كتبت رولا حداد:
وأخيراً أطل الرئيس سعد الحريري وأفرغ ما في جعبته، بعد طول تحليلات خيالية لا بل “جايمس بوندية” لأركان الممانعة في لبنان.
على عكس كل التوقعات، لم يقم سعد الحريري بانقلاب في مواقفه، ولا حتى بانقلاب على التسوية الرئاسية التي حصلت في لبنان. حافظ على مودته وتودده لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون. في العمق لم يهاجم حتى “حزب الله”، إنما كان واضحاً جداً في أنه من غير المستحيل الإكمال في مسار انتهاك التسوية الرئاسية، وخصوصاً في كل ما يتعلّق بتحييد لبنان عن سياسة المحاور الإقليمية، وضرورة أن ينأى لبنان بنفسه عن كل ما يجري في محيطه من سوريا إلى اليمن وما بينهما.
لعل الأكثر تأثيراً في مقابلة الحريري بالأمس هو حين “غصّ” وهو يقول: “لماذا نفعل ذلك في بلدنا؟”، وقد بدا وكأنه يتوجه إلى “حزب الله” بالقول لم أوصلتمونا إلى هذا الواقع بسبب تدخلاتكم الخارجية.
تكلم الحريري بلغة لبنانية صرف، وليس بلغة سعودية كما كان يظن البعض. تحدث انطلاقا من وجع كل لبنان يطمح الى استقرار بلده، وتحييده عن الانغماس في حروب المنطقة ومواجهاتها. أشار ضمنياً إلى أن اللبنانيين في السعودية والخليج باتوا أمام خيارين: إما أن يتوسعوا في أعمالهم واستثماراتهم وخصوصاً مع الإشارة الى مشروع “نيوم” الذي يمكن أن يكونوا جزءًا منه، وهو المشروع الضخم والذي يمتد في 3 دول خليجية، وإما أن يكونوا عرضة للإجراءات القاسية إذا استمرّت السلطة السياسية في لبنان في الانخراط في محور معادي للعرب، أو على الأقل في التغطية عليه!
تحدث الحريري بلغة المصلحة اللبنانية العليا، في مواجهة من يرفع لواء المصالح الإيرانية، ولكن القلق كبير إزاء الإجابات المسبقة التي قدّمها الفريق الآخر، وتجلّى عنوانها في “مقاطعة” أو إرغام 6 محطات تلفزيونية على مقاطعة نقل مقابلة الحريري، ما يعني رفضاً مسبقاً لكل الطروحات، مع العلم أن طروحات رئيس الحكومة المستقيل جاءت تحت السقف التسوية الرئاسية!
اعتمد الحريري، ومن خلفه السعودية، أقصى درجات المنطق، وخفّضوا سقف المطالب إلى حد الإشارة أكثر من مرة الى ضرورة وقف التدخل في اليمن. لكن الأسئلة العميقة تتصل بمدى قدرة “حزب الله” على اتخاذ أي قرار أو مبادرة إقليمية، كمثل انسحابه من اليمن ووقف تدريب الحوثيين، قبل أن نتحدث عن قضية الانسحاب من سوريا.
وهنا نصل إلى لبّ المشكلة: هل سيقبل “حزب الله” بان يعود إقليمياً وأن يتوقف عن أن يكون أداة في يد الحرس الثوري في حروب المنطقة؟ هل يتعظ من الرسالة السعودية الحازمة التي حملها الرئيس سعد الحريري لإنقاذ لبنان؟ أم يستمرّ في مغامراته الإقليمية ضارباً عرض الحائط بكل المصالح اللبنانية؟
والأهم هو هل يلاقي “حزب الله” النبرة الهادئة للحريري في منتصف الطريق، فيبادر إلى إعلان وقف تدخله في شؤون الدول الخليجية، أم يكابر ويعتبر السقف المقبول في كلام الحريري دليل ضعف وعجز سعوديين فيقرر الاستمرار في المواجهة؟
الثابت الوحيد هو أن لبنان على مفترق طرق خطر جداً، فإما يبادر الجميع الى اتخاذ القرار التاريخي والجريء بتحييد لبنان، وإما نعرّض أنفسنا للدخول في عين العاصفة الإقليمية التي إن ضربتنا لن يخرج منها أي منتصر.
سعد الحريري قال ما لديه… فهل من يسمع ويتجاوب قبل فوات الأوان؟