كتبت فيفيان عقيقي في صحيفة “ألأخبار”:
في 3 تشرين الثاني الجاري، وافق وزير الاتصالات جمال الجرّاح على الكتاب رقم 4849/1/M، الذي يتضمّن الموافقة على صرف مبلغ بقيمة 89.9 مليون دولار أميركي، لمصلحة شركة «تاتش»، لتنفيذ خطّة «تطوير شبكة الجيل الثالث»، والتعاقد مع شركة «هواوي» للقيام بالمشروع.
استند الجرّاح في كتابه إلى الرسالة التي حملت رقم 17 ــــ 1133 التي وجّهتها الشركة إلى وزارة الاتصالات، في 27 تشرين الأول الماضي، وتستعرض فيها مسار المفاوضات مع «هواوي» وأهداف المشروع ومواصفاته، والتي ترتكز إلى مجموعة قرارات اتخذت في وزارة الاتصالات تقضي بإلغاء مشروع توحيد طبقات الشبكة الهاتفيّة أو ما يُعرف بالـSingle Ran التي تعدُّ من التقنيات الرائجة عالمياً والقاضية بالحدّ من التقطّع عند الانتقال من طبقة إلى أخرى، والاستعاضة عنه بترقية شبكة الجيل الثالث واستحداث محطّات جديدة.
عملياً، تنقسم كلّ شبكة من شبكتي الخلوي اللبنانيتين إلى ثلاث طبقات (أو شبكات): شبكتان للجيل الثاني والثالث (لنقل الصوت والمعلومات) وشبكة للجيل الرابع (لنقل المعلومات حصراً). ما تسعى اليه الوزارة، بحسب المصادر، هو «توحيد مورّد التكنولوجيا لكلّ طبقة أو شبكة، من دون توحيد الشبكة الأساسيّة ككلّ، أو ما يعرف بتقنية الـSingle Ran بمعدّات من مورد واحد، وهو ما يعني بقاء الخدمة على رداءتها الحالية، واستمرار حالات التقطّع عند الانتقال من طبقة إلى أخرى».
يقضي المشروع الجديد باستبدال شبكة الجيل الثاني التي انتهت الوزارة من تركيبها عام 2014 بقيمة 75 مليون دولار بمعدّات من تكنولوجيا «ZTE»، بمعدّات أخرى من تكنولوجيا «هواوي»، علماً أن القيمة الراهنة المقدّرة من «تاتش» للمعدّات الموجودة حتى آخر أيلول الماضي بلغت 53 مليون دولار. ترقية شبكة الجيل الثالث التي ركّبت على مرحلتين (خلال تولي كلّ من شربل نحاس ونقولا الصحناوي وزارة الاتصالات) من تكنولوجيا «هواوي» بقيمة 117 مليون دولار في نحو 1077 محطّة، وتحسينها بمعدّات من التكنولوجيا نفسها. وإنشاء نحو 428 محطّة جديدة قائمة على تقنية U9000.
تفنّد «تاتش» في رسالتها مسار المفاوضات مع شركة «هواوي» الذي قضى بخفض قيمة الصفقة من 95 مليون دولار إلى 89.9 مليون دولار. وبحسب الدراسة التي أجراها القسمان التقني والتجاري في «تاتش»، تقدّر القيمة الإجماليّة للمشروع بنحو 124.9 مليون دولار تنقسم كالتالي: 89.9 مليون دولار لشراء معدّات وتكنولوجيا «هواوي»، و35 مليون دولار بدل الأشغال العامّة، فيما توقّعت نمو الإيرادات بمعدّل 5% سنوياً عند إنتهاء عمليّة ترقيّة شبكة الجيل الثالث وتركيب كلّ المواقع والمحطّات الجديدة.
شبهات الفساد حول الصفقة!
في الواقع، تأتي هذه الصفقة باسم معدّل بعنوان ترقية شبكة الجيل الثالث، لخطّة استبدال شبكة الجيل الثاني التي كشفت عنها «الأخبار» في العدد رقم 3205، في 20 حزيران الماضي، تحت عنوان «استبدال شبكة 2G: هدر 75 مليون دولار»، والتي أثارت سلسلة من الاعتراضات. كما أنها أجريت بعقد بالتراضي بقيمة 125 مليون دولار، وهو ما يفوق قيمة تركيب الشبكة نفسها البالغ 117 مليون دولار، وذلك بعدما ألغت وزارة الاتصالات مشروع الـSingle Ran الذي أعلنت عنه في كتابها رقم 17 ــــ 0762 تاريخ 10 تموز الماضي القاضي باستدراج عروض من «هواوي» و«نوكيا»، فضلاً عن تجاهل العروض الماليّة المقدّمة من موردي الجيل الرابع والتي طلبتها وزارة الاتصالات أيضاً بموجب كتابها رقم 3506/1/M في 30 آب الماضي، فيما تشير المصادر إلى أن «الجرّاح وافق على الصفقة في 8 تشرين الثاني الجاري، وأرسلها إلى «تاتش» في اليوم نفسه، ولكن موقّعة بتاريخ سابق لاستقالة الحريري (3/11/2017)، وذلك لتغطية قراره بعامل الوقت والحيلولة دون الاعتراض عليه كونه صدر في فترة يعدّها فريقه السياسي نفسه فترة تصريف أعمال».
لا تتوقّف شبهات الفساد عند هذا الحدّ، يقول خبراء في الاتصالات إن «قيمة الصفقة مضخّمة جداً، إذ لا حاجة لاستبدال معدّات الجيل الثاني من «ZTE» بمعدّات من «هواوي» خصوصاً أن صلاحياتها لا تنتهي قبل العام 2025، وأن قيمتها الراهنة بحسب «تاتش» نفسها تقدّر بـ53 مليون دولار. كما أن ترقية شبكة الجيل الثالث التي ركّبت بالكامل بمعدّات من هواوي، من المفترض أن تقوم بها شركة أخرى منعاً لتغطية «هواوي» للثغرات الموجودة في الشبكة الحالية التي ركّبتها سابقاً أو التلاعب في الكشف عنها. فضلاً عن أن السياسة السليمة للطرح المقترح من الوزارة كانت تقضي باستبدال معدّات الجيل الثاني وترقية الجيل الثالث مجاناً عند تنفيذ شبكة الجيل الرابع التي بلغت قيمتها 90 مليون دولار، وانتهت «هواوي» من تركيبها مطلع العام الحالي. في حين أن تركيب نحو 428 محطّة بتقنية U9000 بالقيمة التي نفّذت فيها شبكة الجيل الرابع لن تكلّف أكثر من 12.5 مليون دولار (بلغت قيمة المحطّة الواحدة نحو 29 ألف دولار)، علماً أن هذه المحطّات التي تحسّن التغطية والارسال داخل المباني، لا تعمل بفعاليّة إلّا في المدن المحاطة بمجمّعات وأبنية، لا في المناطق المرتفعة أو الفارغة من البناء حيث مشكلات التغطيّة وسوء الإرسال أكثر انتشاراً».