كتب آلان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
في وقت إحتفل لبنان بعيد استقلاله الـ74، يعيش بلد الأرز نوعاً من الاستقرار الحَذر تأكّد بعد إعلان الرئيس سعد الحريري تريثه بالإستقالة، ما يُثبت أن المظلّة التي حمت لبنان سابقاً ما زالت موجودة.
يبقى موعد الانتخابات النيابية المقبلة معلّقاً على حبال الآمال الداخلية والخارجية، إذ إنّ معظم الأفرقاء السياسيين غير متحمسين لهذه المغامرة، التي وإن لم تصل الى حدّ قلب التوازنات الداخلية، إلّا أنها تعتبر استحقاقاً داخلياً صعباً هم في غنى عنه في مرحلة أقلّ ما يقال عنها إنها رمادية تميل الى السوداوية.
ويؤكد الجميع أنّ أحد أهم شروط إجراء الإنتخابات النيابية هو التوافق السياسي في البلاد، بغضّ النظر عن الأحجام داخل السلطة. فعام 2005 حصل توافق إقليمي دولي (أميركي- فرنسي- سعودي- إيراني، كان السوري غير بعيد عنه)، أفضى الى تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الإنتخابية، ومن ثم إجراء الإنتخابات التي أمّنت الانتقال السياسي للسلطة.
وبعد 3 أعوام، توجّه الزعماء الى قطر بعد أحداث 7 أيار، وهناك أبرموا «اتفاق الدوحة» الذي نَصّ في أحد بنوده على اعتماد قانون «الستين» وإجراء الانتخابات في موعدها.
لكن، ما كان متوافراً في عامي 2005 و2009 يبدو غائباً حالياً، إذ إنّ هناك إجماعاً دولياً على استقرار لبنان من دون ان يصل الى حدّ الضغط لإجراء الإستحقاقات الدستورية.
فالبلاد عاشت على مدى سنتين ونصف السنة فراغاً رئاسياً من دون أن يَرف للمجتمع الدولي جفن، وما ينطبق على رئاسة الجمهورية ينطبق على الانتخابات النيابية مع فارق وحيد، وهو وجود العماد ميشال عون على رأس الجمهورية، وهذا الأمر يشكّل اختباراً له.
ويهمس البعض في مجالسه عن سيناريوهات عدّة للمرحلة المقبلة، أبرزها إجراء انتخابات مع إقرار قانون جديد أو العودة الى قانون «الستين».
ويتطلّب إلغاء قانون النسبية مع 15 دائرة، المُقَرّ حديثاً، قانوناً إنتخابياً جديداً مهما يكن، يقرّه مجلس النواب، إذ قد يُقدَّم مثلاً مشروع قانون جديد ويقرّ بالغالبية، وينهي قانون النسبية، خصوصاً أنّ الممثلين الأساسيين للسنّة والدروز لم يحبّذوا قانون النسبية الذي سيفقدهم السيطرة على عدد من المقاعد المسيحية.
لكن هذا الأمر دونه عقبات كثيرة، فالقضية تتعلّق بالميثاقية، إذ لا يكفي ان ينال أي قانون انتخابي الغالبية، بل يجب ان يحظى بموافقة أطياف التركيبة اللبنانية. وكما أخذ القانون الأخير وقتاً طويلاً للإتفاق عليه في اللحظة الاخيرة، فإنّ أيّاً من القوانين الجديدة لن يبصر النور بسبب التشرذم السياسي.
وتتمثّل العقبة الثانية التي تقف عائقاً أمام تغيير القانون الحالي، في الموقف المسيحي الرافض لهذا الأمر، فالمسيحيون لن يقبلوا بالعودة الى قانون «الستين» بتاتاً، وهم خاضوا معركة طويلة من أجل استرجاع تمثيلهم النيابي.
وفي هذا الإطار سيكون رئيس الجمهورية أول المعارضين لأيّ عودة الى القوانين المُجحفة، كما انّ بكركي ترفض هذا الموضوع، إضافة الى الأحزاب الرئيسة وفي مقدمها «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، كما أنّ أي عودة الى القوانين القديمة ستعتبر ضرباً للتمثيل المسيحي وستُدخل البلاد في مواجهات طائفية حادة.
ومن جهة أخرى، فإنّ الثنائي الشيعي، المتمثّل بـ»حزب الله» وحركة «أمل»، متمسّك بالنسبية كما أقرّت، وقد أعلنا مراراً رفضهما أي تعديل في القانون، على رغم أنهما سيحتفظان بحصتهما النيابية مهما كان القانون. وبالتالي، فإنّ الرفض المسيحي يبقى الأهم.
وفي وقت انتهت مهلة تسجيل اللبنانيين المنتشرين من أجل المشاركة في الإنتخابات، وبلغ عدد المسجّلين نحو 92 ألفاً في القارات الخمس، فإنّ هذا الرقم على أهميته يبقى دون المستوى المطلوب لأنّ عدد المغتربين هو بالملايين ويوازي عدد المقيمين، كما أنّ قسماً ممَّن تسجّل كان يشارك في العملية الإنتخابية من خلال مجيئه الى لبنان، وهذا الأمر ظهر جليّاً خلال انتخابات العام 2009 التي استقدَم فيها فريقا «8 و14 آذار» أعداداً هائلة من المغتربين. وبالتالي، فإنّ الفرق يكمن في أنّ هؤلاء سيصوتون من الخارج بدلاً من المجيء الى وطنهم، وهذه العملية تحتاج الى متابعة أكثر.
بين إمكان تغيير القانون الجديد بعد خروج أصوات تطالب بذلك لأنه يمنح «حزب الله» وحلفاءه الغالبية، وبين التمديد للمجلس النيابي، يبقى الخيار الثاني هو المرجّح في حال لم تسمح الظروف السياسية بإجراء الإنتخابات، لأنّ الدخول في نقاش سيعيد استنهاض الروح المذهبية والطائفية في مرحلة دقيقة قد تشتعل المواجهة فيها في اي لحظة، فيما لن تشكّل الإنتخابات حلاً للأزمة السياسية بل سوف تشكل تمديداً لها، لأنّ أيّاً من الأفرقاء لن يستطيع تأليف حكومة بمفرده.