كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: لم تستطع قطر أن تخفي طويلا دورها في الأزمة اللبنانية وأفلت لسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بتكرار ما قاله جبران باسيل وزير الخارجية اللبنانية تماما في تحميل السعودية مسؤولية الأزمة مع لبنان وتبرئة حزب الله وإيران من ورائه.
وقال وزير الخارجية القطري إن “ما حدث لقطر يحدث الآن بطريقة أخرى للبنان”، وتابع إن “ما حدث بالضبط مع قطر قبل نحو ستة أشهر يحدث حاليا مع لبنان”، محمّلا السعودية مسؤولية الأزمة، وحاشرا الإمارات في ما يجري في لبنان حشرا ليسوّغ المقارنة بين الأزمتين.
ووصفت أوساط خليجية تصريحات الشيخ محمد بن عبدالرحمن بأنها تكشف الدور الخفي الذي تلعبه قطر في الأزمة، وخاصة في دفع مسؤولين لبنانيين إلى تصعيد الحملة على السعودية دون مسوّغات منطقية، ما يكشف عن وجود جهات محرضة وراء ذلك.
وأشارت هذه الأوساط لصحيفة “العرب” اللندنية إلى أن قطر تريد استثمار الأزمة اللبنانية عبر صبّ الزيت على النار لإلهاء السعودية عن مقاطعة الدوحة ومواصلة الضغط عليها لتقبل بالشروط الثلاثة عشر التي التزمت بأغلبها في 2013 و2014 من بوابة اتفاق الرياض.
وحذّرت الأوساط ذاتها بأن قطر تجلب على نفسها أزمات إضافية بهذا الموقف الذي لن يجعل السعودية تراجع موقفها بل سيزيد من التشدد تجاه الدوحة، وسيدفع نحو توسيع مدى المقاطعة لتشمل وقتا أطول ومجالا أوسع.
ومن الواضح أن الدوحة تضع المزيد من الألغام في طريق الوساطات، التي تلهث وراءها، بالانحياز لمواقف إيران وتركيا والاحتماء بهما بدل مواجهة الحقيقة بشجاعة والاعتراف بأنها تمارس سياسات مضللة تجلب الأخطار لها ولمحيطها الخليجي والعربي.
ويقول متابعون للشأن الخليجي إن انحياز قطر لحزب الله وإيران في الأزمة الحالية متوقع، فطالما قدمت الدوحة خدمات جليلة لهذا الحلف، خاصة في الحرب السورية من خلال عقد صفقات مشبوهة وتقديم فدى لمجموعات متشددة لإخراج الحزب الشيعي من ورطاته وإخراجه في صورة الطرف القوي.
لكن الطريف أن قطر التي تتحالف مع إيران لجأت إلى التخويف منها بافتعال قصة الطائرات التي تنطلق من أراضيها وتضطر إلى عبور الأجواء الإيرانية وعليها جنود أميركيون، وذلك لجذب واشنطن للوقوف ضد الرباعي المقاطع.
وقال وزير الخارجية القطري إن طائرات نقل قطرية من طراز سي-17، والتي تستخدمها الدوحة للدعم اللوجيستي للتحالف، اضطرت للطيران فوق إيران لأن السعودية والإمارات منعتا الطائرات القطرية من التحليق فوق مجالهما الجوي.
وأضاف الوزير “لذا إذا تصورنا حدوث أيّ حالة طوارئ، فإن تلك الطائرات سي-17 التي قد تكون تحمل قوات أميركية ستهبط في إيران”.
لكن الولايات المتحدة سارعت إلى تكذيب القصة القطرية المختلقة نافية أن تكون عناصر أميركية قد استعملت طائرات قطرية كانت قد عبرت أجواء إيران.
وقال اللفتنانت الكولونيل داميان بيكارت، المتحدث باسم القيادة المركزية لسلاح الجو الأميركي، “في الوقت الراهن، نحن على دراية بأنه لا توجد رحلات جوية قطرية لطائرات سي-17 اجتازت المجال الجوي الإيراني وهي تحمل شحنات للتحالف”.
واعتبر المتابعون للشأن الخليجي أن الدوحة تسعى لابتزاز واشنطن عبر افتعال هذه القصة، وكأنّ القطريين قد غامروا بنقل جنود أميركيين وعتاد عبر أراضي إيران دون معرفة القيادة الأميركية، لافتين إلى أن الرسالة تهدف إلى تليين موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب المتشدد تجاه إيران بإظهارها في ثوب الدولة المتسامحة مع الأميركيين وتحركاتهم في الحرب على داعش.
ومن الواضح أن السلطات القطرية تطرق كل الأبواب لإقناع واشنطن بضرورة التحرك لإقناع السعودية بتخفيف المقاطعة عليها، بما في ذلك التخويف من خطر المقاطعة على الحرب ضد داعش، أو على أمن الجنود الأميركيين الذين يتنقلون من وإلى قاعدة العديد، لكن محاولاتها لم تلق تجاوبا من البيت الأبيض.
وقالت مراجع خليجية إنه بدل كل هذا الجهد الذي لا يأتي بأيّ نتائج كان على الدوحة أن تتجه رأسا إلى الرياض للبحث عن حل جدي ودائم والتوقف عن لعب أدوار أكبر من حجمها محليا ودوليا، خاصة أن القصة لا يبدو أنها ستنتهي قريبا، وأن الدوحة مهددة بخسائر كبيرة اقتصاديا وبفقد كل حظوظها في إنجاح كأس العالم لكرة القدم 2022 في ظل شكوك كبيرة بشأن الأمن في ضوء وجود عناصر وكيانات مصنفة إرهابية على المستوى الإقليمي على أراضيها.
وأشارت هذه المراجع إلى أن الارتقاء بالخلاف من حيزه الخليجي إلى حيز أكبر يجعل قطر هي الخاسرة، كما أن التورط في دعم حزب الله وإيران على حساب أمن السعودية ومصالحها القومية هو استهداف بالدرجة الأولى لأمن قطر في المستقبل.