في انتظار عودة الحريري من الرياض، يسود تريث رسمي في اتخاذ موقف نهائي من الاستقالة التي هي استقالة نافذة حسب المادة 69 من الدستور التي تحدد الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة ومنها انها تعتبر مستقيلة «اذا إستقال رئيسها»، ولا حاجة لأن يقدم رئيس الحكومة هذه الاستقالة خطياً.
لكن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتصرف وكأن هذه الاستقالة لم تحصل، ويتضامن رئيس مجلس النواب نبيه بري معه في هذا الموقف، اذ سارع لدى عودته من القاهرة الى زيارته وليعلن بعد اللقاء: «بكير كتير كتير كتير الكلام عن استقالة او تأليف حكومة».
ويتحدث سياسيون في فريق «8 آذار» عن «أن هناك تفاهماً بين القوى السياسية الاساسية على التعاطي بروح المسؤولية العالية، مع التطورات الجارية وعدم التعامل مع الحكومة على اساس انها حكومة تصريف اعمال واعطاء الحريري فرصة لايضاح ما جرى».
لكن سياسيين مطلعين على الموقف السعودي يردون على التكهنات حول عودة الحريري من الرياض قريبا من عدمها او تأخرها الى وقت طويل، فيؤكدون «ان وجوده في المملكة طبيعي، وان كل ما يقال عن أنه محتجز او في اقامة جبرية يدحضه استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز له بحفاوة، فهو موجود في المملكة، وان استقالته كانت لاعتبارات امنية حيث ان اجهزة امنية غربية ابلغت اليه ان اجهزة حاولت التشويش على موكبه في الايام الاخيرة التي سبقت استقالته، وهي اجهزة ايرانية الصنع، وكل المعطيات تدل الى انه هو المهدد امنيا فقط، وليس هناك خطورة على أمن لبنان عموماً».
ويضيف المطلعون على الموقف السعودي «ان اعلان بعض الاجهزة الامنية اللبنانية انها لم ترصد اي محاولة تهديد للحريري، هو اعلان صحيح، فهذه الاجهزة بإمكاناتها الضعيفة في السابق غالباً ما لم تتمكن اي من رصد الاغتيالات أومحاولات الاغتيال او انها رصدتها ولم تتمكن بامكاناتها الضعيفة من الحيلولة عنها، وبعض الاغتيالات لم تعلم بها هذه الاجهزة، علما ان الحريري لا يعتمد فقط على الاجهزة الامنية اللبنانية في كل ما يتعلق بأمنه».
ويؤكد هؤلاء المطلعون «ان وجود الحريري في الرياض الآن هو للتنسيق مع القيادة السعودية في شأن مصلحة لبنان وسبل حمايته وللعمل على رفع الوصايات عنه والحفاظ على وحدته الوطنية وعلى استقلاله، فالمملكة، حسب ما يؤكد السعوديون، لا تفرض وصاية على لبنان ولكنها في الوقت نفسه ترفض اي وصاية خارجية عليه، وهي إنلاقاً من حضورها العربي الفاعل والمؤثر في كل القضايا والاحداث تنتهج سياسة مستقلة ازاء لبنان من دون فرض اي وصاية عليه وتراعي الخصوصيات اللبنانية، وتفصل بينها وبين المواجهة التي تخوضها ضد حزب الله والنفوذ الايراني في لبنان والمنطقة».
