Site icon IMLebanon

وجهاً لوجه مع القرارات المصيريّة

كتب فؤاد ابو زيد في صحيفة “الديار”:

من كان يظن ان خروج الرئيس سعد الحريري من الرياض الى باريس، سيكشف امامه الالغاز والاسرار التي احاطت باستقالة الحريري، خاب ظنّه، لأن تكتم الحريري عمّا دار بينه وبين الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في خلوتهما الطويلة، كان جزءاً، اغلب الظن، من صفقة توجّه الحريري الى فرنسا كمعبر الزامي للذهاب الى بيروت وحضور الاحتفال بعيد الاستقلال بصفته رئيس حكومة لبنان، واللقاء المفصليّ بعده مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

على الرغم من ان الغوص في شكليات الاستقالة، لا يزال يأخذ حيّزاً واسعاً من الاهتمامات، الاّ ان هناك شبه اقتناع عند الاغلبية الساحقة من اللبنانيين بأن الحريري لن يتنازل عن فاصلة واحدة مما ورد في استقالته، وان العهد امام خيار واحد من خيارين اثنين، احلاهما مرّ، امّا الاقتناع باستقالة الحريري واسبابها، والضغط على حليفه حزب الله، للانسحاب من صراعات المنطقة في هذه الظروف الملبّدة بكل سوء، او عدم الاقتناع بها حقيقة، او الشعور بصعوبة او باستحالة تنفيذها، والمجازفة بمحاولة تشكيل حكومة من لون واحد، ومواجهة الضغوطات السعودية والعربية والدولية، ومعارضة فريق واسع من الداخل اللبناني، والمنحى الذي سوف يأخذه العهد، قد ينكشف اليوم في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والموقف الذي سيتخذه لبنان.

في معلومات شبه رسمية، ان لبنان يعوّل كثيراً على تدخّل مصري، يقوده وزير خارجيتها سامح شكري، بتوجيه من الرئيس السيسي للحؤول دون الوصول الى مقررات، قد تطول لبنان، والدول العربية الاخرى التي تتحاشى اخذ مواقف متشددة ضد ايران وضد حزب الله، بما يسمح للبنان ببدء حوار وطني حول القضايا الخلافية التي أثارها الرئيس الحريري في فترة زمنية معقولة يتفق عليها الجميع، قبل الوصول الى المواقف الدرامية، وينقل عن مسؤولين سعوديين وحلفاء لهم، انه اذا اراد لبنان ان يحافظ على استقراره الامني والاقتصادي والمالي، فهناك طريق واحد، اما ان ينسحب حزب الله من الصراعات المسلّحة، وامّا ان ينسحب من الحكومة، وانسحابه هذا لن يكون جديداً او مفاجئاً، فهو لم يشارك يوماً في حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكان دائماً يحجب ثقته عنها، والسؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن، هل طالب وزراء الخارجية العرب بسحب سلاح حزب الله، ام يكتفون بادارنة تدخّله وتدخل ايران بالشؤون العربية؟

في نهاية الامر، يجب الاعتراف بأن استقالة الحريري، وبالشكل الدرامي الذي رافقها، قد أخرجت لبنان من سياسة نصف المواقف، وربط النزاع، والتسويات الموقتة، ووضعت الخلاف حول سلاح حزب الله، على طاولة مجلس الوزراء، وطاولة رئاسة الجمهورية، وعلى المسؤولين والقيادات السياسية والشعبية، ان ينزعوا الاقنعة عن وجوههم والقفازات عن ايديهم، ويعيدوا الى الديموقراطية الحقيقية ما سلبته منها الديموقراطية التوافقية، وليحكم لبنان من يحصل على الاكثرية النيابية في انتخابات حرّة ونزيهة وعادلة، وليتحمّل الجميع مسؤولية خياراتهم، واذا كان هذا الطرح لا يناسب البعض، ويرفضه البعض الآخر، فان الطروحات المنطقية الاخرى، مثل نظام اللامركزية الادارية والسياسية الموسّعة او النظام الفدرالي المبسّط، قد يكون احدهما الحلّ، الاّ اذا وجدنا انفسنا وجهاً لوجه امام التقسيم كحلّ لا بدّ منه.