكلاء إيران الإقليميين؛ فقد حصل كل من حزب الله والحوثيين في اليمن على تقييمات سلبية من 90 في المئة من الشريحة السكانية البالغة في قطر. حتى أن أغلبية ضئيلة (53 في المئة) من القطريين تقول إن “أهم قضية في هذا الوضع السائد هي إيجاد أقصى قدر من التعاون العربي ضد إيران”.
لم تختلف نتائج الاستطلاع الجديد الذي أجري في شهر تشرين الأول، حيث يسود الانقسام في أوساط المواطنين القطريين بشأن موقف الحكومة من الصراع الإقليمي، بما يعكس عدم ارتياح من الوضع.
ويقول علي الشهابي المدير التنفيذي لمعهد الجزيرة العربية في واشنطن، إنه من وجهة نظر دول الخليج الأخرى لا تلحق النزعة القطرية المغامرةُ الضررَ بأمن الخليج الأوسع نطاقا فحسب، بل بأمن قطر نفسها أيضا. وتقرّ السعودية، إلى جانب الإمارات والبحرين ومصر، بأن الشعب القطري لا يلقي بالا لإيران وحزب الله والحوثيين، وحتى الإخوان المسلمين.
وفي سياق الآراء العربية السلبية الشاملة إلى حدّ كبير إزاء السياسات الإيرانية، يؤكد بولوك أن المستطلعة آراؤهم من قطر يتشاركون هذه النظرة السلبية للغاية، مضيفا أنه على الرغم من أن الذين شملهم الاستطلاع قد أعربوا عن اهتمامهم بمسائل السياسة الخارجية وكان لهم رأي فيها، إلا أنهم يعتقدون أن على حكوماتهم إعطاء الأولوية لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية داخلية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، تأتي الأغلبية في دول الخليج على ذكر مكافحة الإرهاب ومواجهة إيران، وحلّ الأزمة في اليمن، في حين تشكّل مكافحة الإرهاب وحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أبرز الأولويات الشعبية على صعيد السياسة الخارجية في أوساط الدول المجاورة لإسرائيل، أي مصر والأردن ولبنان.
وازداد الدعم للسياسات الأميركية في المنطقة، وإن كان من خط أساس متدنٍ للغاية إلى متوسط يناهز الـ 20 في المئة.
ولكن ما لا يقل عن ضعف هذه النسبة يوافق على أن إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة خطوة مهمة. كما يأخذ في الازدياد بشكل متواضع الدعم للتفسيرات الأكثر اعتدالاً وتسامحاً للإسلام.
أما الزيادات الأكثر إثارةً للدهشة فهي دعم البعض، بما يصل إلى ثلث الرأي العام، للتعاون مع إسرائيل، على سبيل المثال في مجالي التكنولوجيا ومكافحة الإرهاب وفي مسألة احتواء إيران.
وحول القضايا التي تثير جدلا كبيرا، تُظهر هذه الاستطلاعات أن أقلية كبيرة جدا من المواطنين على استعداد للاختلاف مع مواقف حكومتها.
تؤكد ميشيل دون، وهي باحثة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن هذه الاستطلاعات معلومات سياسية قيّمة غير متاحة في أماكن أخرى. وتتمثل إحدى النتائج الجامعة الجديرة بالتوقف عندها في أن هناك أرضية مشتركة بين مصر والأردن بشأن عدد من القضايا الهامة.
فعلى صعيد السياسة الخارجية على وجه الخصوص، بدا أن المستطلَعة آراؤهم يدعمون بشكل أكبر بعض المواقف التي تبنتها حكوماتهم، بما في ذلك مخاوف واسعة النطاق بشأن التدخل الإيراني في المنطقة، بخلاف آخرين. ويثير عملاء إيران، أي حزب الله والحوثيون في اليمن، القلق بشكل خاص. وهذا بالطبع يأخذ في عين الاعتبار الانقسام في الرأي بين السنّة والشيعة.
والمفاجئ، حسب دون، هو الدعم المتدني إلى حدّ كبير لسياسات روسيا في المنطقة، حيث أن هذا الدعم كان حتى أدنى من الدعم الضئيل الذي تحظى به السياسة الأميركية.
ففي الأردن، المجاور لسوريا، يمكن تفهّم سبب انتشار هذه المشاعر المعادية لروسيا إلى حدّ كبير، لكن السبب أقل وضوحا في دول أخرى مثل مصر. وعلى نحو مماثل، اعتبر المستطلَعة آراؤهم أن العلاقات الوطيدة مع الولايات المتحدة أكثر أهمية بكثير من العلاقات الوطيدة مع روسيا (في مصر، 56 بالمئة مقابل 32 بالمئة).