IMLebanon

في صواريخ إيران!

كتب علي نون في صحيفة “المستقبل”:

لم يكن المشهد الصدامي والاستنفاري الراهن في حاجة إلى شهادة إضافية لتأكيد حدّته.. لكن الرئيس الإيراني «المعتدل» الشيخ حسن روحاني آثر شيئاً آخر. ورأى على ما يبدو، أن تبنّيه لأجندة ليست من صنعه ولا من عنديّاته، يمكن أن يحسّن وضعيته الداخلية التي انتكست جرّاء فشله في تخليص إيران من أزماتها الاقتصادية والمالية والديبلوماسية والسياسية.

رئيس إيران يعود إلى الوراء بدل أن يتقدّم إلى الأمام. ويفضّل أن يلعب دور غيره بدلاً من أن يحافظ على دوره. وليس في ما قاله عن السعودية وتبرير الاعتداء الصاروخي عليها وتهديدها، سوى التعبير الأمثل عن أزمة كبرى يمرّ بها النظام برمّته: يستخدم أدبيات متطرّفة آتية من مخزون «المحافظين» ليؤكد ريادته واصطفافه تحت عباءة «الولي الفقيه» وهو الذي راكم حيثياته على اعتبار أنه في الجانب الآخر. «الإصلاحي». المنفتح. صاحب السياسة المعتدلة. الراغب في إخراج بلاده من عزلتها وأزماتها. والعارف أن «الثورة» بعد نحو أربعة عقود من انطلاقها آن لها أن تتنحّى جانباً لصالح «الدولة». وأن تصدير الأزمات إلى الخارج، المعتمد برعاية مركزية عليا، لم يؤدِّ إلى حلّ تلك الأزمات. ولم يكسر الحصار. ولم يقارب الحاجات الأساسية لعموم الإيرانيين الذين تبيّن بالملموس الانتخابي الكاسح أنهم يريدون شيئاً آخر غير المفروض عليهم! وأول ذلك «العودة» إلى العالم بشروط هذا العالم! و«العودة» إلى العصر بشروط هذا العصر وآلياته وتقنياته.

معضلة روحاني هي معضلة «كل» النظام، قبل أن تكون أي شيء آخر: لا «الثورة» نجحت في تقديم بدائل يُعتدّ بها على المستوى التنموي الشامل، ولا في إعادة إنتاج وضعية قومية أكبر من حدودها وتماثل تلك التي كانت لإيران أيام الشاه مثلاً.. ولا الخروج بمظهر «الدولة» أفلح في أي شيء على ذلك الطريق طالما أن العالم الخارجي أكثر تعقيداً من بساطة الازدواجية المعروضة عليه، وأشد مناعة إزاء محاولات تكييفه مع متطلّبات نظام يسعى فوق طاقاته ويعتمد أجندة قومية – دينية شديدة الذاتية والانغلاق والعدائية.

نجح «النظام» مرحلياً في تسويق ازدواجيته لكنه لم ينجح في تبديل صورة أنه لا يصدِّر سوى الأزمات. قدّم «التنازل» الأكبر في تخلّيه عن إنتاج القنبلة الافنائية، لكنه لم يكسب كل «البدائل» التي كان يطلبها وإن افترض خلال مرحلة السيئ الذكر باراك أوباما أنه على الطريق إلى ذلك.. لم يستطع، بحكم تركيبته وطغيان البُعد الديني على منطلقاته السياسية أن يستوعب استحالة مسعاه «على الأرض»: تغيّر العالم الخارجي عمّا كان عليه أيام «الشاه». وراح دور «شرطي» المنطقة إلى المتحف. وتغيّرت مقاييس القطبية والمحورية عمّا كانت عليه أيام الحرب الباردة. وتعدّلت شروط الأوزان الدولية مع انهيار المعسكر الاشتراكي، ولم تعد الايديولوجيات بضاعة ملائمة للبيع أو عدّة لبناء النفوذ وصارت العولمة كلمة السر. والاقتصاد مفتاح الاقتدار. وحركة التجارة وأسواق المال أولى من البيان السياسي وأكثر أهمية (وحسماً) من يقظة القوميات واستنفار الذاتيات الدينية أو المذهبية.

معضلة المشروع الإيراني، أنه وصل متأخراً! ولا يزال يعتبر أن مطالع القرن الحادي والعشرين هي ذاتها مطالع القرن العشرين!.. يعتمد آليات قديمة وصدئة ولا يأخذ عبرة من سقوط تجربة الاتحاد السوفياتي ومعسكره «العظيم»! مثلما لا يعتبر بتجربة جاره التركي الذي أمكنه في وضعه الراهن تحديداً، صنع توليفة تجمع الإسلام السياسي مع آليات الديموقراطية ومتطلباتها.. وبغضّ النظر عن بعض السياسات، فإن أحداً لا يمكنه إنكار تمكُّن الأتراك من بناء نظام مؤسساتي ناجح اقتصادياً ومالياً وتنموياً. وفي الاستناد إلى صندوق الاقتراع للإمساك بالسلطة. وفي ضمان منطوق الحريات بكل عناوينها. ثم احترام الأعراف والمواثيق والمعاهدات الناظمة للعلاقات الدولية وعدم التورُّط في ما تُتَّهم إيران بالتورُّط فيه!!

معضلة «نظام» إيران أنه في الضفة الأخرى من هذا العالم. ولا يزال يعتبر أن «ديبلوماسية الصواريخ» هي أهم صادراته، وأنها البديل الناجح عن فشله الداخلي ومأزقه الوجودي!