كتبت الوكالة المركزية “إذا كان غير ممكن فصل استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري المفاجئة عن الصراع الملتهب الذي تشهده ساحات المواجهة المفتوحة بين الرياض وطهران في أكثر من بلد، فإن تداعياتها المحلية لا تقل شأنا وخطورة عما يمكن أن تؤدي إليه إقليميا. ذلك أن الخطوة الحريرية المباغتة فاجأت حلفاء رئيس الحكومة وخصومه على السواء. غير أن بعض المتشائمين ذهبوا إلى الكلام عن ضربة قاسية مني بها العهد، بإعتبار أن الاستقالة سددت سهما قاتلا في اتجاه التسوية السياسية العريضة التي أطلقت الولاية الرئاسية وأتاحت تشكيل حكومتها الأولى.
أما في الأجواء العونية التي غالبا ما يخيم عليها التفاؤل، فيبدو الحذر سيد الموقف، على وقع الصدمة التي يقر بها العونيون، خصوصا أن أجواء ايجابية كانت تسود البلاد والحكومة وجلساتها قبل سفر الحريري إلى الرياض، من دون أن يعني ذلك كسر التحالف القائم مع التيار الأزرق منذ أكثر من عام. وفيما رمى كثيرون كرة النار السياسية في ملعب رئيس الجمهورية لإطلاق المرحلة المقبلة، فإن المقربين منه يؤكدون أن العهد بألف الخير، ويتمسك بالحريري دون سواه في الرئاسة الثالثة، وينتظر منه ايضاحات تضع النقاط على الحروف لقطع شك التحليلات بيقين الحقائق.
وأكدت مصادر في تكتل التغيير والاصلاح لـ “المركزية”، في تعليق على المشهد السياسي المستجد في البلاد بعد قنبلة الاستقالة التي فجرها الحريري من الرياض، ولا تزال بيروت تحت صدمتها، “أننا متفاجئون وعاتبون. ذلك أن لم يكن لدينا أي فكرة حول الموضوع، كما لم نعتبر أن هناك مشكلة، على رغم بعض الأخذ والرد في عدد من الملفات، لكن هذا لا يعني الوصول إلى قطيعة أو استقالة. تبعا لذلك، فإن هذا الخيار لم يكن في الحسبان بأي شكل من الأشكال، واليوم نضع كل إمكاناتنا لتغيير مسار الأمور، خصوصا أن الفترة الأخيرة أظهرت أن التعاون بيننا وبين تيار المستقبل يصب في مصلحة البلد”.
وفي محاولة لشرح الأسباب الكامنة فعلا خلف القرار، تشير الأوساط إلى “مواقف قاسية جدا تفرض على الرئيس الحريري، غير أنه يعرف أننا لا نستطيع تحمل حرب جديدة على أرضنا”.
غير أن المصادر العونية تبدو حريصة على عدم حصر المشهد في بعده المحلي، وتضعه في سياق الأحداث الاقليمية المتسارعة، لافتة إلى أن “هناك لعبة إقليمية كبيرة. كل الحروب التي أطلقت ضد حزب الله في المنطقة باءت بالفشل، وتعتقد بعض القوى أن لبنان يمكن أن يكون الساحة الأفضل لإطلاق شرارة هذا الصراع، عن طريق خلق جو سلبي ضد الحزب في أوساط السنة والمسيحيين، خصوصا إذا سددوا في اتجاهنا ضربات اقتصادية، غير أن الرئيس الحريري كان على دراية بصعوبة هذا الأمر، ويرفض أن يكون سببا لحرب إقليمية.
وفيما يفضل الرئيس ميشال عون انتظار عودة الحريري ليطلق مسار المرحلة المقبلة على المستويين الدستوري والسياسي، لا سيما في ما يخص قبول الاستقالة التي أثارت- بالشكل- كثيرا من التعليقات السلبية. هذا إلى جانب الغموض الكثيف الذي يغلف مرحلتي التكليف والتأليف الحكومي، عشية انتخابات نيابية يقول البعض إن الاستقالة قذفتها إلى المجهول، وفي ظل صراع اقليمي محموم لا صورة واضحة في شأنه حتى اللحظة. وفي هذا الاطار، تنبه مصادر التيار إلى أن “هناك أصولا يجب أن تحترم. الاستقالة تعتبر قائمة، وهذا مبدأ خارج النقاش، وكل ما نطلبه هو معرفة الحقائق الكامنة خلف الاستقالة المفاجئة، لكن لا اتجاه بأي شكل من الأشكال، إلى التطلع إلى رئيس حكومة غير سعد الحريري. تبعا لذلك، فإن الاتجاه ينحو إلى إعادة تسمية رئيس الحكومة المستقيل في الجولة الجديدة من الاستشارات النيابية”.
وردا على الكلام عن أن الاستقالة سددت رصاصة قاتلة في اتجاه بعبدا، تشدد المصادر على أن “خطوة الحريري لا تمس العهد الذي لا يزال بألف خير لأنه يتمتع بثقة اللبنانيين، لكن لا يجوز ان تطلب منا السعودية ما لا نستطيع تحمله لأن العواقب ستكون وخيمة على الجميع”.
وفي محاولة لرسم الصورة المحلية للمرحلة المقبلة، تلفت المصادر نفسها إلى أن “لبنان دخل مرحلة من حال الطوارئ التي تستدعي تكاتف الجميع لتمرير المرحلة المقبلة بالتي هي أحسن، ونتمنى أن يتم ايلاء الشأن الاقتصادي حيزا كبيرا من الأهمية لضخ التنافسية في أجواء الاقتصاد اللبناني لتحفيز الاستثمارات”.