Site icon IMLebanon

وزير المال: إصدار “يوروبوندز” بـ1.75 مليار دولار خلال أيام

كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:

يعود «الهمّ النقدي» إلى الواجهة من بوابة البلبلة التي أثيرت، في غير وقتها، حول إصدار سندات يوروبوندز بقيمة 1.75 مليار دولار. ففيما تأكّد وجود تباين، أو سوء فهم، بين وزارة المال ومصرف لبنان لجهة مصير الإصدار في عزّ أزمة احتجاز رئيس الحكومة وعائلته في السعودية، يظهر بوضوح أن الاصدار ينطوي على أهداف نقدية لتمكين مصرف لبنان من السيطرة على الكتلة النقدية بالعملات الأجنبية وضمان عدم خروجها من لبنان، وعدم ضخّ سيولة كبيرة بالليرة قد تموّل الطلب على الدولار.

حسم وزير المال علي حسن خليل كل النقاش الدائر في شأن إصدار وزارة المال سندات «يوروبوندز» بقيمة 1.75 مليار دولار، وقال لـ«الأخبار» إن الوزارة أنهت التحضيرات لتنفيذ العملية المتفق عليها مع مصرف لبنان خلال «يومين أو ثلاثة». وتشمل هذه العملية، وفق خليل، أن يكتتب مصرف لبنان بكل السندات التي تصدرها الوزارة، على أن يسدّد قيمة اكتتاباته بسندات بالليرة اللبنانية بفائدة 1%، ما يحقق وفراً على الخزينة بقيمة 300 مليار ليرة.

وأوضح وزير المال أن هذا الإصدار لا يندرج في سياق أي عمليات خاصة، بل يأتي من ضمن استراتيجية الدين التي تنفذها الوزارة، وضمن الاتفاق مع مصرف لبنان، وأنه إصدار مدرج ضمن جدول الإصدارات الاعتيادية لتأمين حاجات الدولة للسنة المقبلة، والتي تصل إلى 8 مليارات دولار.

أي كلام في غير هذا السياق لا يقع في محله. البلبلة التي أثيرت في اليومين الماضيين مصدرها بعض التسريبات والتصريحات التي أظهرت وجود تباين بين مصرف لبنان ووزارة المال حول الإصدار وتوقيته ومصيره. وبحسب مصادر معنية، فإن ما جرى تناقله عن الإصدار يعبّر عن خفّة في التعاطي مع مسألة بهذه الحساسية. فقد بدا أن هناك تبايناً بين وزارة المال ومصرف لبنان بسبب تسريب الخبر لوكالة «رويترز»، تلاه تصريح غير مدروس لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مؤتمر في لندن ظهر وكأنه ردّ على التسريبات.

ترك هذا التخبّط وسوء التنسيق ومحاولات التلميع غير الموفقة انطباعاً سلبياً في السوق، إذ تحوّل بعض كبار المصرفيين إلى منجّمين باحثين عن حقيقة ما يحصل، ولم يعد أي منهم قادراً على الإجابة على التساؤلات المثارة من المهتمين، خصوصاً ما قاله سلامة في كلمته أول من أمس في مؤتمر «Lebanese Banking Forum» عن انه «لا إصدار يوروبوند مرتقب ولا نيّة لإصدار جديد في نهاية العام». وقد وردت هذه العبارة في نهاية المقطع الذي عرض فيه سلامة للاتفاق مع وزارة المال على «إجراء عملية تبادل، بحيث تصدر الحكومة سندات يوروبوند بقيمة 1.750 مليار دولار، يسدّد البنك المركزي قيمتها عبر تحويل سندات بالليرة اللبنانية من محفظته إلى وزارة المال». وأوضح أن هذا الاتفاق جاء ««قبل الأزمة السياسية الراهنة وقبل اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منتصف تشرين الأول في واشنطن». لكنه أضاف: «قمنا في تشرين الأول في واشنطن بإطلاع صندوق النقد الدولي على هذه العملية. لهذا السبب، سدّدت وزارة المال نقداً السندات المستحقة في تشرين الأول من دون إصدار سندات بديلة في السوق. لا إصدار يوروبوند مرتقب ولا نيّة لإصدار جديد في نهاية العام».

