كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: … «زلزال»، صدمة، «انقلاب»، «إعلان حرب»، مفاجأة مدوّية، قنبلة غير متوقَّعة، حدَث دراماتيكي. هذا غيضٌ من فيض «أوصاف الوهلة الأولى» بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري، ومن المملكة العربية السعودية، استقالته، في خطوةٍ سرعان ما تردّدتْ أصداؤها في لبنان وعلى امتداد خط «التوتر العالي» في المنطقة.ْ
بذهولٍ وقلق وحيرة، تلقّف الجميع في بيروت قيام الرئيس الحريري وعلى حين غرّة بـ «قلْب الطاولة» سياسياً بوجه «حزب الله» وإيران في لبنان، في تطوّرٍ أَدخل البلاد في مرحلةٍ جديدة بعدما كانت وُضعتْ في الأسابيع الماضية في «فوهة» المواجهة التصاعُدية الأميركية – الإيرانية والسعودية – الإيرانية.
وكرّسَ خطاب الاستقالة الذي وجّهه الحريري عبر شاشة قناة «العربية» الأبعاد الكبرى لقراره الذي اعتُبر في سياق وقْف مسار الإلحاق المتمادي للبنان بالمحور الإيراني ووضْع اليد على الدولة، الذي كان يتمّ تحت سقف التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي قبل عام بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة الحريري الى رئاسة الحكومة.
فرئيس الحكومة المستقيل وَضَعَ خطوته بوجْه إيران و«حزب الله» وأدوارهما في المنطقة العربية واستخدامِهما لبنان منصة لاستهداف الأمن الاقليمي العربي، قبل أن يُعطيها بُعداً أمنياً بارزاً بإشارته الى «أجواء شبيهة بالأجواء التي سادتْ قبيل اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وقد لمستُ ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي».
وإذا كان الجانب الأوّل من حيثياتِ الاستقالة أعطاها بُعداً عربياً وجَعَلها من ضمن إطار «هجومي» متّصل بمناخ الصراع المتجدّد بين واشنطن وطهران والرياض وطهران، فإن السياق الأمني الذي ظهّره الحريري ثم تبلْور أكثر مع الكشف عن إحباط محاولة لاغتياله في بيروت قبل أيام تخلّلها تعطيل المخططين أبراج المراقبة خلال تَحرُك موكبه، يجعل هذه الخطوة تنطوي على تظهير وجود قرارٍ من الآخرين بتغييرِ قواعد اللعبة التي كانت محكومة منذ إبرام التسوية بـ «فك اشتباك» وإبقاء الصراع «على البارد» في اتجاه الإجهاز على أيّ نفوذٍ سعودي في لبنان عبر شطب الحريري لِما يمثّله من رمزية على هذا الصعيد.
ولم يكد «ينجلي غبار» إعلان الحريري استقالته حتى بدت بيروت مسكونة برزمةٍ من الخلاصات الأولية كما الأسئلة الكبيرة التي استمرّت معلّقة بانتظار انقشاع الرؤية في الساعات والأيام المقبلة، وإن كان ثمة شبه إجماع على أن لبنان على مشارف أزمة خطرة تستعاد معها اصطفافات العام 2005 وما بعده واستقطاباتها وسط مخاوف من انزلاقات أمنية ومأزق حكم.
ومن أبرز الخلاصات:
- ان التسوية السياسية في «عيدها الأول» دُفنتْ بما هي تفاهُم داخلي على قاعدة «ربْط النزاع» مع «حزب الله» وتحييد الملفات الخلافية ومهادنة خارجية، ولا سيما سعودية – إيرانية في لبنان أتاحتْ إخراجه من فم الفراغ الرئاسي وتشكيل الحكومة.
- ان عهد الرئيس عون تلقّى «صفعةً» قويّة ومبكّرة بخروج الحريري من التسوية التي قامت على معادلة «حكم الأقوياء» في طوائفهم.
- ان «حزب الله» الذي كان يستفيد من «مظلة التسوية» التي شكّلت «خط حماية» له بوجه الاندفاعة الخاريجة بوجهه والتي تجّلت في أحد وجوهها بالعقوبات المالية الأميركية المشددة، سيجد نفسه بلا أي غطاء داخلي ووجهاً لوجه مع «العاصفة الآتية» بعد فقدان الغطاء السني خصوصاً لمجمل وضعيّته الداخلية.
