كتبت رولا حداد
لا أعرف زياد عيتاني ولم أسمع به قبلاً. تعرّفت إليه مع توقيفه، ولم أعرف لغاية الساعة هل هو “متهم” بالعمالة أو “مشتبه به”. المهم أنه موقوف لأنه بحسب “الروايات الأمنية” و”التسريبات” تواصل مع “ضابطة في الاستخبارات الإسرائيلية”.
هل قلتُ “روايات” و”تسريبات”؟ نعم، هذا بحد ذاته انتهاك لكل القوانين اللبنانية لأن التحقيقات القضائية بحسب القانون تبقى سريّة إلى حين صدور قرار ظني.
حسناً، لستُ في وارد الدفاع عن زياد عيتاني، فأنا لا أعرفه، ولا أعرف ما إذا كان تعامل أو لم يتعامل مع العدو الإسرائيلي، وبصراحة لا أشعر بأي تعاطف معه.
ما استوقفني هو السؤال: إذا صحّ أن زياد عياتي “متعامل” مع العدو، فهل يكون الأول في لبنان؟ شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أوقفت ما لا يقل عن 30 شبكة من عملاء لإسرائيل في الداخل اللبناني أيام اللواء الشهيد وسام الحسن. هل سمعتم باسم واحد منهم؟ هل قرأتم يوماً عن أسماء أي من مسؤولي “حزب الله” السياسيين أو العسكريين أو الأمنيين الذين كان العملاء يرفعوا بهم التقارير إلى مشغليهم؟
ما الذي تغيّر اليوم ليتم الاستخفاف بنشر لائحة من أسماء إعلاميين زملاء مرموقين في البلد بذريعة أن زياد عيتاني تواصل معهم أو رفع تقارير عن لقاءات له معهم؟ وهل يُدرك من يقومون بنشر أسماء الإعلاميين أنهم يعرضونهم للخطر أولاً لأن شريحة من المجتمع من غير المثقفين والمتابعين بدقة لما يجري قد يفهمون الأمور بمنحى آخر لا سمح الله؟! وبأي حق أساساً يتم نشر مضامين تحقيقات سرية بموجب القانون؟ ومن المسؤول عن تسريبها ونشرها؟ وأين السلطات القضائية والأمنية من هذه الفضيحة المدويّة؟ ناهيك عن الفضيحة الأخرى المتمثلة بتراجع الروايات الأمنية يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة من اتهام عيتاني بالتحضير لمحاولتي اغتيال، إلى جمع المعلومات الأمنية، إلى الترويج للتطبيع؟!
وبربكم أين الغريب في أن يحصل أي لبناني على موعد للقاء إعلامي أو سياسي، وخصوصاً أننا عشية انتخابات مفترضة يتهافت فيها السياسيون للقاء المواطنين وليس العكس؟ أي لبناني لا يستطيع أن يقابل الرئيس سعد الحريري أو الرئيس نبيه بري أو الوزير جبران باسيل، أو اللواء أشرف ريفي أو… أو… وأن يأخذ صورة معهم؟
لماذا هذه السيناريوهات الهزلية لتضخيم أمور غير موجودة في محاولة لتسطير إنجازات وهمية باتت مثار سخرية على ألسنة اللبنانيين؟ ولماذا اللجوء إلى وسائل إعلامية وبرامج معروفة باعتمادها “الإثارة” المجانية بهدف رفع “الرايتينغ” بأي ثمن؟ هل وصلت أجهزتنا إلى الحضيض؟
تعود بي الذاكرة إلى لحظة إقدام شعبة المعلومات على اعتقال الوزير السابق ميشال سماحة، وكيف أنهت التحقيقات معه في غضون 48 ساعة وسلمته مع الاعترافات والمضبوطات إلى القضاء المختص. هكذا يكون العمل الاحترافي كما في عشرات الملفات الأخرى لدى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني وفي الأمن العام.
باختصار، على السلطة القضائية والمسؤولين المعنيين وقف المهزلة التي تجري، ولتعد كل التحقيقات إلى طابعها السرّي، وليقل القضاء كلمته في قضية زياد عيتاني وفي كل قضية أخرى، ولنتوقف عن الإساءات المجانية إلى ناسنا، وإعلاميينا، وحتى إلى كفاءة أجهزتنا من خلال ممارسات مسيئة بحق سمعة البلد أولاً وسمعة القضاء وسمعة الأجهزة قبل أن تصيب سمعة زملاء أعزاء لا تنفع معهم محاولات تشهير أو ترهيب أو تدجين!