كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: يُدرك الرئيس سعد الحريري بعد إنتهاء أزمة إحتجازه في السعودية، وفشل سيناريو إنهاء مسيرته السياسية لمصلحة شقيقه الأكبر بهاء، وعودته الى لبنان، أنه بات في رقبته ديونا لا بد من أن يوفيها لأصحاب الحقوق عليه، كما لديه حسابات عليه أن يصفيها مع المقربين والحلفاء الذين ساروا في مخطط إغتياله سياسيا.
أولى هذه الديون هي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولرئيس مجلس النواب نبيه بري اللذان ساهما في حمايته وفي تأمين تضامن وطني جامع معه وحوله، وفي التهديد باللجوء الى المجتمع الدولي لاطلاق حريته من السعودية، وهو وفى بعضا من هذا الدَين باستجابته لتمني الرئيس عون بالتريث في تقديم إستقالته.
أما الدين الأكبر فهو للدائرتين العائلية والحريرية الضيقتين المحيطتين به واللتين تحولتا منذ تلاوته بيان الاستقاله في الرياض الى خلية نحل تحركت على أكثر من صعيد محلي ودولي، ونجحت في نسج شبكة أمان حوله، ورفضت منطق “المبايعة” الذي واجهه وزير الداخلية نهاد المشنوق من الباب الشرعي في دار الفتوى عندما قال عبارته الشهيرة “نحن لسنا قطيع غنم” ومن الباب السياسي عندما أكد أن أي تغيير لا يمكن أن يحصل إلا من خلال الانتخابات، إضافة الى وزير الثقافة غطاس خوري الذي تولى مواجهة ″الخونة″، مدعوما من النائب باسم السبع، والمستشار الاعلامي هاني حمود.
يقول مطلعون على أجواء تيار المستقبل: إن ضغطا سعوديا كبيرا مورس على السيدة نازك الحريري، والعمة بهية من أجل السفر الى المملكة لمبايعة بهاء، ولو أن السيدتين ضعفتا ورضختا للارادة السعودية، لانتهى الأمر بالنسبة لسعد الحريري ولتقاطرت كل القيادات الى أرض الحرمين للقيام بواجب المبايعة التي تعطلت بموقفين جريئين، حيث إعتذرت السيدة نازك بداعي المرض، وأجرت إتصالا ببهاء الحريري وطلبت منه الوقوف الى جانب شقيقه سعد بدل أن يتطلع الى قيادة تيار المستقبل، بينما كان إعتذار العمة بهية بحجة إرتباطها بالمواعيد أقرب الى التمرد على القيادة السعودية.
تشير المعلومات الى أنه منذ إعلان الاستقالة التي نزلت كالصاعقة على الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الحكومة، تشكلت أكثر من خلية أزمة قوامها نادر وأحمد ووالدتهما بهية.
سارع نادر الحريري الى الاتصال برئيس الجمهورية ميشال عون لشرح الملابسات، كما إتصل بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبدوائر القرار في أوروبا وأميركا، وإتفق مع وزير الخارجية جبران باسيل على القيام بجولة أوروبية بهدف الضغط على السعودية، ويتحدث بعض العارفين بأن الشيخ نادر تولى جزءا من تأمين المواعيد لباسيل.
في حين إهتم الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بمواجهة مفاعيل الاستقالة في الدوائر المستقبلية، فتواصل مع عدد كبير من الكوادر في كل المناطق بهدف شدّ أزرهم والتخفيف من الاحباط اللاحق بهم، وعمل على شد العصب الأزرق وترجمته بالشعارات التي رفعت في الشوارع مترافقة مع الصور واليافطات.
أما النائب بهية الحريري فانهمكت في عقد اللقاءات مع الفصائل الفلسطينية لتحييد المخيمات عن أي فتنة داخلية، وفي قيادة الكتلة النيابية وفي ضبط بعض المواقف وصولا الى فرض صيام عن الكلام لأكثرية النواب، وتشير مصادر مستقبلية الى أن صوت العمة بهية تردد صداه في أرجاء بيت الوسط أكثر من مرة خلال الاجتماعات حيث كانت تشدد على ضرورة تأمين سلامة الرئيس الحريري وتأمين عودته سالما الى لبنان.
تقول مصادر مستقبلية: إن الانقلاب الذي تم تحضيره في السعودية من خلال تقارير لبنانية رفعت الى ولي العهد محمد بن سلمان كان ذو وجهين: الأول الاطاحة بالرئيس سعد الحريري، والثاني معاقبة الدائرة الضيقة المتهمة بانجاز التسوية وتسويقها والعمل بها، وأبرز المغضوب عليهم كان نادر الحريري الذي كان ينسق العمل وكل القرارات مع الوزير جبران باسيل.
وترى هذه المصادر أن السحر إنقلب على الساحر، خصوصا بعدما وجد ولي العهد السعودي نفسه أمام ضغط أميركي ـ أوروبي، وبعدما إكتشف أن التقارير التي رفعت إليه كانت بعيدة عن الواقع، فعاد الرئيس الحريري الى لبنان مستعيدا جزءا من شعبيته التي حاول إظهارها للسعودية بكلامه أمام حشد بيت الوسط “من له عينان فلير، ومن له أذنان فليسمع”، وحافظ على دائرته الضيقة الوفية، في حين أن الدائرة المحيطة بولي العهد بقيادة الوزير ثامر السبهان غابت عن السمع بشكل كامل.
وتختم هذه المصادر: من كان وفيا للرئيس الحريري من المقربين أو من الحلفاء يعرفون أنفسهم ويعرفهم هو حق المعرفة، ومن خانه أو شى به، أو حاول وراثته أو سعى للاستفادة من ظروف إحتجازه أو قدم أوراق إعتماده، يعرفون أنفسهم أيضا، ويعرفهم الرئيس الحريري الذي من المفترض أن يعيد صياغة تياره وتشكيل هيكليته من جديد، وستكون الانتخابات النيابية المقبلة الفرصة السانحة لتصفية حسابه مع كل من حاول النيل منه في محنته.