IMLebanon

لبنان يَمضي في “الهبوط الهادئ” بانتظار المَخرج الآمِن

كتبت ليندا عازار  في صحيفة “الراي” الكويتية:

تَمضي بيروت في مسار «الهبوط الهادئ» الذي اختار رئيس الحكومة سعد الحريري اعتماده للأزمة التي عبّر عنها إعلانه استقالته من الرياض قبل أن يقرّر التريث في هذه الخطوة ويعلّقها على مشاوراتٍ داخلية «محميّة» عربياً ودولياً في محاولةٍ لإخراج لبنان من «عين العاصفة» التي تلوح في أفق العلاقات الأميركية والخليجية مع إيران وتوفير «مانعة صواعق» تُبقيه في «منطقة الأمان» ولكن على قواعد جديدة تأخذ في الاعتبار موجبات «الغضبة» العربية والسعودية خصوصاً من أدوار «حزب الله»، بوصْفه «ذراعاً» لطهران و«شريكاً» في الحكومة اللبنانية، في ضرْب الأمن القومي العربي.

وفي اليوم الثالث على إعلان الحريري تَريُّثه في الاستقالة، بعد ساعات على عودته الى بيروت، بقي المشهد الداخلي مشدوداً الى الاتصالات التي يقودها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لاحتواء الأزمة التي انفجرتْ في 4 نوفمبر الجاري، وسط معطيات تتحدث عن ان هذه المشاورات لن تتّخذ شكل طاولة حوارٍ بل ستكون وفق قنوات ثنائية لاستكشاف إمكانات التوافق على «السيبة الثلاثية» للحلّ التي حدّدها رئيس الحكومة وهي احترام «اتّفاق الطائف» و«النأي بالنفس» عن صراعات المنطقة وأزماتها وصون العلاقات مع الدول العربية.

وفي حين بدا واضحاً أن فترة التريث لن تشهد اجتماعات للحكومة، فإن أوساطاً متابعة ترى ان «الاستنفار» الدولي الذي أعقب إعلان الحريري استقالته والذي رمى لإعادة الاعتبار الى عنوان «الاستقرار أولاً» في لبنان وكرّس رئيس الحكومة ركيزة أساسية في هذا الاستقرار، يجعل من الصعب تَصوُّر ألا تنجح المساعي في اجتراح مَخارج تراعي «دفتر الشروط» العربي – الدولي بالنأي بالنفس بما يوفّر لزعيم «تيار المستقبل» طريق العودة النهائية عن استقالته وفي الوقت نفسه لا يُظْهِر «حزب الله» على أنه أذعن لضغوطٍ خارجية في مسار «الانسحاب» ولو بعد «إنجاز المهمّة» من بعض الساحات مثل العراق أو «فك الارتباط» المباشر مع ساحات أخرى مثل اليمن بعدما رَفَدَ حلفاءه فيها بعناصر «المواجهة الذاتية».

ولاحظت هذه الأوساط عبر «الراي» ان ركيزتيْ «الاشتباك الخارجي» الذي جاءت الاستقالة على وهجه، أي طهران والرياض، رسمتا في ملاقاة دخول لبنان في وضعية on hold خطوط تعاطيهما بإزاء المرحلة المقبلة في لبنان ومساعي إعادة شبْك خيوط «ربْط النزاع» الداخلي، وذلك على قاعدة تكريس إيران نزْع سلاح «حزب الله» كعنوانٍ يبقى من «المحرّمات»، في موازاة إعلان السعودية بلسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أول إطلالة على الملف اللبناني منذ إعلان الاستقالة وما رافقها وأعقبها من علامات استفهام ان «خلاصة القضية» ان «الحريري، المسلم السني، لن يستمرّ في توفير الغطاء السياسي لحكومةٍ لبنانية تتحكّم بها في شكل أساسي ميليشيا (حزب الله) التي تتحكّم بها طهران»، وهو ما فُسِّر على أنه يُعبّر عن جوهر اعتراض المملكة على اختلال الموازين بقوة على مدار العام الماضي وظهور لبنان الرسمي على تماهٍ كامل مع «حزب الله» وأجندته الاستراتيجية.

