IMLebanon

حزب الله يستعد لمرحلة مواجهة المَسّ بخطوطه الحمر

فيما كان المشهدُ السياسي الداخلي اللبناني مستغرِقاً أمس في المشاورات التي جرت في قصر بعبدا وخارجه، حول إمكانية إنتاج مفهوم جديد لسياسة “النأي بالنفس” أو إبقائها على حالها كما وردت في أدبيات التسوية الرئاسية وبيان حكومتها الأولى، لوحظ أنّ مساحة البعد الإقليمي لأزمة إستقالة الرئيس سعد الحريري التي دخلت مجال “التريّث” في إنتظار إيجاد إخراج مناسب لعودته عنها أو إقرارها، بدأت تتلبّد بغيوم تشي بإمكانية أن يرتسم فيها سقفُ مطالب أعلى ممّا هو مطروح داخلياً وصْفةً صالحة لمعالجة الأزمة.

وفي معلومات نشرتها صحيفة “الجمهورية” ذات صلة بالمساحة الخارجية الخاصة باستقالة الحريري، ظهرت معطيات تفيد بأنّ الرياض لا زالت تتمسّك بمطلبين لن تغطّي من دون تحقيقهما عودة الحريري الى رئاسة الحكومة: الأوّل، الإصرار على الحريري ان يرفض الترؤس أو المشاركة في حكومة يوجد فيها “حزب الله”، طالما أنّ الأخير لا يزال متمسّكاً بدوره الإقليمي من سوريا الى اليمن. والثاني يتعلّق باستمرارها في التمسّك بمطالبها الإقليمية من الحزب، وما سيشكل بالتأكيد الحلقة الأصعب من بين كل هذه المطالب، وهو مطالبة الحزب بالانسحاب من جنوب سوريا.

وضمن هذه الأجواء، فإنّ مصادرَ مواكبة لتفاعلات ملفّ أزمة استقالة الحريري، تلاحظ أنّ زخمَ “الهجمة السعودية” التي بدأت في الرابع من الحالي لا تزال “تتعاظم”، رغم ما طرأ عليها من “تبريد” في الشكل وعلى مستوى إيحاءات المعنى التفاؤُلي الذي تركته عودة الحريري الى بيروت وقبوله بـ”التريّث”.

وبحسب الصحيفة فان “التطمينات أو المواقف السياسية” التي طرحها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد “حسن نصرالله” في خطابه الأخير والتي حرص على صوغها وإعلانها على نحوٍ يوحي بأنها “موقف سياسي رسمي”، لم تعتبر كافية لدى الأطراف المعنية بتلقّف هذا الموقف، خصوصاً دول الخليج وفي مقدّمها السعودية.

ولدى هذه المصادر ملاحظات عدة، كلها تؤكد على أنّ البُعد الخارجي لأزمة الاستقالة لا يزال يتفاعل، وثمّة خشية من أن يكون مرشحاً لأن تدخل عليه تعقيداتٌ خارجية لم تكن موجودة أو مكتملة عند نشوئها، وذلك بالتزامن مع ما قد يحصل من تجاذبات دولية وإقليمية على صعيد الملف السوري الذي دخل مرحلة ربع الساعة الأخيرة من بدء التسوية النهائية.

وخلاصة التوقعات في هذا المجال تفيد أنه تحت خطّ حفظ الاستقرار المالي والأمني الداخلي الذي ضمن المجتمع الدولي أنّ تفاعلات أزمة الإستقالة لن تمَسّ به، بدأ يتبلور حراكٌ خارجي لبلورة ضغط سياسي على “حزب الله” يلاقي الضغطَ الإقتصادي المنتظر إعلانه ضده مطلع السنة المقبلة.

وتكشف المصادر عينها لصحيفة “الجمهورية” أنّ الإتصالات اللبنانية كانت نجحت فعلياً خلال الصيف الماضي في تنقية النسخة – المسودة من قرار الكونغرس الأميركي الخاص بالعقوبات على “حزب الله” من لائحة ترمي الى فرض عقوبات كانت مطروحةً على حركة “أمل”، ولكنّ النسخة الراهنة والمتداوَلة لا تزال مقلقة، نظراً الى كونها تتّسم بأنها مؤلّفة من ثلاث “خانات” أو “مساحات” للعقوبات: “خانة” أُولى سوداء وفيها عقوبات مالية وسياسية واقتصادية تطال مسؤولين تابعين لـ”حزب الله”، و”خانة” سوداء ثانية وفيها عقوبات على شخصيات لها علاقة وثيقة وشبه علنية بـ”حزب الله”، و”خانة” ثالثة رمادية، وهي الأكثر إتّساعاً في مقابل الخانتين السابقتين المتّسمتين بالمحدوديّة، وتتضمّن فرضَ عقوبات محتملة على شخصيات قد تستنسبها الخزانة الأميركية في حينه لتفرضَ عليها عقوباتٍ مالية وحظرَ تعامل معها.

وتؤكّد هذه المصادر أنّ “حزب الله” يستعد لمواجهة أزمة ضغوط مالية شرسة عليه خلال الفترة المقبلة، وفي الوقت نفسه يستعدّ لمواجهة احتمالات أن يحاول البعض النفاد من أزمة استقالة الحكومة في إتّجاه المَسّ بخطوطه الحمر الإقليمية التي على رأسها بقاؤه عند تموضعه العسكري في جنوب سوريا.

وأبعد من ذلك، فثمّة تقدير موقف استراتيجي، منسوب الى “الحزب” يفيد أنّ مجرد إنسحابه من جنوب سوريا سيقود إسرائيل في اليوم التالي الى بدء تفكيرها جدّياً في شنّ حرب عليه في جنوب لبنان. ويعتبر الحزب أنّ النقطة الأخطر في مشهد استقالة الحريري هو أن تبني أطراف خارجية عليه محاولة الإفادة منه في مجالين: الأول إقليمي، حيث يُصار الى محاولة توظيف الضغوط السياسية الداخلية عليه في نزاع الإرادات الإقليمية والدولية الجاري الآن في سوريا لرسم معالم النفوذ الخارجي داخل الحلّ السياسي السوري. والثاني داخلي ويتمثّل برهان قديم – جديد، وهو دفع كرة نار الاستقالة لتستقرّ في حضن تباين ينشأ في شأن حلّها بين عون و”حزب الله”.