كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
رئيسان سابقان للحكومة لم يعرفا من ترؤسهما اياها سوى سوء الطالع والحظ المنكوب والتجربة المخيّبة: أحدهما الرئيس عمر كرامي الذي ترأس حكومتين عامي 1992 و2004 وسقطتا في الشارع تحت وطأة طرازين من الضغوط قد يبدوان في نتائجهما متشابهين: «ثورة الدواليب» في الاولى، وتداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الثانية. عاشت اولاهما 17 شهراً وثانيتهما اربعة اشهر.
الآخر الرئيس سعد الحريري الذي ترأس حكومتين عامي 2009 و2016 سقطتا بطريقتين متناقضتين: اولى اطاحت رئيسها وهو في واشنطن، فاذا استقالتها من الداخل، ومن معارضيه القابضين على الثلث +1 اذ امسكوا بصلاحية لا تقل شأناً عن صلاحيته هو. وثانية اطاحها رئيسها بنفسه لكن من بلاده، من الرياض، في توقيت غير متوقع وسابقة غير مألوفة.
لم يُكتب للحريري في حكومتيه هاتين امرار سنتها الاولى بسلام: الاولى سقطت في مطلع شهرها الـ13، والثانية في شهرها الـ11. بيد ان تكرار الحدث لا يجعل منه مصادفة، بل مفارقة: في المرتين كان الرجل خارج البلاد. في المرتين ايضاً أُرغِم على ما لم يكن يتوقعه، ولا حتماً يريده او يتمناه.
الاسوأ من ذلك كله ان الرصاصة المصوّبة الى رئيس الحكومة لم تُطلق على القدمين او الرأس، بل على الظهر.
قبل الحريري، استقال بطريقة مشابهة ــ لكن بالتأكيد من الداخل ــ الرئيس رشيد كرامي في ايار 1987، قبل اقل من شهر على اغتياله، في بيان شفوي الى «الشعب اللبناني» ــ وكان بدوره سابقة ــ فلم يتقدّم بالاستقالة خطياً الى رئيس الجمهورية حينذاك أمين الجميّل. اعتبرت في ذلك الوقت معلقة: لا كرامي تراجع عنها، ولا الجميّل قبلها.
في استعادة الواقعتين ثمة تساؤل حيال دستورية استقالة شفوية لم تصل الى رئيس الجمهورية، ولم يتبلغها من صاحبها وفقاً للاصول.
يجيب رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن هذا التساؤل، قبيل مغادرته شرم الشيخ عائداً الى بيروت، كالآتي: «استقالة الرئيس الحريري أعِدُّها حتى الآن اعلامية غير دستورية. أقرب الى قنبلة صوتية.
استقال سياسياً ولم يستقل دستورياً. اذا ذهب الى المؤتمر الاوروبي الذي دعي اليه الاربعاء، فذلك معناه انه لا يزال رئيساً للحكومة يمارس دوره ولن احسبه عندئذ استقال. يقتضي ان يستقيل خطياً في كتاب يوجهه الى رئيس الجمهورية، او حضوره هو الى قصر بعبدا وابلاغه الى الرئيس استقالته ومن ثم يصرّح امام وسائل الاعلام بذلك. كلتا الحالين لا تنطبقان على الرئيس الحريري الآن».
حينما يُسأل عن سابقة الرئيس رشيد كرامي يجيب: «حدث ذلك في ظل دستور ما قبل اتفاق الطائف. كان في وسع رئيس الجمهورية التصرّف بصلاحيات واسعة. نحن الآن في سياق دستوري مختلف تماماً. في الماضي كان رئيس الجمهورية يعيّنه. الآن تعيّنه الغالبية النيابية في ضوء الاستشارات الملزمة. في الماضي كان رئيس الجمهورية قادراً على اقالة الحكومة ورئيسها ساعة يشاء. الآن ثمة حالات ست محددة لإسقاط الحكومة إحداها استقالة رئيسها. لكن في وسع الرئيس الحريري متى عاد التصرّف كما لو ان لا وجود لاستقالته. حتى اللحظة هي موقف سياسي لا تكتمل مقوماتها الدستورية الا بوصولها الى رئيس الجمهورية وقبولها ببيان يصدر عنه».
