كتب آلان سركيس في “الجمهورية”:
لا يملك أيُّ مسؤولٍ لبنانيّ جواباً شافياً عمّا ينتظر لبنانَ في المرحلة المقبلة، حتى إنّ غالبيتهم الساحقة لا تعلم ماذا حدث قبل وأثناء إستقالة الحريري وكيف وصلتِ الأمورُ الى هذا النحو، فيما التخبّط يرافق معظمَ القوى إن كانت في «8 أو 14 آذار».
لا يختلف إثنان على أنّ المشهدَ الذي ارتسَم أخيراً تملؤُه غيومٌ داكنة، وهذا الأمرُ تنبّهت إليه الدولُ الصديقة للبنان، ولعلّ أبرزَها فرنسا التي أطلقت حراكاً على أعلى المستويات وصل الى حدّ ذهاب رئيسها إيمانويل ماكرون الى الرياض ولقائه وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للاطّلاع على حقيقة الوضع، وما يمكن فعلُه لإحتواء عاصفة الإستقالة وعدم تأثيرها على لبنان.
وفي السياق، بدأت المواقفُ الدولية تتوالى، حيث أكّدت واشنطن أنّ «الحريري شريكٌ قوي، ولا نقبل بسلطة الميليشيات على أرض لبنان ونحن مع استقرار لبنان»، فيما حرصت المواقف العربية في معظمها، وأبرزها الأردن ومصر، والأوروبية على عدم نشر الفوضى والذهاب الى المجهول، وتعريض السلم الأهلي لأيِّ خضّة. وفي السياق، تحرّكت مصر عبر وزير خارجيّتها سامح شكري للملمة الوضع اللبناني في محاولةٍ لإيجادِ مخارج.
وأمام هذه الأزمة السياسية المستجدّة والتي لا يعلم الجميع كيف بدأت وكيف ستنتهي، ما زالت الدولُ الكبرى مصمِّمةً على بقاء الستاتيكو الذي كان قائماً في لبنان منذ العام 2011، وهو إبقاء الساحة اللبنانية بعيدة من نزاعات المنطقة، وعدم نقل المعركة الى الداخل اللبناني.
وتؤكّد مصادرُ ديبلوماسية أنّ الحراك الدولي يتركّز الآن على شقّين، الأول هو الحفاظ على الإستقرار وعدم ذهاب المواجهة السياسية الكبيرة الى مواجهة عسكريّة على شاكلة حرب أهلية، والثاني هو فصل المواجهة بين واشنطن والرياض مع إيران و«حزب الله» من جهة، عن المواجهة مع لبنان.
وتذهب المصادرُ إلى التأكيد أنّ الحفاظ على الاستقرار أولوية أميركيّة، وأوروبية، وقد ظهر هذا جلياً من خلال التحرّك الفرنسي والبريطاني السريع للاطّلاع على حقيقة الوضع في الرياض، لأنّ الفوضى في لبنان ستنتج عنها عواقبُ وخيمة، وقد تطاول النارُ التي ستشتعل فيه أوروبا خصوصاً إذا إنهارت الدولة وتحوّل لبنان مُصدِّراً للنازحين والإرهاب الى الغرب.
كما أنّ واشنطن أرسلت رسالةً إيجابيةً ومطمئِنة الأسبوع الماضي، تمثّلت في منحِ الجيش اللبناني مبلغَ 42 مليون دولار، ما يؤكّد أنّ السياسة الأميركيّة تجاه لبنان لم تتغيّر.
وفي موازاة كل هذا، تستمرّ الإدارةُ الأميركية في توجيه رسائلَ شديدة اللهجة الى إيران و«حزب الله»، حيث تشدّد المصادر الديبلوماسيّة على أنّ واشنطن تعمل لتخليص لبنان من الهيمنة الإيرانية عبر «حزب الله» وليس تدمير لبنان ومعاقبة شعبه وتجويعه، وفرضِ عقوباتٍ إقتصاديّة تحوّله دولةً شبيهةً بكوريا الشماليّة.
وتؤشر المعطيات الى تصاعد الضغط السعودي والعربي والأميركي على إيران، لكن وفق أجنداتٍ مختلفة، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد إلغاءَ الاتّفاقَ النووي مع طهران، في حين تتمسّك الدولُ الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا به، لكنّ أيّاً من هذه الدول لا يريد أن يصبحَ لبنان تحت النفوذ الإيراني بالكامل، لأنّ لكلّ واحدة منها أسهماً في النفوذ وإن كانت النسبة متفاوِتة.
عاش لبنان نحو عامَين ونصف العام بلا رئيسٍ للجمهورية، ولم ينهَر الوضعُ أو تصل البلاد الى مرحلة الحرب الأهلية، لكنّ الخطورة تكمن في ما يروّج له البعض من أنّ البلاد دخلت أزمةً حكوميةً طويلة، فلا تشكيلَ حكومة جديدة قبل حلّ أزمة سلاح «حزب الله»، ومعروفٌ أنّ هذا السلاح مرتبطٌ بملفات المنطقة أكثر منه بالأجندة اللبنانية.
فالفرجُ الذي كان ينتظره اللبناني هو إنتخابُ رئيسٍ للجمهورية، أمّا الآن وقد إنتُخب العماد ميشال عون رئيساً، فهل سيدعو إلى طاولة حوار يتّفق خلالها اللبنانيون على إستراتيجيةٍ دفاعيةٍ جديدة لم يتّفقوا عليها سابقاً، وماذا بالنسبة الى الدول التي تركت لبنان يسقط تحت النفوذ الإيراني، فهل تملك حلولاً، أو إنها تخوضُ معركةً غيرَ معروفة النتائج؟
عام 1969، تعطّل عملُ المؤسسة الحكومية بعدما عادى قسمٌ من اللبنانيين الدولة التي رفضت التنازلَ عن سيادتها للفدائيين الفلسطينيين، من ثمّ تألّفت أوّلُ حكومة بعد توقيع «إتفاق القاهرة» الذي تنازلت فيه الدولةُ عن سيادتها للعمل الفدائي الفلسطيني وأدّى الى الحرب الأهلية.
فهل دخل لبنانُ مرحلةً تحضيريةً لـ«إتفاق قاهرة» جديد يقهر الشعبَ اللبناني مجدّداً؟ وهل تحضّر الدول الكبرى لمثل هكذا سيناريو بعد أن يدرك الجميع أنّ أحداً لا يمكنه الإنتصار على الآخر في لبنان؟ فيما الحلّ يبدو واضحاً وهو عودة الجميع الى لبنانيّتهم، وحصر السلاح في يد الجيش اللبناني والقوى الشرعية فقط لاغير، لأنّ الحلولَ الجزئية لأزمة الدولة ستعيد تفجيرَ الوضع بعد حين.