كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
يُعرف عن التيار الوطني الحر، في العادة، استشراسه في خوض المعارك السياسيّة، و«عناده» الذي قد يصل إلى أعلى المستويات بغية تحقيق هدفه. لم يحصل ذلك في انتخابات نقابة المحامين في بيروت، التي جرت أمس. بدا التيار العوني من دون بوصلة، وكأنّ مركز النقيب ساقط من حساباته، ولا يُعوَّل عليه أهمية كُبرى. الدليل على ذلك، التضعضع الذي عاشه «التيار»، قبل أكثر من شهرٍ من تاريخ الانتخابات، وعدم حسم القيادة العونية لهوية مُرشحها إلى مركز النقيب، فتركت الانقسام بين العونيين يبلغ ذروته. برز توجهان: الأول يُمثله قسمٌ من العونيين وأعضاء هيئة المحامين في «التيار»، الذين أرادوا دعم ترشيح فادي بركات إلى مركز النقيب، بعد أن حاز غالبية أصوات المحامين العونيين.
أما القسم الثاني، فسوّق لترشيح فادي حداد إلى عضوية مجلس النقابة، مقابل دعم أندريه الشدياق (الفائز) إلى مركز النقيب. انتظرت قيادة «ميرنا الشالوحي» حتى ليل الجمعة الماضي، من أجل تعميم دعم بركات على المناصرين، من دون أن تعمل على شدّ العصب الحزبي. وكان قد سبق تعميم يوم الجمعة، اجتماعٌ في المقر المركزي للتيار الوطني الحر مساء الخميس، بحضور نائب رئيس «التيار» للشؤون الإدارية رومل صابر، «برز فيه توجه القيادة إلى عدم دعم بركات»، بحسب مُشاركين في اللقاء. ولكن «تضامن المحامين بين بعضهم، أدّى إلى إحراج المسؤولين في التيار، بعد أن احتدمت الأمور بيننا». محاولة القيادة التنصّل من دعم بركات، «تجلّت اليوم (أمس)، بعد أن حلّ رابعاً في الدورة الأولى المخصصة لانتخاب أربعة أعضاء، خلفاً للذين انتهت ولايتهم. أما الشدياق، فقد حلّ ثانياً». ويقول هؤلاء إنّ «النتيجة التي حصل عليها بركات هي بفضل مجهوده الشخصي، ولا منّة للتيار أو أي تحالف آخر عليه. مثلاً، قال تيار المستقبل إنّه سيُقسّم أصواته خلال الدورة الأولى بين بركات وعزيز طربيه، ولكن الحقيقة أنّ المستقبل كان منذ البداية سيُقسّم أصواته بين طربيه ومُرشح القوات اللبنانية فادي مسلّم (الذي انسحب عشيّة الانتخابات). نتيجة التطورات السياسية، قرّر استبدال بركات بمسلّم، من دون أن يُترجم دعمه بالشكل المطلوب». والدليل على ذلك، أنّ «قسماً من المحامين في تيار المستقبل جاهروا بعدم منح صوتهم للمُرشح العوني».
لم تنجح زيارة الوزير السابق نقولا الصحناوي، لقصر العدل، في شدّ العصب العوني حول بركات. تقول مصادر رسمية في «التيار» إنّ الهدف الأساسي لحضوره هو «الوقوف إلى جانب الرفاق. لا يجوز تحميلها أبعاداً أخرى». ورداً على سؤال عن غياب الحماسة لتبنّي بركات، تشير المصادر إلى أنّه «كان هناك دراسة للأرض من أجل التثبت من حظوظ بركات. فحين تبين أنّه قوي، وقام بدوره من حيث التواصل مع الناس، وبعدما أمّنا التحالفات، حُسم نهائياً السير به». قبل أن تُقرّ بأنّه «قد يكون الوضع قد تأثّر سلباً بسبب التأخر في إعلان الموقف والظروف السياسية التي استجدّت».