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع تثبيت ولي العهد السعودي مسار المواجهة مع إيران من خلال وصْفه المرشد الاعلى علي خامنئي بأنه «هتلر الشرق الأوسط»، كان السقف الداخلي للمرحلة يرتسم من خلال كلام الحريري الذي طرح معادلة «الدول العربية لديها الحق أن تحافظ على أمنها ونحن لدينا الحق أن نحافظ على استقرارنا وأمننا أيضاً»، كما عبر تأكيد وزير الداخلية نهاد المشنوق أنَّ «موضوع نزْع سلاح حزب الله غير مطروح الآن»، وأنه يُحلّ بإطار الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان ضدّ إسرائيل.

وجاء كلام الحريري خلال استقباله مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد كبير من مفتي المناطق والمحافظات اذ اكد أنّ «خيار التريّث يتيح في مكان ما فرصة لجميع الأفرقاء السياسيين للتأكّد من أنّ النأي بالنفس عن كل ما يحصل من حولنا هو السياسة الأساسية التي تحمي لبنان من أيّ مشاكل في المنطقة». وقال: «صحيح أن استقالتي كانت واضحة لكن اليوم هناك تريث لمصلحة البلد وليس لمصلحتي السياسية والشعبوية، أنا أرى أن واجبي أن أوصل الناس إلى بر الأمان، ليس خوفاً من المواجهة، وأنتم تعرفون أني لم أحد يوماً عن المواجهة. نحن لدينا مشوار طويل، ولا بد في هذه المسيرة أن نحافظ على علاقتنا مع كل الدول العربية، التي لديها الحق أن تحافظ على أمنها ونحن لدينا الحق أن نحافظ على استقرارنا وأمننا أيضاً». وأضاف في أول ذكر للمملكة العربية السعودية منذ عودته الى بيروت: «نحن نريد أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وخصوصاً وأنكم تعلمون ما قدّمتْه وتقدّمه للبنان، وهذا المشروع سنكمل به إن شاء الله».

وذكّر بأنه اتخذ قرار التريث في تقديم الاستقالة «نظراً إلى إصرار رئيس الجمهورية ولأنني كنت دائماً واضحاً وأطالب بأن تكون سياسة النأي بالنفس بالفعل وليس بالكلام فقط، ويجب ألا تكون هذه السياسة على حساب أشقائنا العرب، وإلا فإنه سيكون لنا موقف آخر».

وفي موازاة ذلك، كان الرئيس عون يشدد على «أننا تمكنا من تجاوز الأزمة واستطعنا إعادة الأمور الى طبيعتها في فترة قصيرة نتيجة الوحدة الوطنية»، داعياً «لعدم الخوف، فما من أزمات إلا وستُحل وفق مصلحة لبنان، ولن يؤثر علينا أحد في كل ما يتعلق بسيادتنا واستقلالنا طالما نغلب مصلحة لبنان على ما عداها».

وكان لافتاً ان عون كلّف وزير الدفاع يعقوب الصراف المشاركة في مؤتمر وزراء الدفاع التحالف الاسلامي لمحاربة الإرهاب في الرياض، شاكراً الملك سلمان بن عبد العزيز على الدعوة.

ولاقى الرئيس بري المناخ التفاؤلي الذي عبّر عنه عون بتأكيده ان «الأمور ماشية وتسير نحو الأحسن، وثمة استعداد من الجميع وفي الإمكان التوصل الى الحل النهائي في أيام قريبة، وأستطيع القول اننا تجاوزنا 90 في المئة من القطوع الذي هدد البلد. وفي النهاية المطلوب ان يأكل اللبنانيون العنب وليس ان يقتلوا الناطور».