IMLebanon

عودة “حكم الترويكا”… والحريري الحلقة الأضعف

كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الاخبار”:

تطورات الأسابيع الأخيرة وما خلصت إليه المفاوضات لعودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته، لا تزال تقدم كل يوم مشاهد جديدة عن الاصطفافات الإقليمية التي باتت تتحكم باللعبة الداخلية.

لا يُعقَل بعد أحداث الأسابيع الثلاثة المصيرية أن تكون قيادات تيار المستقبل مقتنعة حقاً بما اعتبرته في بيانها أمس «انتفاضة التيار الأزرق ودوره في استقرار لبنان». ثمة إشكالية كبيرة تكمن في حقيقة ما أسفرت عنه الأحداث الأخيرة، بدءاً من تحديد الأدوار والمسؤوليات والنتائج التي ترتبت عن الاستقالة فالتريث، مع كل ما رافقها.

لأنه ببساطة، لا التيار الأزرق هو الذي أعاد الحريري إلى بيروت، ولا هو الذي حمى استقرار لبنان. ويكابر من في تيار المستقبل كثيراً حين يحصر تداعيات الحدث السياسي الكبير، بتعويم نفسه انتخابياً، وتصفية حسابات ضيقة لا تخرج من الزواريب المحلية. فيما هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة عمّا حصل في السعودية وبعدها.

فبعد انتهاء العاصفة، لا بد من قراءة تتعدى صخب الأغاني والأهازيج، للمساءلة فعلياً كيف يمكن رئيسَ حكومة أن يقول ما قاله في الرياض، ويعود إلى بيروت ويتريث باستقالته، من دون إعطاء أي تبريرات لما حصل وكيف حصل، وكيف يمكن ألا يتكرر ما جرى بعد أن تنتهي مهلة التريث؟ وأي رئيس للحكومة وأي قيادات سياسية تلك التي صورت نفسها أنها انتصرت؟ فكيف وعلى من انتصرت، على حلفائها في 14 آذار الذين غابوا عن بيت الوسط، أم على حزب الله، على السعودية ووزرائها، أم على وليّ عهدها؟ هل خرج الحريري من العباءة السعودية، وكيف يعود إلى الرياض التي خرج منها مستقيلاً، رئيساً للحكومة مع وقف التنفيذ، أم رئيساً كامل الصلاحيات؟

تُبدي مصادر سياسية خشيتها من الاستعجال في قطف ثمار الضغط الإقليمي والدولي، في إعادة الحريري وإعلانه تريثه. وتشير إلى أن الصورة الحالية للبنان، باتت تشبه تلك التي جرت بعد اتفاق الطائف، مع فارق الوجوه والقوى التي تتحكم بمفاصل الحياة السياسية. إذ أدار الرئيس الراحل رفيق الحريري ومعه النظام السوري الوضع الداخلي عبر ترويكا حكمت مع الرئيس الياس الهراوي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. بقي لبنان منذ 1990 وحتى اشتداد الأزمة بين سوريا والحريري محكوماً باتجاه واحد. اليوم مع تغير الاتجاه الإقليمي الذي له اليد الطولى في لبنان، وبعد امتداد إيران وصعود قوة حزب الله، ومع مجيء الرئيس العماد ميشال عون، بات يمكن الكلام على سنوات حكم مقبلة تصبّ في اتجاه واحد. الحدث السياسي الأخير، وطريقة التعاطي فيه، كرّسا ما كان قد بدأ خلال الأشهر الأولى للعهد والتسوية الرئاسية، من رجحان كفة فريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني على ما عداه من القوى المسيحية وتكريس الحريري شريكاً في ترويكا تتعاون في ملفات سياسية ومالية واقتصادية مع بري وحزب الله.

وبعد استقالة الحريري والأسلوب الذي جرت فيه محاكاة الانقلاب السعودي، كرّس عون وحزب الله، برعاية إيرانية، دورهما في التحكم أكثر فأكثر باللعبة السياسية. ورغم أن الحريري كان شريكاً مساهماً، إلا أن تداعيات ما حصل سعودياً وعربياً، سيجعل تياره الطرف الأضعف، من دون غطاء سعودي، بخلاف ما حاول تيار المستقبل الإيحاء به في تجمعات بيت الوسط أول من أمس. والمنحى الذي سلكه رئيس الجمهورية سيتكرس من الآن وصاعداً، في علاقاته مع القوى السياسية بحسب التصنيفات التي تعطى لمن وقف مع السعودية أو ضدها. وهنا يصبح الكلام عن الخلاف مع بكركي وانتقاد الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للرياض، كلاماً متقدماً ويأخذ منحىً مغايراً بعد عودة الحريري. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة مع القوات اللبنانية التي يستهدفها التيار الوطني وتيار المستقبل على الخلفية ذاتها.

