لم يهدأ نشاط القصر الجمهوري منذ إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته السبت الماضي. في الجولة الأولى، عقد الرئيس ميشال عون اجتماعات ذات طابع تشاوري ــ تنسيقي لامتصاص الصدمة السياسية والمالية التي أحدثتها الاستقالة ورسم صورة واضحة عن ملابساتها ومصير الرئيس سعد الحريري وعائلته.
وبدأت أمس الجولة الثانية مع إعلان الرئيس أمام وفد من الهيئات الاقتصادية أنه لن يتنازل عن كرامة لبنان بسبب ضغوط على الليرة أو تهديد بترحيل للبنانيين أو بإقفال للحدود. موقف عون المتقدم وغير المسبوق، فاجأ بعض ممثلي الهيئات الذين اعتادوا الخضوع لعمليات الابتزاز التي مارستها السعودية في السنوات الماضية بالتهديد بترحيل لبنانيين وقطع الحدود أمام الصادرات اللبنانية كلما رفض أحدٌ الخضوع لسياساتها، وهؤلاء كانوا قد اعترضوا على البيان الأخير للهيئات لتضمينه عبارة «التريّث (في بت الاستقالة) لحين عودة دولة الرئيس إلى لبنان». الإمساك السعودي بلبنان من يد المغتربين والحدود الاقتصادية ليس خياراً بالنسبة الى عون، رغم أن ممثلي الهيئات قلقون من الجنون السعودي الذي لا يتورّع عن تكرار السيناريو القطري ومقاطعة دول الخليج الفورية لقطر، استجابة للرغبات السعودية.
هذا السيناريو كان الهاجس الأساسي في لقاء عون بوفد الهيئات، لكن رئيس الجمهورية بدأ بسرد تفاصيل الاتصال الهاتفي من الحريري بعد إعلان الأخير استقالته على تلفزيون العربية: «كان صوته مخنوقاً». وبحسب مصادر الهيئات، فقد أعرب عون امام الوفد عن استيائه «من طريقة التعامل السعودية مع لبنان والإهانة التي وجهتها للدولة وللطائفة السنيّة». الإهانة ليست من طريقة الاستقالة وملابساتها فحسب، بل مما انكشف لاحقاً من معطيات عن «كون الحريري محتجزاً في السعودية وقد جرى تحويل منزله إلى ثكنة محصّنة قبل أن يسمح له بزيارة لمدة 5 دقائق مع الملك السعودي وسفر ساعتين ونصف الساعة ذهاباً وإياباً إلى أبو ظبي للقاء ولي العهد محمد بن زايد لمدّة 15 دقيقة!».
رغم ذلك، تمنى الرئيس عون «ألا يستمر الخطأ في هذا النوع من التعامل مع لبنان. لبنان سيبقى مع الشعب السعودي واحدا، وهذا البلد بلدهم»، إلا أنه «لم تكن لدينا أي مشكلة قبل أن نفاجأ بالرشقات تأتي من التغريدات الاستفزازاية والمسيئة لنا من دون وضوح السبب».