هناك أمرٌ آخر كان عددٌ من المحامين العونيين، وآخرون داعمون لبركات من انتماءات سياسية مُختلفة، يتحدثون عنه، هو دعم «بعض نواب التيار الوطني الحرّ، بشكل علني، للشدياق». يُشيرون تحديداً إلى النائب إبراهيم كنعان، «نظراً للعلاقة الشخصية التي تربطه بالشدياق، ولحسابات انتخابية مناطقية، لكون الأخير من المتن». تنفي مصادر أخرى في «التيار» ذلك، مؤكدة أنّ «كنعان رفض هذه المرّة التدخل. كان هناك رأي لدى فئة داخل التيار، بأنّه إذا كان هدفنا الربح المضمون، يجب دعم الشدياق الذي لديه خبرة في العمل النقابي، وهو قريب من التيار». ولكن بعد أن صدر القرار بدعم بركات، «التزم الجميع وعملنا لمصلحته».
قرابة الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس، صدرت نتائج الدورة الأولى لانتخابات الأعضاء الأربعة إلى مجلس النقابة. ومن أصل 19 مُرشّحاً، جاءت النتائج على النحو الآتي: ندى تلحوق (المدعومة من التقدمي الاشتراكي) حصلت على 1935 صوتاً، الشدياق حصل على 1893 صوتاً، طربيه حصل على 1801، وبركات حصل على نسبة 1765 صوتاً. أمّا أسعد سعيد، المدعوم من حركة أمل، فقد حلّ عضواً رديفاً 1362 صوتاً، لكنه انضم إلى مجلس النقابة بعد أن انسحب النقيب السابق أنطونيو الهاشم لمصلحته. أما مُرشح حزب الكتائب جاك أبو عبدالله، فلم ينل سوى 1030 صوتاً.
قبل المباشرة بالدورة الثانية، أعلن عضو النقابة وجيه مسعد انسحابه من الانتخابات على مركز النقيب. دقائق قبل أن يطلب بركات الكلام، مُعلناً التزامه كلمتَه لناحية الانسحاب إن لم يحلّ في أحد المركزين الأول أو الثاني، «وهو ما تعهّد به لقيادة التيار»، بحسب المعلومات. بعد ذلك، وصلت إلى هواتف المحامين العونيين رسالة قصيرة فيها دعوة «إلى التصويت في الدورة الثانية التي تجري الآن للأستاذ أندريه الشدياق». وتفيد معلومات «الأخبار» بأنّ الوزير جبران باسيل «اتصل بمسؤول هيئة المهن الحرّة داني الغفري يؤكد عليه انسحاب بركات من المعركة، مُقابل التعهد بأن يدعم الشدياق مُرشح التيار في الانتخابات المقبلة»، على الرغم من «ارتفاع صوت النائب نعمة الله أبي نصر، ونعمان مراد، اعتراضاً على هذا القرار». وفور صدور النتائج، اتصل الشدياق بباسيل لشكره على دعم «التيار» له (نال الشدياق 2459 صوتاً، مقابل 1492 لطربيه).
ملاحظات عدّة سجّلها قسمٌ من المحامين أمس. تحدثوا عن العدد الكبير للمُرشحين، و«غياب الحماسة السياسية للتنافس. قد تكون أزمة (رئيس الحكومة) سعد الحريري قد خطفت الوهج». والملاحظة الأخيرة، غياب القوات اللبنانية، بعد سحب مُرشحها فادي مسلّم. تقول مصادر في القوات اللبنانية إنّه «كنا نُعول على تحالف مع تيار المستقبل والاشتراكي. بعد أن انتفت ظروف المعركة، والحظوظ، قرّرنا الانسحاب وترك الخيار للمحامين». وهناك أمر آخر تحدّث عنه المحامون في قصر العدل، «بيار حنا، رجل القوات القوي في النقابة، ساهم في دفع مسلّم إلى الانسحاب، لأنه كان يدعم خيار الشدياق».