يؤكد برّي تعويله على دور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في المساعدة على معالجة مشكلة وجود الحريري في الرياض، قائلاً: «لو لم يكن في مقدور مصر ان تضطلع بدور، مَن تراه قادراً سواها. بعد الذي حصل كان من المؤكد انني سآتي الى مقابلة الرئيسي السيسي. حتى لو لم اكن مدعواً لطلبت موعداً».
اصراره على ان حكومة الحريري لا تزال قائمة يربطه بوجود رئيسها في الخارج. يقول: «انا مع الرئيس عون في استمهال الموقف الى حين عودته، والاطلاع على اسباب الاستقالة. حسناً فعل رئيس الجمهورية. انا معه وسبق ان تحدثت معه في هذا الشأن لدى مكالمتي اياه. من المفضل ان تعود الحكومة الى ممارسة اعمالها. وزراؤها يعملون، وهي حكومة قانونية دستورية. اما اذا وصلنا الى مرحلة البحث عن حكومة جديدة، فمن الاحتمالات المطروحة حكومة تكنوقراط من رأسها الى اعضائها جميعاً، غير حزبيين، غير مرشحين للانتخابات، محايدين. صحيح ان لا احد محايداً في لبنان، لكن علينا العثور عليهم بالسراج والفتيلة. امامها مهمات صعبة احداها الانتخابات النيابية، الا انها ليست وحدها. هناك ملف النفط وقد بات جاهزاً للتلزيم ومباشرة استخراج النفط».
يضيف: «الواجب الدستوري يحتم القول ان لا مهلة ملزمة او مقيّدة لرئيس الجمهورية لقبول استقالة رئيس الحكومة. بذلك نعوّل على التطورات. في المقابل المهلة غير مفتوحة الى ما شاء الله. يمكن ان نصبر 10 ايام او 15 يوماً او 20 يوماً ربما، بعد ذلك لا بد من اتخاذ موقف. لا يمكن ابقاء البلاد بلا حكومة، او في ظل حكومة تصريف الاعمال، ونحن نوشك على استحقاقات مهمة. نحن الآن امام ثوب يحتاج الى اعادة خياطة واعادة تقطيب».
على ان رئيس المجلس يأمل في تبدد الغموض الذي يحوط باستقالة الحريري، بل بوجوده في الرياض الى الآن. يتحدّث عن مؤشرات قد يكون بعضها سلبياً والآخر ايجابياً ينتظرها في اليومين المقبلين، قد تحدد مسار مصير الرجل. يعود او لا يعود. مستقيل او غير مستقيل.
يقول: «هناك الاجتماع الاوروبي. اذا شارك فيه، يعني ان مغادرته الرياض متاحة، تالياً ليس ثمة مانع من عودته الى بيروت، ولا عذر له في البقاء خارج البلاد قبل جلاء دواعي الاستقالة. اما اذا لم يشارك فهو نذير سلبي. الخميس هو الموعد العادي لمجلس الوزراء. اذا حضر يترأسه، والا نكون امام نذير سلبي آخر».
يذهب برّي الى القول، في معرض التمسّك باجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ان «حكومة مستقيلة يسعها اجراؤها. المسؤولية مسؤولية وزير الداخلية الذي يدعو الهيئات الناخبة بمرسوم عادي لا يحتاج الى اجتماع مجلس الوزراء. هيئة الاشراف على الانتخابات تألفت، الاعتمادات المالية رصدت وانا جاهز لدعوة مجلس النواب الى الانعقاد اذا اقتضى أمر منه. هناك قانون انتخاب جديد قائم ستجرى في ظله الانتخابات النيابية، وهو حدّد موعد انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي. بحسب المادة 41 من الدستور، المتعلقة بالانتخابات الفرعية، كان ينبغي إجراؤها في مواعيدها القانونية. ثمة مَن يتحمّل مسؤولية عدم حصولها. لا يراهننّ احد على تأجيل انتخابات أيار وتعطيلها».