كتبت رولا حداد
ما يجري في لبنان في المرحلة الأخيرة يفوق أي وصف. تحوّل جميع اللبنانيين، وبالجملة، إلى مجموعة “نسوان فرن”، لا يجتمعون بالضرورة في أحد الأفران، إنما يدمنون “اللتلتة” عبر هواتفهم “الذكية”.
هكذا غرقنا في القرقعة الفارغة والأسئلة السخيفة عن “صليب البطريرك”، وفي البحث في الصور وبين عباءة البطريرك وجبّته البطريركية، وكأن سليل مار يوحنا مارون ينزع صليبه!
قبل البطريرك كان دور الإعلامية الزميلة بولا يعقوبيان التي أجرت المقابلة التلفزيونية مع الرئيس سعد الحريري، فـ”لتلت” اللبنانيون عبر تناقل إشاعات كاذبة عبر هواتفهم، وفيديوهات مع سيناريوهات مشوّهة… والهمّ، كل الهمّ فعل “اللتلتة” عبر الـshare والـretweet عبر مواقع التوصل الاجتماعي والـbroadcast لمجموعات كبيرة عبر تطبيق الواتساب!
لا يهم التأكد من أي حقيقة، المهم نشر الأخبار أو الإشاعات لا فرق! وإذا فرغوا من الإشاعات، لا بأس بنشر النكات السخيفة، فالمهم “اللتلتة” بغض النظر عن الموضوع وأهميته، لا بل خطورته!
لا يهمّ توتير البلد وزيادة نسبة التشنّج، ولا يهم نشر الأخبار الكاذبة، من صليب البطريرك، مرورا بالسيناريوهات الوهمية والخيالية التي أحاطت مقابلة الرئيس الحريري، وليس انتهاء بالفبركات المشبوهة حول زواج ثانٍ مزعوم للواء أشرف ريفي من عقول مريضة، واللبنانيون ينشرون للذة النشر و”اللتلتة” من دون التأكد من اي مصدر للأخبار. يكفي ان يصلهم أي شيء لينشروه، ويكفي أن يمر امامهم على الفايسبوك أنو تويتر أي خبر ليعيدوا نشره من دون تكبّد عناء التأكد من مصدره ودقته!
هكذا تحوّل لبنان إلى فرن كبير، وجميع اللبنانيين إلى نسوان هذا الفرن لا هم لهم غير نشر الأخبار والإشاعات السخيفة!
وما يزيد في الطين بلة، أن عصر “الهواتف الذكية”، حوّل اللبنانيين إلى مجموعة من اللامبالين والخمولين، تشلّهم البلادة، ولا يقومون بأي ردّ فعل على أي حدث، باستثناء عبر هواتفهم الذكية. فهذا يعترض على تويتر، وتلك تستنكر على فايسبوك، وهؤلاء يفتحون صفحة للاستنكار!
نسي اللبنانيون طريق الشارع والساحات. تناسوا أن التغيير لا يتحقق عبر “الهواتف الذكية”، بل على وقع الأقدام وهتاف الحناجر في الساحات. يطمرون رؤوسهم في الرمال لكي لا ينظروا إلى تقاعسهم، ويوهمون أنفسهم بأن الدنيا بألف خير.
ربما كان من حسن حظ الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005، أو من سوء حظ بشار الأسد يومها، أن “الهواتف الذكية” لم تكن أبصرت النور بعد، فاضُطر اللبنانيون يومها إلى التعبير في الشارع، وتحديداً في ساحة الشهداء. ويقيناً لو كنا يومها في عصر “الهواتف الذكية” لما كان ربما تواجد في ساحة الحرية في 14 آذار 2005 سوى بضع مئات أو بضعة آلاف من اللبنانيين، نصفهم يكون نزل ليأخد “سلفي” أو يصنع Story على موقع إنستغرام!
إيها اللبنانيون،
تخلصوا من “هواتفكم الذكية” قبل أن تخسروا ما بقي لكم من كرامة ووطن. أوقفوا “اللتلتة”… وانتفضوا، علّكم تنقذون وطنكم الذي يضيع وأنتم تتابعون الـnewsfeed على شاشات “هواتفكم الذكية”!