كتب طوني أبي نجم
ليس تفصيلاً أن يقوم البطريرك الماروني السابع والسبعون، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وعلى رأس وفد من المطارنة الموارنة، بزيارة تاريخية إلى المملكة العربية السعودية.
هي زيارة تعكس تحوّلاً تاريخياً في نهج المملكة، الذي تبدّل كلياً مع وصول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي أنجز في أشهر قليلة ما عجز عنه الآخرون في عقود طويلة.
بن سلمان الذي يعمل بسرعة هائلة على نقل السعودية سنوات ضوئية إلى الأمام، وبخطوات خرقت كل المحظورات في مجتمع بقيت تحكمه لعقود تقاليد قاسية، تمكن من أن يختار لوطنه نهج الحداثة والانفتاح، ليفتح صفحة جديدة في تاريخ المملكة.
من هذا المنطلق جاءت دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وبعيداً عن السياسات الضيقة والمواجهات الإقليمية على حد سواء. هكذا تلاقت إرادة الأمير محمد بن سلمان مع رأس الكنيسة المارونية المقاومة، لتكون الزيارة إلى السعودية عنواناً لحوار الأديان والحضارات في زمن ينزلق إلى “صراع الحضارات”!
أراد بن سلمان والراعي أن تشكل الزيارة مساحة للتلاقي والتسامح في زمن التطرّف والتعصّب الأعمى، وأن تفتح نافذة ضوء على الأمل في مواجهة ظلمة الأحقاد التي تعمّ المنطقة.
تشكل هذه الزيارة فعل انغماس محبة بين أبناء هذه الأرض، بين المسيحيين والمسلمين الذين يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم، كأبناء دول عربية تجمعهم قضايا مشتركة ومصير مشترك، تماما كما يجمعهم تاريخ مشترك كالذي جمع يوماً “فتى العروبة الأغر” الرئيس- الملك كميل شمعون بالملك سعود بن عبد العزيز.
أما مستقبل هذه العلاقة فيصونه اليوم أمير شاب وولي عهد هو محمد بن سلمان، الذي يدرك تمام الإدراك أن قدر السعودية ولبنان، وتحديدا قدرها مع مسيحيي لبنان، أن يشكلوا النموذج الخلاّق للحوار والتفاعل في مواجهة التطرّف والمحاولات اليائسة للمحور الفارسي لوسم السعودية بأنها بيئة حاضنة للتكفيريين.
سأل الكثيرون مشككين: هل سيزور بطريرك الموارنة السعودية واضعاً صليبه؟ فأتاهم الجواب الصاعق: صليب البطريرك، صليب المسيحيين، موضوع ترحيب وحفاوة بالغين في مملكة الخير، تماما كما راس الكنيسة المارونية وجميع مرافقيه. لا بل إن البطريرك حظي بهدية ترميم كنيسة أثرية يعود عمرها إلى أكثر من 900 سنة، في ما يشبه الإعلان السعودية عن ملاقاة الانفتاح الكامل الذي كان انطلق قبل أعوام في دول خليجية عدة.
ها هو محمد بن سلمان يكسر كل القيود، ويحطّم الصورة النمطية والجامدة التي يريد حصر السعودية بها، وها هو البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يلاقي اليد الممدودة والرغبة العارمة للتلاقي والتفاعل والحوار.
حين كنت أتابع مشاهد الحفاوة البالغة في استقبال البطريرك الماروني والوفد المرافق في الرياض، مرّت في ذاكرتي صور تغطية إيطاليا للتماثيل العارية خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إليها.
هي المملكة العربية السعودية تخطو خطوات عملاقة نحو الانفتاح والحداثة، ومن يتهمها بالتعصّب يعيش حالة من الانغلاق. إنها بداية مسيرة واعدة لـ”مملكة الخير”، ولن ينجح أحد في مواجهة توق قيادتها الجديدة إلى نقلها إلى عصر الحداثة والتفاعل الحضاري.