- ان التماهي الذي كان ساد منذ إبرام التسوية الرئاسية بين لبنان – الدولة و«حزب الله» والذي عزّزه مسار تراجُعي لخصومه المُشاركين في السلطة من بوابة «الواقعية السياسية» ومجاراة الموازين الاقليمية، انتهى مفعوله باستقالة الحريري التي سترسم خطاً فاصلاً من الآن وصاعداً بين الحزب ومناهضيه وبتَرقُّب عودة «14 آذار» الى «مقاعد ثورة الأرز» التي استحضرها رئيس الحكومة في خطاب الاستقالة.
أما «سلّة الأسئلة» فضجّت بالآتي:
- ما هي الملابسات التي أمْلت على الحريري قراره المفاجىْ، هو الذي كان عاد يوم الأربعاء الماضي من الرياض حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان مؤكداً التوافق مع المملكة على «استقرار لبنان وعروبته» الأمر الذي اعتُبر مؤشراً على نجاح رئيس الحكومة في طمْأنة السعودية بعد مواقف السقف غير المسبوق للسبهان التي استغرب فيها صمت الحكومة والشعب اللبناني حيال «حزب الله». علماً ان الحريري توجّه فجأة بعد ظهر الجمعة الى الرياض في أعقاب لقائه مع علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، والذي لم يتوانَ عن التأكيد من على منبر السرايا الحكومية ان لبنان «جزء من محور المقاومة» الذي «انتصر في المنطقة».
- هل سيتم تشكيل حكومة جديدة في لبنان؟ وهل سيجد العهد في ظلّ الموقف السعودي الحازم حيال «حزب الله» وأي شراكة معه في الحكومة أي شخصية سنية مرموقة تقبل بأن تحمل «كرة النار» وتتولى رئاسة الحكومة؟ وماذا إذا قاطع النواب السنّة الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية رئيس الحكومة ولا سيما أن الحريري ليس في وارد العودة الى السلطة ولا أي مشاركة بحكومة في ظل وجود «حزب الله» فيه، وتالياً هل يحتمل عهد عون قيام حكومة من لون واحد تكون أشبه بحكومة مواجهة مع الشرعيتين العربية والدولية؟
- هل تقف البلاد أمام أزمة حكم مفتوحة ستطيح حتى بالانتخابات النيابية المقررة في مايو 2018 وربما بالاستقرار المالي؟ وماذا قصد الحريري بالكلام عن أن المرحلة الحالية شبيهة بما قبل اغتيال والده؟
- هل قرار الاستقالة يَعكس توجّهاً بانتقال البلاد الى «المواجهة الكبرى» داخلياً مع «حزب الله» بالمعنى الصِدامي، أم أن الأمر في سياق استنهاض الكتلة السياسية والشعبية المناهضة للحزب وتشكيلها «جبهة معارضة» بما يمنحها وضعية أكثر توازناً لخوض الانتخابات النيابية ومنْع فوز «حزب الله» فيها وتالياً قطْع الطريق على إمساكه بالسلطة؟.
ومجمل هذه اللوحة القاتمة بدأت تثقل على الرئاسة اللبنانية التي عُلم انها عقدت اجتماعات أمنية مكثفة مواكبةً للواقع المستجدّ، فيما لفت تريث الرئيس عون في قبول استقالة الحريري مكتفياً ببيان مقتضب اعلن فيه انه «تلقى اتصالاً من رئيس الحكومة الموجود خارج لبنان وأعلمه باستقالة حكومته»، موضحاً انه «ينتظر عودة الرئيس الحريري الى بيروت للاطلاع منه على ظروف الاستقالة ليبنى على الشيء مقتضاه».
وفي موازاة الصخب المكتوم في الداخل، برز أول تعليق سعودي بعد استقالة الحريري وجاء على لسان الوزير السبهان الذي غرّد في إشارة ضمنية الى خطوة رئيس الحكومة: «أيدي الغدر والعدوان يجب أن تُبتر».