وفقاً لذلك، هل يمكن الكلام عن أن أزمة الاستقالة طويت، وعاد لبنان ليواجه مرحلة استقرار كما كانت حاله قبل الاستقالة؟

لا يعطي سياسيون أجوبة إيجابية، لأن لا الاستقالة طويت، ولا عادت عقارب الساعة إلى الوراء، فثمة نتائج أسفرت عنها الأزمة تحتاج إلى إيضاحات كي يعود الاستقرار إلى ما كان عليه.

بحسب سياسيين مطلعين على حوارات جرت سعودياً، فإن المطلوب اليوم من الحريري الحصول على أجوبة واضحة عن التزام لبنان وحزب الله النأي بالنفس، والمهلة التي أُعطيت للحريري لن تتعدى الأسبوعين. ولأن الكرة أصبحت في ملعب عون وحزب الله، يعني أن على الطرفين أن يقدما أجوبة «حقيقية» عن ابتعاد حزب الله عن الساحات الإقليمية. وبناءً على ذلك، يمكن الكلام عن إلغاء مفاعيل الاستقالة، خلال أسبوعين، وهي المهلة التي تمت بناءً على مفاوضات إقليمية ودولية. ويخطئ من يعتقد أن السعودية التي وضعت نفسها أمام العالم في موقع الانتقاد إعلامياً وسياسياً، يمكن أن تتراجع في الضغط لتحقيق ما تريده من إيران وحزب الله.

قد لا تبدو مهلة الأسبوعين منطقية بالنسبة إلى البعض، لأن السعودية اليوم في مرحلة مراجعة حسابتها، بناءً على التطورات الأخيرة وما أسفرت الاتصالات معها. فالحريري في نسخته الجديدة، يفترض أن يكون قد استفاد من عبرة ما حصل، كما هي حال المقربين منه الذين باتوا في مقدم خصوم الرياض الحالية. وتبعاً لذلك، تتوقع السعودية أن يكون الحريري حاسماً في تحديد أولوياته وخياراته الإقليمية، منذ اللحظة التي عاد فيها إلى لبنان، وبقدر ما يؤمن ما طلبته السعودية يبقى رئيساً للحكومة، وإلا فإن الاستقالة تصبح نهائية. ما عدا ذلك، هناك أمور حريرية لا تزال عالقة في السعودية، لا دخل لها بعائلة الحريري المقيمة هناك أصلاً، بل لها علاقة بمصالح اقتصادية مالية وأسئلة محورية عن ملفات كثيرة، أجوبتها معلقة على نوعية المسار الذي يتخذه الحريري العائد إلى لبنان.

وفي مقلب آخر، يبدي سياسيون ثقتهم بأن التريث مقدمة منطقية لطيّ الاستقالة، وأن صلاحية التدخل الفرنسي والمصري لا تنتهي في أيام قليلة، وأن التمسك الدولي باستقرار لبنان، في مرحلة المفاوضات الدولية والإقليمية حول سوريا والعراق، طغى على الملفات الجانبية المتعلقة بمصير حزب الله وسلاحه. علماً أن الذين يراقبون أداء الرياض، يتحدثون عن إصرار سعودي على خطورة دور حزب الله في المنطقة. أما دوره في لبنان وسلاحه فخارجان عن الحسابات السعودية في هذه المرحلة. وعدا عن أن هذا الأمر ترك للحوارات الأوروبية والأميركية مع لبنان الرسمي، ثمة واقعية سياسية لا يمكن حتى السعودية تخطيها. إذ لا يمكن أيّ طرف التسليم بأن حزب الله الخارج من العراق والمطلوب أن يخرج من اليمن، وتُطرح مسألة وجوده في سوريا على بساط المفاوضات الدولية، أن يطالب أيضاً بتسليم سلاحه في لبنان، وهو أمر بدا في الأيام الأخيرة غير مطروح إقليمياً في إطار أزمة الحكم الناشئة.