في الأسابيع الأخيرة، توالى سقوط معاقل داعش، وتمكن تحالف مدعوم أميركياً من تحرير عاصمة خلافته المزعومة، الرقة السورية، ثم استعادت قوات سورية السيطرة على محافظة دير الزور الغنية بالنفط.
ولكن بعدما قامت تجربة التنظيم الإرهابي في بناء دولة، على الاغتصاب والاستعباد والقتل، باتت تقترب من نهايتها، ونشطت جبهة إرهابية أقدم منه، وبهدوء، على إعادة بناء صفوفها.
وكتب أدريان ليفي، صحافي شارك مع الصحافية كاثي سكوت كلارك في تأليف كتاب “هروب أسامة ابن لادن”، في مجلة “ذا أتلانتيك”، أنه رغم الحملة المكلفة التي شنها الغرب ضد الإرهاب، انتعش القاعدة، وتحققت عودته عبر صفقة كبيرة عقدها مع إيران.
سر مفضوح
ولفت الباحثان إلى ما أشار إليه اخيراً الرئيس الأميركي ترامب عندما قال إن علاقة القاعدة بإيران هو ما برر له عدم المصادقة على الصفقة النووية. وفي مواجهة معارضة أوروبية لتلك الخطوة، نوه مدير سي آي أي، مايك بومبيو، لكون الصفقة بين القاعدة وإيران كانت بمثابة” سر مفضوح” خلال عهد أوباما. وفي الأسبوع الماضي، كشفت سي آي أي عن رزمة جديدة من الوثائق التي تم الاستيلاء عليها إبان الغارة، في 2011، على مجمع أسامة بن لادن في آبوت أباد، باكستان، والتي أدت إلى مقتله.
تسليح وتمويل
ويقول كلارك وليفي إنّ تلك الوثائق كشفت بالتفاصيل، من بين عدة أشياء، كيف لجأ حمزة، ابن أسامة بن لادن، إلى إيران وعاش في أمان وحتى أنه تزوج هناك. وبحسب وثيقة من 19 صفحة، جرت مفاوضات بين القاعدة والحرس الثوري في طهران حول تمويل وتسليح التنظيم الإرهابي، بحيث يتمكن من ضرب أهداف أميركية.
دليل هام
وبحسب الباحثين، في السابق، نفى عدد من المعلقين وصناع السياسة الأميركية، وجود مثل تلك العلاقة، واعتبروا ما يجري الحديث عنه مجرد مبالغات يطرحها البيت الأبيض وحلفاؤه من أجل تبرير موقف الإدارة العدائي تجاه إيران. ولكن برز دليل جديد هام، من ضمنه لقاءات جرت مع زعماء من القاعدة ومع بعض أفراد أسرة أسامة بن لادن، وجمعها صحافيون وكتاب، خلال السنوات الخمس الأخيرة. فقد كشف النقاب عن فترة مثيرة تلت هجمات 9/11، وفضحت علاقة إيران بالقاعدة.
عملاء سريون
ويقول كلارك وليفي إنهما أجريا بحثاً مستفيضاً أوضح لهما كيف نجح عملاء سريون، عملوا لصالح الدولة العميقة في إيران، في التوصل إلى صفقة، قبل أكثر من عشرين عاماً، بعدما رفض صدام حسين طلباً تقدم به القاعدة، للحصول على مساعدة عسكرية.
وانتعشت الصفقة، في عهد جورج بوش، عندما عملت قناة خلفية بين البيت الأبيض وطهران، من 2003-2001، على بحث تلك المسألة مراراً. ويؤكد مسؤولون سابقون في وزارة الخارجية الأميركية ومن البيت الأبيض ممن شاركوا في تلك المحادثات، أن مكتب نائب الرئيس اقترح على البيت الأبيض عدم القيام بأي شيء، خشية أن يقوض ذلك الحملة لخلع صدام حسين، والتي بنيت على أساس مزاعم أنه رعى القاعدة، وأخفى أسلحة دمار شامل.
وفي نهاية المطاف، وبحسب نفس المصادر، قال مكتب نائب الرئيس للمبعوثين إلى إيران وأفغانستان، إنه حال تغيير النظام في العراق، سيأتي الدور على إيران.
ضغوط
ويشير الباحثان إلى ما جرى في 2010، عندما وافق فيلق القدس، وبضغط من القاعدة، على السماح لأسرة أسامة بن لادن لمغادرة إيران، فسمحوا لابنه حمزة ولأمه بمغادرة قاعدتهما في طهران. وقد طلبا بداية السفر إلى قطر بحجة أن حمزة يريد استكمال دراسته هناك، ولكن فيلق القدس أصر على أن يعبر حمزة وأمه الحدود نحو باكستان.
وتشير الوثائق لتمكن أم حمزة من الوصول إلى أبوت أباد، معقل أسامة ابن لادن، قبل مقتله بعدة أشهر، فيما بقي حمزة مختبئاً داخل مناطق قبلية، قبل أن يتمكن أخيراً من تمضية 12 ساعة في صحبة أبيه الذي كان أجبره على المغادرة. وقد جرى ذلك قبل ساعات قليلة من وصول قوات خاصة أميركية إلى معقله، ومن ثم قتله.
ويختم كلارك وليفي بحثهما بالإشارة لتمكن القاعدة من إعادة بناء قوته، في ظل توزع قادته ما بين إيران وباكستان وسوريا، لدرجة أنه بات قادراً على تجنيد آلاف المقاتلين. وهكذا وجد القاعدة في حزب الله وفيلق القدس مثالين يحتذي بهما لكي يبرز من جديد.