وكذلك يرى السياسيون انفسهم ان استقالة الحريري تمت وأن الدستور اللبناني لا ينص على ان تكون هذه الاستقالة خطية، فالبيان الذي اعلنه الرجل من الرياض فند اسباب هذه الاستقالة، مظهرا ان كل ما حصل من احداث سياسية وغير سياسية منذ نيل حكومته الثقة ضرب التسوية التي جاءت بعون الى رئاسة الجمهورية وبه الى رئاسة الحكومة، كذلك ضربت البيان الوزاري للحكومة، اذ أن كل هذه الاحداث خربت التسوية ابتداء من الجولة التي نظمها حزب الله للصحافيين على حدود لبنان الجنوبية وعرضه العسكري في بلدة القيصر السورية، وكذلك العرض العسكري في الضاحية الجنوبية والاستعراض الذي اقامه الحزب السوري القومي الاجتماعي في شارع الحمرا في بيروت قبل نحو شهرين، فضلا عن الضغط على لبنان و«محاولة خطف» دور الجيش اللبناني في تحرير جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع في الصيف الماضي، ما اظهر وجود جيش آخر رديف للجيش اللبناني، ويضاف الى ذلك محاولة تطبيع العلاقات مع النظام السوري خلافاً لقرار مجلس الوزراء باعتبار زيارات بعض الوزراء لدمشق «شخصية»، فذهب هؤلاء الى العاصمة السورية وأكدوا ان زياراتهم لها «رسمية»، فضلاً عن اجتماع وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة من دون استشارة رئيس الحكومة مسبقاً، كل ذلك اعتبره الحريري إجهازا على التسوية السياسية وخروجا على البيان الوزاري ومضامينه وعلى سياسة «النأي بالنفس» التي ينتهجها لبنان، وهي مسائل، يقول المطلعون على الموقف السعودي، لم يلتزمها حزب الله وحلفاؤه من «تيار وطني حر» وغيره، وبالاضافة الى ذلك المواقف التي اعلنها الدكتور علي اكبر ولايتي مستشار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي خلال زيارته الاخيرة لبيروت والتي كان الحريري احد الذين التقاهم خلالها، حيث ان هذه المواقف، شكلت، في رأي هؤلاء المطلعين، «ضرباً» لإلتزام لبنان سياسة النأي بالنفس، خصوصا عندما قال ولايتي «ان ايران تحمي الحكومة والاستقلال في لبنان»، وكأنه بذلك يُخضع الحكومة ولبنان للدور الايراني»، على حسب تعبيرهم.
الى اين من هنا؟
في انتظار تبلور الموقف الرسمي على مستوى المؤسسات الدستورية الكبرى ولا سيما منها رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، من الاستقالة قبولا او تعويما، قبولا بالتزام الدستور من دون الوقوف عند الاسباب التي املتها كما بدأ ينادي البعض في فريق 14 آذار، او تعويماً بتفهم الأسباب، كما بدأ يقترح البعض في 8 آذار، فان دار الفتوى ستكون محور لقاءات واتصالات في مختلف الاتجاهات، في ضوء المبادرة التي وضعها الرئيس نجيب ميقاتي في تصرف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والتي علم انها تدعو الى تشكيل حكومة انتخابات، (البعض اقترح ان تكون حكومة تكنوقراط) وعقد مؤتمر في دار الفتوى يراعى فيه رضى تيار «المستقبل» على الشخصية التي تخلف الحريري في رئاسة الحكومة.
ولوحظ ان ميقاتي تصرف في مبادرته بمسؤولية ازاء هذا الموضوع ولم يمارس سياسة التشفي ضد الحريري، فاعطى الاولوية فيها لتحصين الوضع الداخلي، خصوصا على مستوى الطائفة السنية التي تفاجأت بما حصل، وترك لمفتي الجمهورية مسؤولية التعاطي مع مبادرته واي مبادرة او افكار طرحها او سيطرحها آخرون، علما ان مبادرته تحدد سبل التعاطي مع وتدعو الى التضامن مع الحريري، خصوصا ان موقع رئاسة الحكومة معينة به الطائفة السنية ولبنان عموما.
ويؤكد المطلعون على ما يجري في دار الفتوى ان كل اللقاءات التي يعقدها المفتي دريان مع رؤساء حكومات سابقين وقيادات وشخصيات سياسية سنية بلورت وتبلور توافقا على ضرورة ان يكون التعاطي مع موضوع رئاسة الحكومة بالتنسيق مع دار الفتوى وتحت سقفها.
ويشير هؤلاء في هذا الصدد ان موضوع اختيار رئيس حكومة جديد يعود للاستشارات الدستورية التي يجريها رئيس الجمهورية لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، وكذلك يعود لرؤساء الحكومات والقيادات التي تتشاور الآن مع دار الفتوى، الا ان اي خطوة عملية لن تتخذ قبل عودة الحريري وبت مصير استقالته.