إذاً، هل قصد سلامة أنه لا إصدار يوروبوندز للسوق، وأنه سيقوم بالاكتتاب بكامل قيمة الإصدار وحده؟ أم قصد أن الإصدار مؤجل إلى ما بعد الأزمة السياسية المتعلقة بالرئيس سعد الحريري والسعودية؟ وما هي العلاقة بين إطلاع صندوق النقد على الاتفاق وبين تسديد وزارة المال السندات نقداً، وعن أي سندات يتحدث؟

في الواقع، جاء كلام سلامة بعد خبر نشرته «رويترز» واستقت معلوماته من «مسؤولَيْن في وزارة المال». يشير الخبر إلى أنه كان هناك «تأجيل لصفقة إصدار سندات يوروبوندز بقيمة 1.7 مليار دولار ومبادلتها بسندات خزينة بالليرة من محفظة مصرف لبنان». لكن واحداً من المسؤولَين، قال إن «التاجيل مؤقت أثناء قيام السلطات بمراقبة الوضع. لكنها الآن ستمضي قدماً». وأضافت الوكالة أن «إصدار السندات الآن يظهر أن الوزارة واثقة بأنه يوجد دعم في الأسواق الدولية والمحلية… والهدف إصدار السندات بأسعار جيدة وبأقل من متوسط كلفة الدين، على أن يحصل المصرف المركزي، في المقابل، على أوراق مالية يمكنه استخدامها في السياسة النقدية».

ما بين تصريح سلامة وتسريبات «رويترز»، بدا أن هناك أمراً مريباً. فقد بدا أن سلامة يتحدّث عن تسديد وزارة المال نقداً لاستحقاقات تشرين الأول وكأنه قصد الإشارة إلى استبدال الإصدار بهذه العملية النقدية حتى نهاية هذه السنة، وأنه لا جدوى من إصدار كهذا في ظل الأزمة الحالية. لكن مصادر في وزارة المال تؤكد أن الأموال التي دفعت لتسديد الاستحقاق هي مبالغ جرى جمعها في وقت سابق، وتحديداً في آذار حين جمعت وزارة المال مبلغاً كبيراً من إصدار بالعملات الأجنبية وأن قيمة هذا الاستحقاق المشار إليه زهيدة نسبياً.

وعلى فرض حسن النيّة بين الطرفين، فإن الإصدار يشكّل «هماً نقدياً» على مصرف لبنان سواء اتفق عليه قبل الأزمة ام بعدها ام في وقت آخر. فما يحصل عملياً، هو أن وزارة المال تحتسب كل حاجاتها التمويلية بالليرة والدولار وتقرّر كيفية الحصول على التمويل. لكن حسابات مصرف لبنان مختلفة، فهو يريد ان يضبط ويحدّد مسار هذه الكتلة النقدية الكبيرة. فعلى سبيل المثال، الحصول على مبلغ 1.75 مليون دولار من الأسواق ليس مستحيلاً وإنما مكلف جداً بعد الهندسات المالية التي نفذها مصرف لبنان للاستحواذ على كل الدولارات المتوافرة في السوق. المشكلة التي واجهت مصرف لبنان لاحقاً، أنه بنتيجة الهندسات، اضطر لضخّ كميات كبيرة من السيولة بالليرة في السوق، ما أجبره أيضاً على امتصاصها وتعقيمها لإبقاء الكتلة النقدية تحت السيطرة أيضاً. ومن المشاكل التي واجهت مصرف لبنان، واطلع عليها البنك الدولي، أن كلفة مجمل هذه العمليات «لتعقيم السيولة» على ميزانية المركزي كبيرة، وبالتالي فإن الأمر يتطلب عمليات من نوع آخر كالتي نفذت في آذار الماضي، اي أن يكون الهدف من الإصدار أن تموّل حاجات الدولة بالعملات الأجنبية ولا يكون هناك طلب على الدولار خارج عن السيطرة، وألا تنخفض احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بقيمة كبيرة هذه الفترة حتى لا يظهر أن الكلفة الكبيرة المدفوعة للهندسات المالية غير ذات جدوى.

هذا الأمر تطلب اتفاقاً بين وزارة المال ومصرف لبنان على الاستئثار بالإصدار وإبعاد السوق عنه. إلا أنه في ظل هذا الوضع، وبما أن لدى وزارة المال مداخيل بالعملات الأجنبية تستعملها لتسديد استحقاقات دين وعقود مشاريع واستيراد فيول أويل ومازوت وغيرها من المدفوعات بالعملات الأجنبية، وبما أن مصرف لبنان مجبر على دفع أي مبالغ تحتاجها الدولة بأي عملة كانت، فقد عمد الوزير علي حسن خليل إلى مفاوضة مصرف لبنان الذي «عرض علينا أن يكتتب بكامل قيمة الإصدار»، والموافقة على تسديد قيمة الاكتتابات بسندات خزينة بفائدة 1% توفّر علينا 300 مليار ليرة».