يجزم بعض زوار المملكة العربية السعودية الذين تسنى لهم عقد لقاءات مع عدد من المسؤولين في الرياض ان لا علاقة بين وجود رئيس الحكومة سعد الحريري فيها وما شهدته من عمليات تعتبرها تصويبا للوضع ووقفا لكل اشكال الفساد واستغلال مواقع النفوذ من اجل الثراء الشخصي، اذ ليس من بين من يحاكمونهم من يمكن تشبيههم بالقضاة الإيطاليين اصحاب “الاكف البيضاء”. فالقضية مهما رافقها وتخللها تبقى شأنا سعوديا محضا لا يطال ايا من المواطنين غير السعوديين، لا في المملكة ولا في دول الجوار او العالم.
ويؤكد الزوار استنادا الى المعلومات التي استقوها هناك ان التزامن بين تنظيم الزيارة الأخيرة للرئيس الحريري وما شهدته من توقيفات قد يكون من ضمن خطة ذكية، حرفت الأنظار عما شهدته المملكة وحصرت الاهتمامات الدولية بقضية الرئيس الحريري فتحولت قضايا الموقوفين من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين وقادة الوحدات العسكرية ورؤساء مجالس ادارة ومديري الشركات العملاقة الى الدرجة الثانية، وهو ما قاد الى تلبية الأهداف السعودية الداخلية والخارجية دفعة واحدة في مرحلة لم تشهد المملكة مثيلا لها من قبل وربما منذ تاسيسها.
وعليه يعدد الزوار للوكالة “المركزية” الرسائل السعودية التي تم توجيهها في اكثر من اتجاه مع الرغبة بتقسيمها الى شقين اساسيين:
الاول يتتعلق بالوضع السعودي الداخلي الذي تحرص السعودية على ابقائه شأنا داخليا محضا وسط حرص على الا تمس اجراءاتهم بحق الموقوفين الذين يخضعون للتحقيقات، اوضاع الشركات الدولية وتلك العابرة للقارات التي يمتلكون اسهما فيها او بالكامل، بالسوء، منعا للمس بالإقتصاد العالمي الذي يمكن ان يتأثر بملكيات الموقوفين على اكثر من مستوى مالي واقتصادي واجتماعي ويُلحق الأذى بدول وشركات واشخاص ومجتمعات.
اما الثاني فيتصل بالملف اللبناني لما لقضيته من ترابط، تراه السعودية متكاملا مع ما يجري في سوريا والعراق امتدادا الى البحرين واليمن. وهنا يتوقف الزوار عند خطوة “حظر” حركة الرئيس الحريري من اجل تكبير القضية واعطائها ابعادها الإقليمية والدولية بالنظر الى حجم الغضب الذي يتملك دوائر القرار مما بلغه الاهمال الدولي للتمدد الايراني المتمادي في سوريا والعراق والذي بدأ يتوسع الى لبنان على رغم الجهود التي بذلت لبقائه على الحياد ، وحماية مصالحها على اكثر من مستوى.
وعليه جاءت الإجراءآت السعودية لترفع منسوب القلق على الوضع في لبنان من اجل الاسراع في وضع حد سريع للتمدد الإيراني فيه الى حد مصادرة قرار الحكومة اللبنانية ومنعها من ممارسة سياسة النأي بالنفس التي يشير اليها البيان الوزاري للحكومة بعد خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون عند انتخابه نتيجة للتسوية الرئاسية التي باركتها الرياض ومعها العواصم المؤثرة، شرط انتقال الرئيس المنتخب الى خط الوسط والحفاظ على التوازنات الدقيقة التي ضمنتها هذه التسوية.
لذلك جاءت الإجراءات السعودية لتبعث الرسائل في اكثر من اتجاه اولها في اتجاه طهران لتؤكد انها ليست الوحيدة التي يمكن ان تسيطر على لبنان بقوة السلاح المتفلت من اي شرعية او بالتهديد والوعيد. فللمملكة ايضا قدرتها على شل الدولة عبر المؤسسات الدستورية من خلال الحكومة وسحب الغطاء الذي توفره لحزب الله وحلفائه من اصدقاء النظام السوري وغيرهم. فيما وجهت الرسالة الأخرى الى العالم اجمع بهدف التحرك ووضع حد للتمادي الايراني من خلال لفت نظره الى ان الفوضى في لبنان ستزيد من حجم الأزمة الدولية والمخاطر على الامن القومي في العديد من دول المتوسط واوروبا، ليس على مستوى النزوح السوري فحسب بل ايضا على مستوى توسع نطاق الإرهاب فيها وهو ما غيّر من توجهات الأوروبيين نتيجة تعاطيهم مع ازمة النزوح السوري الذي صدّرته تركيا في وقت سابق بالشكل الذي عزز القوميات الأوروبية ونقل المتطرفين الى السلطة في اكثر من دولة وهدد الأنظمة الوسطية فيها.
وتبعا لذلك، يختم الزوار بالتأكيد ان المملكة لن تترك الوضع في لبنان ، وما وصول سفيرها الجديد وليد اليعقوبي سوى اشارة الى سحب وانهاء خدمات من كلفوا بالملف اللبناني، لا بل كف يدهم وتسليم الملف الى فريق يتقدمه السفير الجديد بالتنسيق والتعاون مع سفراء آخرين والحكومة اللبنانية من خلال مبادرات مرتقبة في وقت قريب ستأتي بعد قبول اوراق اعتماد السفير الجديد اثر عودة رئيس الجمهورية من ايطاليا ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من جولته في اميركا اللاتينية .